قرى محاجر المنيا.. بلاد العواجز: «بنرمى عيالنا للموت بإيدينا»

كتب: أبوضيف وأحمد العميد

قرى محاجر المنيا.. بلاد العواجز: «بنرمى عيالنا للموت بإيدينا»

قرى محاجر المنيا.. بلاد العواجز: «بنرمى عيالنا للموت بإيدينا»

يغفو الطفل الصغير «محمود»، ملقياً بجسده النحيل على فراش مهترئ، فيما يغط فى نوم عميق، ويصدر غطيطاً فى وهن، بين جنبات غرفة بنيت من الطوب الأبيض، مغطاة بـ«الجريد»، وإلى جواره «محمد أحمد» والده على أريكة خشبية.. يرنو إلى نجله: «إحنا بنقدم عيالنا للموت بإيدينا».. الصبى سقط فى غفوة من الزمن، والتهمت رجله أسنان ماكينة «الفصالة»، ومنعته إعاقته السمعية من الانتباه لصياح من حوله، أثناء عمله بالمحجر المتاخم لقريته «الشيخ حسن»، إحدى قرى شرق البحر، بمحافظة المنيا، فوالده المكلوم لا يقوى على تحمل نفقات أشقائه بمفرده فدفعه للعمل فى المحاجر منذ نعومة أظافره: «ماعندناش شغل فى قرى شرق البحر كلها غير فى المحاجر.. وأكل العيش يحكم».

{long_qoute_1}

يصحو ذو الـ14 ربيعاً من النوم، بسمرة وجهه، وملامحه الطفولية، يصدر صوتاً ضعيفاً، يعبر عن الأوجاع التى ألمت به جراء إصابته التى قد تؤدى إلى بتر رجله بالكامل، ويقول والده ممتعضاً: «كان بيشتغل على فصالة تقطيع البلوك، والفصالة ديه بتجرى قدامه فاتكعبل ووقع قدامها، فقطعت فخده وعملت كسر فى الفخد، وقطعت شرايينه وقطعت أعصابه»، حينها سارع أحد زملائه بإبلاغ والده، الذى أصابه الفزع والرعب، فلا يسلم أحد من إصابات المحجر، فحسب حديثه، كل قرى شرق البحر تعج بالمصابين والقتلى جراء العمل بالمحاجر: «ربنا بيكرمنا بالصبر، وأول ما شفته حالته كانت تعبانة جداً».

يحاول «محمود» تعديل وضعية جسده المعطوب ولكن يفشل، يعود مرة أخرى يساعده والده المكلوم، وبلغة الإشارة يعبر عما ألم به إلى والده الذى يقوم بترجمة إشاراته لـ«الوطن»: «كنت باشتغل وماسك المكنة، جريت منى وقعت على الأرض وجريت فوقى الفصالة، وعورتنى»، ويصدر صوتاً ضعيفاً فى وهن أثناء تحرك يده بإشارات سريعة بإيماء إلى رجله المصابة، ويعاود: «موس الفصالة عور رجلى ونزل دم كتير وأغمى عليا».

ويقول «أحمد» إن عربة نقل «الطوب» فى المحجر هى التى حملت «محمود» إلى أقرب وحدة إسعاف، والتى تبعد عما يزيد على 8 كيلو، ومنها نقل إلى مستشفى جامعة المنيا، وشخص أطباؤها الحالة بضرورة بتر الرجل المصابة، ولكن والده رفض: «بتر رجل واد صغير زى محمود مش بالساهل»، وعاود محاولة البحث عن بديل فى جامعة أسيوط، التى أكد أطباؤها ضرورة البتر، ولكن طبيب بالصدفة شاهد الحالة: «راجل ابن حلال قال نركبله مسامير، وركبوله شرايين ولكن عنده قطع عصب، وهنعمل عملية وبعدها هيحدد هل هيبتر ولا لأ».

«أحمد» يشعر دوماً بالندم على دفع ابنه للعمل بالمحجر: «لقمة العيش عندنا بتضطرنا، ابنك لازم يساعدك عشان المعايش هنا مفيش لها شغلانة غير شغلة المحاجر دى، ولا دخل ولا مصدر رزق غير الشغلانة ديه، إحنا أجريين ناخد أجرتنا يوم بيوم»، والطفل الصغير كان ينهى يومه فى مدرسة الصم والبكم، ويتجه للعمل بالمحجر: «الولد عندنا من 12 سنة يبدأ يشتغل فى المحجر بس محمود بدأ بدرى شوية»، ورغم وجود حالات إصابات كثيرة فى قريته من العمل بالمحاجر فإن الوالد حينها لم يخش على «محمود»، ولكن قرر عدم إرسال أشقائه إلى المحجر: «لو هناكل طوب مش هبعت إخواته للمحجر يمكن مستقبلهم يبقى أحسن من كده».

يعمل «الأب» أيضاً فى المحجر: «مالناش هنا شغلانة غيرها»، وكانت أجرته وأجرة «محمود» تكفى الأسرة، التى تتكون من ستة أولاد والأب والأم، بالكاد للعيش: «أجرتى 80 جنيه، ولولا إنى كنت محتاج لأجرة محمود ماكنتش وديته المحجر، ومفيش غيرها فى البلد، إللى على عربية واللى على المفصلة واللى بيشيل، البلد كلها بتشتغل فى المحاجر»، والزراعة فى بلاد المحاجر لا تجدى: «حتى إللى عنده أرض بيشتغل برده فى المحاجر، الأرض هنا بالإيجار أملاك دولة، وفى آخر السنة المحصول مش بيجيبله حاجة»، فحاول «أحمد» زراعة قطعة أرض ولكن لم تجد نفعاً، ولم تكف نفقات أسرته، ورغم كثرة الإصابات فى المحاجر ولكن عاد لها مرة أخرى: «كل يوم فى إصابة بس مش كل يوم حد بتتبتر رجله، وفى الأول وفى الآخر دى إرادة ربنا، ومش بتمر سنة من غير ما يطلع حد ميت ولا حد مبتور من المحجر».

عبر شارع واسع يؤدى إلى منتصف القرية، يحده منازل قرية الشيخ حسن، بنيت بالطوب الأبيض، الذى يخرج عن المحاجر، وبجوار مسجد القرية، وعلى مقربة من أحد أوناش تعمل بالمحاجر، ينحنى «إسماعيل لملوم» ليعطى «ميكانيكى» صيانة الونش إحدى المعدات، يمسح بعض الشحم الذى لطخ ملابسه، ويقول لـ«الوطن» بغضب مفرط: «دى بلد مستنية الموت».. لا يعمل بالزراعة من أهل قرى «شرق البحر» إلا ما يعد على أصابع اليد الواحدة، والباقى فى المحاجر: «المجتمع كله مافيهوش تعليم، إن فشل فى أول سنة فى الدراسة، ويكون عنده 8 سنين، يروح زايحه أبوه على الجبل، وشغل المحاجر مافيهوش رقابة، والناتج موس المكنة يعوره، ومفيش تعويضات ومفيش تعليم، والطفل من دول يطلع يجيب 300 جنيه فى الأسبوع وكل تفكيره فى الفلوس ويرجع من الأب نفسه»، ويقول الذى يعمل سائق ونش: «اللى بيكمل تعليمه بيتعدوا على الأيد»، يتمهل ملياً، ويعاود الحديث أن فى كل قرية من ثلاثة إلى أربعة مبتورى الأقدام أو الأيدى من العمل فى المحاجر: «والموت بتاع ربنا».

فى لهفة وبسرعة خاطفة، حين الحديث عن نجله الصغير الذى يكمل عامه الثانى: «من رابع المستحيلات أرمى ابنى فى الجبل، ولو هبيع دمى لو هموت عشان هو يعيش، هوديه الموت بإيدينا»، ويحمل سائق «الونش»، صاحب الـ30 عاماً، غياب رقابة الحكومة على المحاجر، وعلى التعليم فى قرى شرق البحر، مسئولية الإصابات المتكررة، والوفيات التى تكررت داخل المحاجر: «الموت هنا ببلاش، والكل بيحمد ربنا»، ويستطرد: «إحنا مش متشافين.. إحنا ورا المراية إللى بيشوف فيها المجتمع نفسه»، ويقول إن مجتمع قرى شرق البحر ينقسم بين الفلاحة والعمل بالمحاجر: «المدرسة بتاعتنا هنا هى المحجر».

الفقر المدقع الذى يلم بقرى شرق البحر، هو الدافع الأول لإلقاء أولادهم بين أسنان الفصالات فى المحاجر، وحسب حديث «ربيع عيد»، فجميع أراضى القرية الزراعية، هى «أملاك دولة» يدفع عليها الأهالى إيجاراً سنوياً: «عايز أعرف يعنى إيه أملاك دولة، أرض عايش فيها من ساعة ما اتولدت وعاش فيها جدودى، ولسه بادفعلها إيجار للمجلس القرى وبيزيد كل سنة ووصلت لـ1200 فى الشهر عن 100 متر، وبعدين تسألونا بترموا عيالكو ليه فى المحاجر؟».

غلاء إيجارات «أملاك الدولة» زاد من سخط الأهالى على الحكومة ويزيد من قربهم وتلاحمهم مع أصحاب المحاجر، رغم عدم صرفهم لأى تعويضات تذكر للمصابين من أولادهم: «عايزين يقفلوا المحاجر طب وفروا لنا فرصة عمل»، فيعد «عيد» من أكثر من مليون شخص يقتاتون من العمل بالمحاجر: «كل الناس دى هتتشرد هيجبولنا شغل منين، إحنا فلاحين وبرده عيالنا شغالين فى المحجر»، فالرجل أنجب 6 أولاد: «أجيب أصرف عليهم منين وأدفع إيجار الأرض والبيت منين؟»، وصاحب 43 عاماً من القلائل الذين يعملون بالفلاحة بالقرية، ورغم ذلك يعمل هو وأولاده بالمحاجر: «فلاح ابن فلاح، لكن برده باشتغل بالمحاجر، ولو وقفت الحكومة المحاجر مش هنلاقى ناكل».

«أملاك الدولة» تمثل رعباً وهاجساً يقلق الأهالى، كلمات يقولها بصوته الأجش، يتوقف هدير محرك «التوك توك» يترجل خطوات، ويستكمل سعيد إبراهيم، المقيم بقرية الشيخ حسن منذ عشرين عاماً، جاء من أسيوط ليؤجر إحدى الأراضى ويزرعها: «الناس هنا غلابة ومش قد فلوس أملاك الدول، ولا حد يملك حاجة فى القرية أبداً»، صاحب اللحية الكثة لم تدخل منزله الكهرباء حتى الآن، بعدما تأخر عليه دفع إيجار الأرض التى بنى عليها منزله: «محدش فينا قد 1200 جنيه اللى بندفعهم كل شهر عن 100 متر مساحة البيت».

فى نهاية القرية وعلى مسافة بعيدة من الطريق الذى يربط قرى شرق البحر، تجلس منى سعودى، بجلبابها الفضفاض الملون، أمام قفص به بعض الخضراوات، يبتاعها منها أهل القرية، وتقول: «معندناش ميه ولا نور وجوزى بيشتغل بدراعه فى المحاجر، ومعندناش ندفع إيجار أملاك الدولة عشان ندخل النور والميه، هيجيب يأكلنا أنا وست عيال ولا يجيب يدخل ميه ونور ولا مدارس؟»، زوجها يعمل سائقاً على عربة تنقل الطوب من المحاجر، وابنها الأكبر خرج على التو من المدرسة ليذهب ليعمل بالمحجر: «كل يوم مبقاش عارفة الواد هيرجعلى سليم ولا مقطوع له إيد ولا رجل».

{long_qoute_2}

«منى» صاحبة الـ30 عاماً تخرج فجراً حاملة الجراكن البلاستيكية، فى اتجاه طرف نهر النيل الذى تطل عليه القرية المجاورة لهم، لتملأه بالمياه من النيل مباشرة وتحمله على رأسها وتعاود الترجل تجاه المنزل، بعدما وجدت أن تكلفة دخول المياه 7 آلاف جنيه، بخلاف إيجار «أملاك الدولة»، التى بنى عليها بيتهم: «معندناش ندفع تمن دخول الكهربا، والراجل يوم شغل ويوم قاعد فى البيت».

عند مفترق الطرق، الذى يفصل بين طريق القرية والطريق الصحراوى، يجلس «سعد صديق» بسمرة وجهه على أحد الأحجار فى انتظار سيارات نقل الحجارة، فالشاب ومن يرافقه من الجالسين ينتظرون إحدى السيارات التى تنقلهم لنقل الطوب من المحجر لداخل سيارة النقل: «الكل هنا بيشتغل فى المحاجر، ويا ريت بيكفى»، الذى أنهى الدبلوم الفنى منذ سنوات، يخرج فجراً ليبحث وراء لقمة عيش، فيأخذ على النقلة الواحدة عشرة جنيهات، ويسعى للالتحاق بأكبر عدد من السيارات خلال اليوم: «الواحد ورزقه».

وعلى الطريق الصحراوى الواصل بين قرى شرق البحر، يعج بعربات نقل الطوب الأبيض من المحاجر، والغبار يتصاعد هنا وهناك، وعلى جانبيه يظهر من بين ثنايا الأحجار العمال المنخرطون فى تقطيع الطوب والصخر، يقف أحمد سعيد، بشال أبيض يلف به وجهه ليحميه من غبار الأحجار المتقطعة: «هنا فى كل قرية 3 أو 4 مبتورين، ومستشفى المنيا أسهل حاجة عندها لما بيجيلها حد من المحاجر يقولوا بتر»، يقاطعه «يونس»، صاحب المحجر: «لا مفيش بتر كتير وإحنا مش بنسيب الناس لحد ما يتقطع رجلهم، يعنى كل كام سنة كده واحد».. يتبادل صاحب المحجر والعامل النظرات، يرمقه صاحب المحجر بنظرات تحذيرية، ويعاود «سعيد» ويقول إن قرى شرق البحر لا توجد بها عربات إسعاف ومن يصاب فى المحجر أو فى القرى ينقل على عربة نقل الطوب الأبيض إلى منزله أو إلى أقرب وحدة إسعاف على بعد 8 كيلو.

«يونس سليمان»، يساعد من يصاب بالمحجر أو أهل من يتوفى ببعض التعويضات البسيطة: «دى حاجة منى أنا محدش يقدر يلزمنى بيها»، ولكن يؤمن أن العامل لا بد أن يكون له تأمين يحفظ حقه وحق أسرته: «المشكلة أن المحجر ده من غير رخصة ملوش ورق رسمى نقدر نأمن بيه على الصنايعية»، ويدفع كل فترة مخالفة تصل إلى 1500 جنيه شهرياً.

20 كيلو تقريباً تفصل بين قرية الشيخ حسن، وطريق ضيق يصعد إلى مرتفع ينتهى بلافتة «قرية دير جبل الطير»، وحين ينتهى المرتفع، تظهر المنازل المبنية بالطوب الأبيض المتراصة فى أزقة شديدة الضيق، ويظهر على حوائطها الصلبان التى نحتها الأهالى على منازلهم الفقيرة المتواضعة، ومن وسط الأزقة تنساب مياه فى مجرى مائى منتصف شارع القرية، يعبر بجوارها المارون بصعوبة، ينتهى المجرى إلى أحد المحاجر التى توقف فيها العمل عند بداية القرية.

بجوار مصب المجرى فى أحد المحاجر، يقف «نصح» شيخ قرية «دير جبل الطير» التى تقع فى آخر مركز سمالوط، وتتمتع بأغلبية مسيحية، تصل إلى أكثر من 95% من نسبة سكانها، الذين يظهر عليهم الفقر المدقع، وعدد المسلمين يعد على أصابع اليد، من بينهم شيخ القرية، الذين يقول لـ«الوطن»، إن جميع سكان القرية يعملون بالمحاجر، ومن يعمل منهم بالأراضى الزراعية التابعة للدير الأثرى نهاراً، يعمل أيضاً بالمحاجر، فالزراعة لا تكفى للمعيشة، وإيماء إلى مياه الصرف الصحى التى تنساب على المحجر، يقول: «إحنا هنا مسيطرين على الوضع بالمجارى المفتوحة ديه، بس ساعات مولد العذراء فى شهر 5 البلد كلها بتبقى عايمة فى المجارى».

{long_qoute_3}

القرية شرفت بمرور العائلة المقدسة أثناء رحلتها لمصر، سميت نسبة لطائر «النقرص» كان يعيش فوق الجبل، الذى بنيت عليه القرية، ورغم تأزم مشكلة الصرف الصحى، فإن إحدى شركات المقاولات التى بدأت فى توصيل المجارى، للقرية توقفت منذ أربعة أعوام وما زالت مواسير الصرف ملقاة عند مقدمة القرية، تنتظر تركيبها، ويعيش الأهالى وسط مجارى الصرف المفتوحة فى منتصف شوارعهم: «فى 2 ولا 3 مليون واحد بيتجمعوا فى شهر 5 احتفالاً بمرور العائلة المقدسة ومحدش بيقدر يسيطر على الوضع»، ويقترح الرجل الستينى، الاستفادة من مياه الصرف الصحى فى زراعة الأشجار فى الصحراء المتاخمة للقرية بدلاً من إهدارها فى جبال المحاجر.

وبسبابته يشير إلى محطة رفع المياه التى تقع أسفل «جبل الطير»، والتى ترفع المياه لمنازل القرية المبنية فوق الجبل: «الميه هنا بتقطع بمزاج العامل اللى بيشغل المحطة، وبتقطع الميه أحياناً ست ساعات»، فالرجل يتهم عمال المحطة بالإهمال: «لما يغيب العامل عن وردية تشغيل المحطة من العمل، الميه بتقطع وتفضل طول الليل والنهار قاطعة».

«الناس هنا عايشة بقليله»، فعمال القرية يعملون أسبوعاً ويتوقفون أسبوعاً، ويستطرد: «الواحد بيبقى خارج كل يوم مش عارف هييجى مصاب ولا ميت»، فالقرية تخلو من أى مستشفى لاستقبال حالات الإصابات من المحاجر التى تحيط بالقرية من جميع الجوانب: «فى حالات كتير ماتت وبدون تعويضات لا من الدولة ولا من صاحب المحجر»، ويشير إلى أنه كان هناك جمعية تابعة للمحاجر تجمع من المحاجر تعويضات للمصابين والقتلى ولكن توقفت عن العمل: «مفيش قرية فى شرق البحر خالية من المبتورين والعجائز»، ويعد على أصابعه 5 فى قرية جبل الطير، بخلاف القرى المجاورة: «غير إللى بيموتوا».

«اللى مابيمتش فى المحجر بيموت غرقان فى النيل»، يقولها «ماركو عادل» 26 ربيعاً، من على عجلة قيادة سيارته القديمة، التى يعمل عليها لنقل الطوب من المحاجر للشاطئ الآخر من النيل منذ عام: «عربيات قديمة طبعاً وفراملها مش كويسة، والمعدية مش مأمنة كويس، المعدية تتحرك تلاقينا وقعنا بالعربية فى النيل وحصلت كتير، وبردو السواق إللى غلطان»، فرغم عدم صلاحية المعدية ولكن يتحمل السواق مسئولية عدم تأمين العربة داخل المعدية: «ربنا بيستر ولازم الواحد ياخد باله فى شغلانة كلها مخاطر زى دى».

يتوقف هدير محرك سيارة «ماركو»، يستقر بعربته فى الجانب الأيمن من المعدية القديمة، وينزل عدداً من الطوب الذى تحمله ليضعه أمام إطاراتها حتى لا تنزل به فى النيل، فسور المعدية قصير للغاية ولا يستطيع توقيفها: «عربيات وسواقين كتير وقعوا فى الميه وهما بيعدوا بالمعدية بالطوب وماتوا»، ويستطرد: «إللى بيقع بيروح فى البحر ومحدش بيلاقيه يدفنه حتى».

بجسده البض، ووجهه الممتلئ، يقف بالقرب من المعدية، مجاهد محمد، 65 عاماً، صاحب العوامة التى تنقل عربات المحاجر للبر الآخر من نهر النيل، ولا يعترف بعدم صلاحية عوامته التى لم تكمل العام لنقل العربات، ولا يرى أن كثرة الحوادث ظاهرة: «ده قدر ونصيب وساعة القدر يعمى البصر والسواقين إللى غلطانين»، وقصر طول سور المعدية: «ماله السور.. قصير بس قوى».

الرجل العجوز يعمل بالمعديات منذ 15 عاماً: «إحنا شغالين من زمان حتى فرخة مغرقتش فى معديتى»، ويعبر من خلال معديته جميع أهالى قرى شرق النيل، ويجرى عليها الصيانة حسب قوله كل أربع سنوات لتنظيفها وإعادة طلائها.

 

 

 

 


مواضيع متعلقة