صيادو الورّاق: مخلّفات محطة صرف «طناش» قتلت أسماك النيل

كتب: أحمد منعم

صيادو الورّاق: مخلّفات محطة صرف «طناش» قتلت أسماك النيل

صيادو الورّاق: مخلّفات محطة صرف «طناش» قتلت أسماك النيل

فى الصباح الباكر، غادر «عويس» المنزل البسيط بصحبة ابنه إلى مركبه الذى يتسع بالكاد لهما ومعهما الشباك، رحلة يومية لصيد السمك، يبحر خلالها الوالد والولد نحو ثلاث كيلومترات جنوباً من قريتهما (طناش) الواقعة شمال محافظة الجيزة، والتى تتبع مركز الوراق، فى محاولة لتجنب تسربات محطة الصرف التى يقول الصياد الخمسينى إنها «قتلت السمك فى البحر من سنين».

«خلل فى البيئة السمكية»، هكذا يصف محمد عبداللطيف أبوزيد، عضو فى إحدى النقابات المستقلة للصيادين، الحالة التى بلغتها المنطقة بسبب «تسربات ومخلفات محطة الصرف الصحى الرئيسية فى الوراق، اللى بترمى صرفها بالكامل فى النيل، وهو عبارة عن مخلفات سممت على مدار السنين الأخيرة النيل على مسافة تصل لأكتر من 10 كيلومترات».

الادعاءات التى يسوقها عدد من الصيادين كانت سبباً لزيارة أجرتها «الوطن» إلى مصب المحطة المذكورة، حيث استقلت أحد المراكب للوصول إلى أقرب نقطة ممكنة إلى ماسورة طرد الصرف الملحقة بالمحطة، وهى عبارة عن ماسورة ضخمة، تطرد آلاف الأمتار المكعبة من المياه المعالجة بعناصر الشبَّ (المعروفة علمياً باسم كبريتات البوتاسيوم)، إلى النيل، ويظهر الفارق بين المياه المطرودة من محطة الصرف، وبين مياه النيل، من حيث اللون والرائحة، حيث تظهر مياه المحطة أكثر عكارة من المياه التى تقع جنوب المحطة.. الطرد السريع الذى رصدته كاميرا «الوطن»، يصفه صيادو المنطقة بأنه ضعيف مقارنة بكميات ما تطرده المحطة فى المساء.

{long_qoute_1}

يعمل عويس على أحمد فى مجال الصيد منذ ما يقرب من أربعين سنة، على مركبه فى مركز الوراق شمال الجيزة، حيث عايش فترة ما قبل إنشاء محطة الصرف، التى يتهمها مئات الصيادين فى المنطقة بأنها «لوّثت المنطقة، وأضرت بكميات الأسماك الموجودة»، فيقول «عويس»: «زمان كنا نشرب مية النيل بكفوفنا، ولا أحسنها مية حنفية، دلوقتى لا تعرف تشرب ولا تعرف تصطاد سمكة».

«التعابين والشلان البلدى ماتت»، يقول «عويس» الصياد الذى توقف للحديث عن شكواه، والذى يعتقد أن «إجراءات خاطئة لشركة الصرف» تسببت فى إحداث خلل فى البيئة السمكية فى المنطقة التى تقع شمال موقع محطة الصرف، وعلى امتداد كيلومترات. ويضطر «عويس» وابنه إلى الإبحار جنوباً أو عند الشط الآخر شرق جزيرة (وراق الحضر) المقابلة لمحطة الصرف، والتى تزيد فيها نسبة الأسماك، مقارنة بالمنطقة التى يقطن «عويس» قريباً منها: «لكن لما بنروح هناك، ممكن تحصل مشاكل مع الصيادين زمايلنا هناك، وحقهم لأن كل منطقة لها صيادينها، ولما بنروح نصطاد عندهم بنشاركهم فى رزقهم»، يضيف الصياد.

بحسب محمد عبداللطيف، العضو فى إحدى النقابات المستقلة لصيادى الجيزة، فإن الآثار التى خلّفتها محطة الصرف الصحى امتدت لنحو عشرة كيلومترات، بطول المسافة من قرية طناش، الواقعة أسفل الطريق الدائرى، وحتى أماكن قريبة من القناطر الخيرية، كما يقدر أعداد المتضررين بنحو «850 مركب موجودة فى كل القرى الموجودة فى الطريق، منها حوالى 320 مركب فى طناش، وكل مركب شغال عليها شخصين أو تلاتة».

ومن القرى المتضررة، كما يقول «عبداللطيف»: «طناش والقيراطيين والمناشى، وكلها من القرى الموجودة فى اتجاه الشركة، واللى نسبة الثروة السمكية فيها بقالها سنين معدومة، ومفيش غير سمك الحجارى القزم هو الموجود، ورغم إننا كلمنا وزارة الرى واتكلمنا قبل كده عن تلوث النيل، لكن مشفناش أى تحركات لوقف نشاط المحطة وطرد صرفها الصحى للنيل».

{long_qoute_2}

ويذكر محمد عبداللطيف أن نسبة الصرف الذى تلقيه المحطة فى مياه النيل تزداد بشكل ملحوظ فى المساء: «غير إن كميات صرف المحطة أكبر من المحطات التانية، بحكم إنها محطة ضخمة» يقول الصياد، مضيفاً أن «كمية الصرف اللى تم طرده على مدار سنين، كوّن طبقة عميقة من الترسبات، غيرت قاع النيل فى المنطقة تماماً، وبقت شبه الزبدة، مش بتسمح للسمك يحط بيضه فى حُفر، فبيبقى مستحيل السمك يجيب أجيال تانية، وتتراجع كمية السمك لحد ما تنقرض زى ما حصل هنا فى طناش والقرى اللى بعدها».

ويضيف الصياد أنه قبل ظهور الآثار السلبية الناجمة عن طرد الصرف الصحى من المحطة فى مياه النيل، كان بإمكان الصيادين فى المنطقة صيد أنواع مختلفة من الأسماك النيلية منها «البلطى، والشيلان البلدى والزقازيق، والقراقير، وسمك البياض، والشلباية، والتعابين النيلى، لكن كل الأنواع دى معادتش موجودة إلا فى المنطقة اللى قبل المحطة، لو قبل المحطة بمتر ممكن تصطادها، لكن بعد المحطة بـ10 كيلو مش هتقدر تصطاد إلا السمك الحجارى، وكله سمك قزم مابيكبرش».

«رغم إن مفيش مراكبى يقدر يجيب سمكة كبيرة فى المكان هنا، وبرغم إن المنطقة دى كانت عمرانة زمان وقت ما جينا قبل ما تبدأ المحطة تشتغل، وبرغم إننا قلنا كتير عايزين نعالج الموقف، الحكومة معملتش غير إنها جابتلنا برميل سمك زريعة فى 2011، ولما حطوه فى النيل انتظرنا شهور وسنين لحد النهارده مشفناش سمكة واحدة» يستطرد «عبداللطيف».

يتحاشى الصيادون الصيد من المنطقة التى تلى محطة الصيد، وكذلك يفعل الصياد عزوز محمود، الذى تحاشى الشكوى كذلك، قائلاً «إن الصياد لا حول له ولا قوة، الشبة اللى بتبقى مع صرف المحطة عدمت السمك من هنا للقناطر حوالى 10 أو 15 كيلو، والأرض عليت فى المكان، والسمك بطل يسكن هنا». ويستدرك الصياد عزوز محمود أن مقر وزارة الرى، المعنية بحماية النيل، قريب جداً من مقر المحطة، التى يتهمها صيادو المنطقة بالإضرار بالبيئة السمكية، لكنها لا تلقى بالاً بما آلت إليه المنطقة، وما لحق بها من ضرر.

{long_qoute_3}

يضطر «عزوز» للعمل فى الصيد بمفرده، حيث لم يُرزق بأولاد ذكور، «ماحيلتيش إلا دراعى، لو اشتغلت هلاقى آكل أنا ومراتى وبناتى الاتنين، ولو ماشتغلتش مش هلاقى لا أنا ولا عيلتى ناكل»، لذلك يضطر «عزوز» للانتقال مع أصدقائه الصيادين إلى منطقة جنوب المحطة، لتفادى قلة السمك.

يقول أستاذ البيئة، الدكتور طارق عيد، إن طرد الصرف الصحى إلى النيل «لا بد أن يلتزم معايير كثيرة، حيث تجب معالجة الصرف أولاً، وإلا سيتسبب ذلك فى زيادة الضغط على محطات مياه الشرب، كما ستؤثر على نوعيات الأسماك فى النيل».

وأضاف «عيد» أن أكثر أنواع الصرف خطورة هو «الصرف الصناعى، ويليه الصرف الزراعى ثم الصحى»، كما أشار إلى أنه لا يمكن تحديد خطورة الصرف الصحى على المياه إلا «بإجراء تحاليل كثيرة على عينات من المياه». ويضيف أستاذ البيئة أن وزارات الرى والصحة والبيئة تجرى متابعات دورية وغير دورية على أداء محطات الصرف، التى تطرد صرفها المعالج فى النيل، للتأكد من عدم خطورته على البيئة السمكية أو جودة المياه.

فى المقابل، قال محمد خليفة، مدير إدارة المواد الخطرة فى وزارة البيئة، إن خطورة طرد الصرف الصحى فى مياه النيل، ترجع إلى طبيعة هذا الصرف «الذى لا يمكن التعامل معه على أنه مخلفات عضوية، وإنما مخلفات صناعية كذلك، لأن معالجة الصرف الصحى تتم باستخدام مواد صناعية عادية، ومنظفات وملوثات ثابتة، أخطرها الزئبق الذى لا يتحلل فى أنسجة الأسماك عند استقراره فيها، فيصل إلى الإنسان، وهناك يتراكم بشكل كبير مع مرور الوقت بما يسبب تكون أورام سرطانية».

كما أضاف «خليفة» أن طرد هذه الكميات من المواد فى مياه النيل يؤثر سلباً على نسبة الأكسجين الذائبة فى المياه، التى تحتاجها الأسماك للعيش، وهو ما يعرف بالخلل فى الـBOD والـCOD، أى طلب الأكسجين الكيميائى، وطلب الأكسجين البيوكيميائى. وهو ما يؤدى لتسمم السمك لنقص الأكسجين فى المنطقة المتضررة، بحسب المصدر.

وعلق العميد محيى الصيرفى، المتحدث باسم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، بأن «وزارة البيئة تجرى متابعات مستمرة لمحطات الصرف الصحى التابعة للحكومة، وتعلم جيداً كل المحطات التى تعمل فى الخدمة، وأين تخرج صرفها، وهل هو مربوط أم لا».

ونفى «الصيرفى» أن يكون للصرف الصحى المعالج بواسطة المواد الكيميائية والمنظفات فى محطات الصرف الصحى التابعة للشركة أى تأثير سلبى على البيئة السمكية فى النيل، مشيراً إلى أنه سيعود إلى سجلات المحطة، وأن مسئولى الشركة سيقومون بإجراء زيارة إلى المنطقة للتأكد من عدم ارتكاب المحطة أى مخالفة.

 


مواضيع متعلقة