الدروس المستفادة من صفر مريم المسموم

فى هذا المكان من صحيفة «الوطن»، ومنذ أكثر من شهر، حذرنا وبشدة من خطورة الحملة الإعلامية المسعورة المناصرة والمدافعة عن الطالبة مريم ملاك، صاحبة أشهر صفر فى الخمسين عاماً الماضية بعد صفر المونديال.

وتحت عنوان «الصفر.. فيه سم قاتل» نبه كاتب المقال أن استهداف مؤسسات الدولة والإصرار على تجريحها والتشكيك فى مصداقيتها، نراه أمراً متعمداً، ومدبراً بليل ابتغاء فقدان المواطن الثقة فى تلك المؤسسات الحيوية والضرورية فى حياته، وصولاً إلى هدم هذه المؤسسات العريقة والتى كانت محل ثقة وتقدير كل المصريين، طعنوا فى نزاهة كنترول الثانوية العامة وقالوا فيه ما يكفى لانعدام ثقة المصريين فى هذا الكيان الذى ظل على مدار أكثر من مائة عام موضع الثقة بلا منازع، صوبوا أسهمهم إلى قلب وصدر مصلحة الطب الشرعى، أهالوا عليها التراب، تعمدوا التشكيك فيما صدر عنها من تقارير، استغلوا هذا الصفر الملعون ووجهوا سهامهم إلى العديد من الأماكن الهامة والحيوية فى الدولة المصرية، جعلوا من مريم المسكينة ساتراً يقفون خلفه ويختفون وراءه، معركة إعلامية تم الإعداد لها وإدارتها بخبث ومكر شديدين، اشترك فيها الجميع بلا استثناء، بعضهم تعاطى القضية وهلل لها وكتب فيها بحسن نية والباقى الله أعلم، وكانت النتيجة نجاحهم الكبير فى خلق تلك القضية من العدم، جعلوها حديث كل أسرة، وموضع سخط كل المتابعين لها، نجحوا فيما فشلت فيه قنابلهم ومتفجراتهم التى استعصى عليها كسر وهدم تلك المؤسسات، زرعوا الشك والريبة فيها، لم يتورعوا عن أن يقولوا عنها إنها كاذبة، فاسدة، تباع فيها مصائر المصريين لمن يدفع أكثر، أوراق إجابة تتغير من هذا إلى ذاك، وكأننا فى طابونة عيش، وعلى ذات المنوال أيضاً كانت مصلحة الطب الشرعى وتنسيق الجامعات.. إلخ.

وقفنا فى هذا المكان من صحيفة «الوطن» نصرخ منفردين، كنا كمن يسبح عكس التيار، الصحف المصرية جميعها وبلا استثناء لم تخلُ كل يوم من موضوعين أو أكثر عن «مريم» وما «وقع عليها من ظلم!!!» ومدى ظلم وزارة التربية والتعليم لها وافترائها عليها!!!، وما إن يطل المساء تبدأ برامج التوك شو وغيرها جميعاً مخصصة فقرة رئيسية فى البرامج للمسكينة مريم!!!.

مؤامرة خبيثة، فخ وقع فيه الغالبية العظمى من الإعلاميين المصريين، ويعلم الله وحده إن كان ذلك قد تم بحسن نية ومسايرة للزفة الكاذبة التى كانت منتشرة فى كل مكان بخصوص «مريم»، أعتقد أن الأمر لم يكن هذا ولا ذاك، الأمر كان محل تنافس وتسابق شديدين بين المحطات التليفزيونية ببرامجها المختلفة ومحاولة كلٍ منهم فى سرقة الشو من الآخر، فهذا نجح فى استضافة مريم، وذاك استضاف مريم وأباها، لا الثالث أشطر استضاف مريم وأباها وعمل لها امتحاناً على الهواء ونجحت فيه بامتياز وهكذا.. إلخ.

النتيجة المؤسفة لكل هذا العك الإعلامى الذى صاحب تلك القضية المزعومة والمفبركة كانت مرعبة، يقيناً هتكوا عرض كنترول الثانوية العامة، فعلوا به ما لم يفعله أعداؤنا بنا.

قالوا فى الطب الشرعى ما لم يقل مالك فى الخمر، أوغروا صدور المصريين على تلك المؤسسات، والعاملين فيها والقائمين على إدارتها، وباقى المؤامرة تدار وتحاك لباقى المؤسسات وللأسف الشديد، انتهت المسرحية وثبت على وجه القطع واليقين أن أوراق إجابة مريم هى ذاتها الأوراق التى حصلت على صفر، خرج علينا أطباء مصلحة الطب الشرعى بتقرير مكتوب ومصور، ورق وسى دى، يحمل كل أسرار ودقائق عملية المضاهاة التى أثبتت حقيقة الأمر، انتهت التحقيقات القضائية وحفظ البلاغ.

يكاد الأمر يكون سرياً، للأسف فقدنا ثقافة الاعتذار بالخطأ، الواجب أن يخرج كل إعلامى قبّح وذم تلك المؤسسات، وكال لها الاتهامات دون سند، وجب عليه الاعتذار لهؤلاء فوراً وتخصيص مساحة إعلامية مساوية للمساحة التى تناولهم فيها بالذم كى يستطيعوا إزاحة ما عَلق بهم وبأسرهم وبمؤسساتهم.

علينا جميعاً أن نتعلم من ذلك الدرس الذى ترك آثاره غائرة فى قلوب وصدور العديد من مؤسسات الدولة، علينا ألا ننجرف وراء كل إشاعة بهذه الصورة المرعبة، ودون ثمة تحقق من صحة الأمر من عدمه.

علينا ألا يُنصب كل إعلامى من نفسه خبيراً فى كل الأمور، يفتى فى كل المسائل، ويحكم فى كل القضايا، اعلموا أيها السادة أنكم تتحكمون فى عقول ملايين المصريين، يصدقون ما تقولون ويعتقدون أنه هو وحده الصواب، الغالبية من المصريين يتوهمون أن ما يقال على شاشة التلفاز هو الصدق، يرددونه باعتباره حقيقة مؤكدة.

الثمن الذى دفعته تلك المؤسسات كبير، فقدت بالكذب والافتراء أموراً غالية عليها وعلى المصريين، فقدت ثقة المصريين فيها وفى القائمين عليها نتيجة حملة مكذوبة وملفقة ومصنوعة بخبث ومكر وحقد، قاد الإعداد لها أعداء الوطن، ونفذها بحسن نية بعض السذج منا، ولأن تكرار هذا الأمر مرة أخرى لا معنى له سوى أننا مُصرون على الخطأ متعمدين عدم الاستفادة من دروسه، لا معنى له سوى أننا عديمو الذاكرة، الأمر الذى ستكون نتيجته مزيداً من التخبط والهدم والانهيار.

على الجميع أن يراعى المولى، سبحانه وتعالى، فى حق هذا الوطن، 63 حلقة تليفزيونية، وأكثر من 237 مقالاً وحواراً وخبراً تم نشرها عن صفر مريم، جميعها بلا استثناء سبت وقذفت فى حق هيئات ومؤسسات الدولة، واليوم وبعد أن خاب ظنهم، وتم فضح أمرهم لا كلمة ولا خبر، وكأن شيئاً لم يكن، يا سلام، مين يجيب حق الناس دى، مين يعيد لتلك المؤسسات مصداقيتها وثقة المواطن فيها، علينا أن نبتعد فوراً عن الإثارة الكاذبة والمضللة، علينا أن نكف عن صياغة الأخبار والموضوعات الإعلامية بطريقة «طارق عض الكلب» فى حين أن الحقيقة «الكلب هو الذى عض طارق»، لكن وللإثارة يتم تناول الخبر بالصورة الأولى كى يكون أكثر جذباً وتشويقاً.

يا كل من ساعد أو ساهم أو شارك فى تلك الحملة المكذوبة والمسعورة وجب عليكم الاعتذار، كما وجب عليكم أيضاً ضرورة التدبر والتحوط مستقبلاً قبل المشاركة بحسن نية فى تلك المؤامرات التى تنال من هذا الوطن، وتترك آثاراً يتعذر تداركها.

وللحديث بقية ما دامت فى العمر بقية.