اللواء مصطفى البيه: فاجأنا الإسرائيليين بـ«حائط الصواريخ»

كتب: منى مدكور

اللواء مصطفى البيه: فاجأنا الإسرائيليين بـ«حائط الصواريخ»

اللواء مصطفى البيه: فاجأنا الإسرائيليين بـ«حائط الصواريخ»

بعد أن آثر الصمت على مدار 42 عاماً منذ انتصار أكتوبر 1973، واختار الابتعاد عن الأضواء طوال 4 عقود مضت، يدلى اليوم اللواء أركان حرب مصطفى خيرى البيه، رئيس غرفة عمليات قوات الدفاع الجوى المصرية، إبان حرب أكتوبر 1973 وحرب الاستنزاف ورئيس شعبة بحوث الدفاع الجوى الأسبق، بشهادته للتاريخ عبر صفحات «الوطن» فى ظل متغيرات خطرة تعيشها مصر ومنطقة الشرق الأوسط ويفصح عن كنوز عسكرية مصرية وتفاصيلها وأسرارها لأول مرة.

ربما لا يعرف ملامحه إلا المقربون منه أو من عمل معه، لكن المصريين يعرفون البطولة النادرة والعبقرية العسكرية التى حققتها قوات الدفاع الجوى المصرية فى نصر أكتوبر المجيد، وفى حوار حصرى يتحدث البطل اللواء «البيه» بعد محاولات عدة للموافقة على الحديث للإعلام، ويكشف جانباً من بطولات «الدفاع الجوى» والدور الخطير الذى قام به حائط الصواريخ فى تدمير القوات الجوية الإسرائيلية أو «ذراع إسرائيل الطويلة» كما كان يحلو لهم أن يرددوا.

فماذا قال البيه؟ وما الجملة التى لا ينساها لجولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل؟ وما الأرقام الحقيقية لخسائر سلاح الطيران الإسرائيلى التى ينكرها الإسرائيليون حتى اليوم؟ ولماذا احتفلت قيادة الدفاع الجوى بكاملها فى مقر القيادة حينما أعلنت إسرائيل أنها دمرت الدفاع الجوى المصرى ولن تقوم له قائمة مرة أخرى؟ وكيف استطاعت العبقرية العسكرية المصرية أن تُحيد واحداً من أخطر الصواريخ الأمريكية «شرايك» الذى أنتج خصيصاً لأجل الحرب فى فيتنام، وحينما أفشلت العقول المصرية مفعوله كان أحد أهم أسباب سرعة انسحاب أمريكا من فيتنام؟

{long_qoute_1}

وإلى نص الحوار

 

■ ما قصة إنشاء حائط الصواريخ الذى نجح فى تحييد الطيران الإسرائيلى‏، ومنعه من تقديم المعاونة لقواته البرية‏‏ فى مواجهة الهجوم المصرى وصد عملياته‏‏؟

- فى يوم 30 يونيو من كل عام تحتفل قوات الدفاع الجوى المصرية بيوم الدفاع الجوى، ويعود هذا الاحتفال إلى يوم 30 يونيو 1970 الذى سجل بداية المعركة الشرسة بين قوات الدفاع الجوى المصرية وقوات الدفاع الجوى الإسرائيلية، التى استمرت حتى يوم 8 أغسطس 1970، بعد الاتفاق على وقف إطلاق النيران بشكل مؤقت لمدة 3 شهور بناء على مبادرة «روجرز» لإنقاذ إسرائيل التى كانت فى مأزق كبير، وفى ذلك اليوم تم إسقاط أول طائرة فانتوم إسرائيلية غرب القناة، ضمن عدد آخر من الطائرات الفانتوم والسكاى هوك وأسر طياريها والتى اعتبرها الكيان الإسرائيلى مفاجأة خطيرة لم تكن تتوقعها قواتها الجوية، وما لديها من دعم أمريكى كامل، وقد انتشرت فى ذلك التوقيت تسمية ذلك النظام فى الصحافة والإعلام باسم «حائط الصواريخ»

■ لكن من المؤكد أن إسرائيل حاولت أن تدمر ذلك الحائط، أليس كذلك؟

- سيذكر التاريخ أنه فى يوم 8 أغسطس 1970 استطاعت قوات الدفاع الجوى أن تنشئ نظام دفاع جوى قوياً غير قابل للاختراق على الشاطئ الغربى من قناة السويس، وهذا الحائط كسر أسطورة القوات الجوية الإسرائيلية التى لا تقهر، وغيّر بشكل مباشر توازن القوى الجوى بين مصر وإسرائيل، وأصبح فى إمكان القوات المسلحة المصرية عبور قناة السويس وإدارة معركة هجومية فى سيناء لتحريرها من الاحتلال.

■ ماذا كانت ردود فعل الإسرائيليين إزاء هذا الحائط؟ وهل تتذكر مقولات معينة سمعتها بنفسك تدل على قهر العدو الإسرائيلى وإحساسه بالعجز وقتها؟

- أتذكر تصريح موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، بعد أيام من بدء حرب أكتوبر 73 حينما قال: إن جذور هذه الحرب اللعينة الثقيلة بأيامها والثقيلة بخسائرها قد وُضعت فى عام 1970 حينما أقام المصريون مواقع صواريخهم المضادة للطائرات على الشاطئ الغربى من قناة السويس، وبذلك أصبح لديهم القدرة على حماية قواتهم فى عملياتهم الهجومية شرق القناة، ولم نقم بتدميرها أو التخلص منها، لكن الحقيقة أن الإسرائيليين لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك، واعترف ديان بذلك لاحقاً حينما سئل لماذا لم تدمروها؟ فقال صراحة: لم تكن لدينا القدرة التكنولوجية والإمكانات القتالية للتخلص منها.

■ ما أهم مفاجآت قوات الدفاع الجوى المصرية ضد العدو الإسرائيلى، خاصة أن إسرائيل تفاخر دوماً بأن قواتها الجوية هى الذراع الطويلة لها؟

- إن أهم مفاجأة قامت بها قوات الدفاع الجوى ضد العدوان الإسرائيلى كان إقامة حائط الصواريخ، حيث كان الإسرائيليون يتصورون أنهم قضوا على نظام الدفاع الجوى المصرى بجبهة القناة تماماً، ويستطيعون الطيران بحرية فى تلك المنطقة منذ عام 69 وانتقلوا إلى مرحلة الهجوم المباشر ضد أهداف مصرية فى وادى النيل ومحافظة الشرقية «مدرسة بحر البقر، مصنع الصلب فى مسطرد، مطار غرب القاهرة» وغيرها، خاصة أن حائط الصواريخ أنزل بهم خسائر فادحة وفقدوا معها أيضاً خيرة طياريهم الذين شاركوا فى هجمات العمق وتخيلوا أنهم أسطورة لا يمكن القضاء عليها.

■ جولدا مائير قالت وقتها عن حائط الصواريخ المصرية: «كتائب الصواريخ المصرية أصبحت أشبه بعش الغراب كلما دمرنا واحداً نبت الآخر‏، فيما عرف لاحقاً بأسبوع تساقط طائرات الفانتوم الإسرائيلية، ما أصداء تلك المقولة وقتها؟

- مقولة جولدا مائير تعبر بوضوح عن مدى الارتباك فى القيادة الإسرائيلية، وكان سبب هذا الارتباك هو الأساليب التى اتبعها مقاتلو الدفاع الجوى المصرى فى معارك حائط الصواريخ، فلم يكن هناك أى «عش غراب» فى الموضوع، بل كان الأمر تطويراً هائلاً أدخله المقاتلون المصريون فنياً وتكتيكياً فى منظومة الصواريخ واستطاعوا باستخدام خصائص جديدة أن يخدعوا وسائل الاستطلاع الإسرائيلية المختلفة لتجعل جولدا مائير تطلق تصريحات كتلك التى أطلقتها!

■ من المعروف أن إسرائيل كانت قد زودت الطائرات الإسرائيلية بصواريخ من طراز «شرايك» وهى من الأسلحة الذكية‏، ووضعت هذه الصواريخ قوات الدفاع الجوى المصرية فى موقفين أحلاهما مر، فإما أن تقوم بوقف تشغيل أجهزة الإشعاع وبالتالى لا ترى الطائرات المهاجمة ولا تقاومها، أو أن تستمر فى تشغيل معداتها وبالتالى تتعرض للقصف والتدمير‏، إلا أن قوات الدفاع الجوى المصرية توصلت إلى طريقة ثالثة حيدت الصواريخ «شرايك» لتسقط بعيدة عن أهدافها‏،‏ فماذا فعلت مصر؟{left_qoute_1}

- هذا أحد الأسرار العسكرية بطبيعة الحال، لكن يمكن القول إن مقاتلى الدفاع الجوى المصرى استطاعوا أن يتحكموا فى طبيعة شعاع رادار التوجيه بطريقة تجعل الصاروخ «شرايك» لا يستطيع تتبعه ويفقده ويتوه فى الفضاء! فالصاروخ «شرايك» كان يعتبر فى ذلك الوقت من أفضل وأحدث إنجازات الصناعة العسكرية الأمريكية فى مجال الحرب الجوية، ولقد صُنع استجابة لطلبات القوات الجوية الأمريكية فى فيتنام لإسقاط وتدمير صواريخ الدفاع الجوى الروسى سام 2، ولقد كانت نتائجه فى حرب فيتنام كارثية، استطاعت أن تمحو من الوجود كثيراً من مواقع الصواريخ الروسية، إلا أن الدفاع الجوى المصرى استطاع ببراعة أن يستنبط طريقة مبتكرة لتقليل خطورة الصواريخ «شرايك» ويتخلص من تأثيرها تماماً فى أحيان كثيرة، وقد تم تعميم هذا الأسلوب فى مواجهة «شرايك» فى جميع دول العالم التى تستخدم سام 2، وكان لهذا الاستخدام نتائج مبهرة فى حرب فيتنام، بل إنه قد يكون أحد أسباب سرعة خروج القوات الأمريكية منها بعد عام 1972.

■ على الرغم من أن الطائرات الإسرائيلية استخدمت وسائل الإعاقة والشوشرة سواء كان ذلك من مصادر أرضية‏‏ أو من المستودعات الموجودة بنفس الطائرات المهاجمة فقد تمكن مقاتلو الدفاع الجوى أن يتغلبوا على هذه الإعاقة‏.. ‏ فما السر وراء ذلك؟

{long_qoute_2}

- الدفاع الجوى وظيفته دفاعية بحتة، ولا يمكنه المناورة بين الدفاع والهجوم كما تستطيع الأسلحة الأخرى البرية والجوية والبحرية وذلك بسبب كبر حجم معداته وصعوبة المناورة بها، لكن فى الدفاع الجوى فى حرب الاستنزاف ومعارك حائط الصواريخ استطاع أن يتحول فى أوقات كثيرة من الدفاع إلى الهجوم عبر تحريك وحدات الدفاع الجوى من مواقعها فى الوقت الذى كانت تتوقع فيه قوات العدو استحالة مناورة هذه القوات خارج مواقعها! والمثير فى الأمر أن قوات الدفاع الجوى استطاعت أن تعمل على تقليل الأزمنة اللازمة لنقل تلك المعدات والتحرك بها من خلال ابتكار أسلوب جديد يطلق عليه «الكمائن الصاروخية» وذلك بتحريك وحدات صواريخ إلى أماكن بعيدة عن موقعها الأصلى لفترة محدودة تستطيع فيها الاشتباك مع الطائرات المعادية بصورة مفاجئة لها، ونتائج تلك الكمائن كانت مشجعة للغاية لدرجة أنه فى النصف الثانى من 1970 تمكنا من التقدم بالكمائن الصاروخية إلى مسافات قريبة جداً من الشاطئ الغربى لقناة السويس واستطاعت أن تسقط 4 طائرات فى شرق القناة وبعدها توقفت أى طائرات إسرائيلية عن الطيران على مسافة 20 كم شرق القناة! وجدير بالذكر هنا أنه كان من أهم مقومات القوات الجوية الإسرائيلية أجهزة الإعاقة الإلكترونية المضادة لرادارات الدفاع الجوى، وقد استخدمت إسرائيل هذه الأجهزة لأول مرة فى حرب 67، ثم استخدمت بكثافة فى حرب الاستنزاف ومعارك حائط الصواريخ وحرب أكتوبر 73، لكننا تغلبنا عليها.{left_qoute_2}

■ هل لك أن تكشف لنا عن الرقم الحقيقى لخسائر القوات الجوية للعدو الإسرائيلى فى حرب أكتوبر، خاصة مع تباين الأرقام على مدار الـ42 سنة الماضية وبطبيعة الحال إسرائيل تنكر ذلك؟

- لا يعلم حقيقة خسائر أى قوات جوية فى الحرب إلا قيادة تلك القوات، وهذا ينطبق أيضاً على إسرائيل، إلا أن هناك تقديرات «قد تكون صحيحة أو قريبة من الصحة» فى الشرق والغرب وأيضاً التقديرات المصرية، لأن قوات الدفاع الجوى المصرية هى التى أنزلت بإسرائيل معظم هذه الخسائر ولأن هناك علاقة شبه مؤكدة بين خسائر الطائرات وعدد الصواريخ التى أطلقت عليها خلال الحرب، فيمكن تحليل ذلك كالتالى: «إسرائيل كانت تملك قبل الحرب 350 - 400 طائرة قتال فانتوم وسكاى هوك وميراج، وقد قامت بمهاجمة أهدافها المصرية بعدد 5000 - 6000 طلعة طائرة قتال خلال الحرب، قصفت فيها أهدافها بحوالى 25.000 - 30.000 طن من القنابل والصواريخ، فى حين أطلقت الصواريخ المصرية على الطائرات الإسرائيلية المهاجمة عدة مئات من الصواريخ قد تصل إلى «1500 صاروخ سام 2، 3، 6»، بخلاف صواريخ الكتف «ستريلا» والمدفعية المضادة للطائرات، وطبقاً لتلك البيانات فإن العدد المتوقع لإصابة تلك الطائرات يعادل تقريباً 350 طائرة، تم تدمير أكثر من 200 طائرة منها، فيما أصيب ما بين 50 - 100 طائرة إسرائيلية، وفى كتاب المؤرخ العسكرى الأمريكى تريفور ديبوى «النصر المراوغ أو المُحير»، الذى صدر بعد حرب أكتوبر وناقش أعمال القتال على الجبهتين جاءت الأرقام التالية، التى اعترف بها الجانب الإسرائيلى: «خسائر كاملة 109 طائرات، إصابات 263 طائرة»!

{long_qoute_3}

■ هل يجب أن نصدق تلك الأرقام؟

- بالطبع لا، فوقفاً للتقدير المصرى الذى كان الطرف الآخر فى الحرب، فهو عكس تلك الأرقام تماماً، خسائر كاملة 235 طائرة وإصابة من 75 - 100 طائرة، وذلك طبقاً لبلاغات الوحدات المشتبكة، وقد ظهر ذلك واضحاً عندما تم إمداد إسرائيل بحوالى 55 طائرة قتال من أمريكا وجنوب أفريقيا أثناء الحرب!

■ من أبرز أسرار الدفاع الجوى المصرى فى حرب أكتوبر إفشال قدرة إسرائيل على استخدام الطائرة بدون طيار «RPVS» فهل هناك ما يمكن الكشف عنه إزاء هذه البطولة؟

- يمكن توضيح أسباب إسقاط 4 طائرات بدون طيار RPVS من خلال 6 طلعات استطلاع قامت بها القوات الجوية الإسرائيلية كالآتى: إسقاط 2 طائرة بالصواريخ سام 2، إسقاط 1 طائرة خاصة بالإعاقة على نظام القيادة الإلكترونية، إسقاط 1 طائرة بصواريخ ستريلا أو المدفعية، ونستطيع أن ندرك حجم الخسارة الإسرائيلية بتدمير تلك الطائرات عندما نعرف أن إسرائيل قامت فى اليوم التالى مباشرة باستخدام صواريخ «شرايك» لأول مرة فى هجمة جوية مركزة بعدد 18 طائرة فانتوم تحمل 36 صاروخ شرايك، أطلقتها من شرق القناة على رادارات وصواريخ الدفاع الجوى المصرى غرب القناة بغرض القضاء على نظام الدفاع المصرى فى الجبهة، ولقد أعلنت إسرائيل وقتها أنها قد قامت بتدمير الدفاع الجوى المصرى وأنه لن تقوم له قائمة مرة أخرى، ولقد احتفلنا جميعاً فى قيادة قوات الدفاع الجوى بذلك الإعلان لأنه فى تقديرنا كان علامة على مدى الفشل الإسرائيلى فى تحديد نتائج هذه الضربة الجوية!

■ كنت أحد أعضاء فريق العمل الذى عكف على ملحمة إسقاط الطائرة الإسرائيلية الأقوى «استرتو كروز» التى كانت تمثل أهمية كبرى للقوات الإسرائيلية؟

- لم تكن تلك النتائج إلا نتاج قيام وحدات الدفاع الجوى بالجبهة بتنفيذ قواعد الاشتباك مع «شرايك» والتى تم التدريب عليها لفترات طويلة جداً قبل ذلك، وأيضاً نتيجة لقيام قوات الدفاع الجوى فى تقدير الموقف بعد سقوط الطائرة «استرتو كروز» وتوقع قيام إسرائيل بهجمة «شرايك» فى اليوم التالى وإعطاء الأوامر للوحدات بالاستعداد للاشتباك طبقاً لقواعد الاشتباك تحت ظروف استعمال العدو للصواريخ «شرايك» فى الوقت المحدد تماماً!

 


مواضيع متعلقة