دراسة حديثة تكشف «ثغرات الفوضى» فى قانون الإدارة المحلية

كتب: ماهر هنداوى

دراسة حديثة تكشف «ثغرات الفوضى» فى قانون الإدارة المحلية

دراسة حديثة تكشف «ثغرات الفوضى» فى قانون الإدارة المحلية

كشفت دراسة حديثة، أعدّها الدكتور إبراهيم ريحان، خبير المحليات والرئيس الأسبق لجهاز القرية بوزارة التنمية المحلية والأستاذ بجامعة عين شمس، أن الفساد المنتشر فى الإدارات المحلية، نتيجة تراكم أخطاء وثغرات وفساد فى كثير من مواد فى قانون الإدارة المحلية 43 لسنة 1979، الذى عفا عليه الزمن، ويجب على الفور تعديله. وأضافت الدراسة أن قانون الإدارة المحلية الحالى به العديد من الثغرات أدت إلى استغلال الموظفين له، سواء من القيادات، أو الموظف العادى فى تقاضى الرشاوى، خاصة فى إدارات المرافق والإدارات الهندسية والتراخيص والإسكان والنقل والمرور بالمحافظات.

{long_qoute_1}

ولفتت الدراسة إلى أن بعض القيادات السابقة الفاسدة تعمّدت وضع مواد مطاطة فى القانون حتى تستطيع التحايل على القانون واللوائح المعمول بها فى المحليات، لارتكاب مخالفات جسيمة تتربّح من ورائها ملايين الجنيهات دون أن تتعرّض للمسئولية والحساب. وأشارت إلى أن ضعف رواتب موظفى المحليات بصفة عامة وهذه الإدارات بصفة خاصة أعطى مبررات واهية لموظفيها والقيادات أيضاً بارتكاب المخالفات والوقوع فى براثن الفساد وتقاضى الرشاوى.

وأوضحت الدراسة أن الفساد المستشرى فى المحليات بجميع قطاعاتها ليس أكثر من الفساد المنتشر فى قطاعات ووزارات أخرى بالدولة، منها «الكهرباء والتموين والصحة والنقل والطرق والمرور»، لكنه ربما يكون أقل حدة.

وقالت الدراسة إن الفساد على مدار الثلاثين سنة الماضية تحول إلى منظومة وخلايا سرطانية تحتاج وقتاً أطول واستراتيجيات حاسمة وحازمة لاستئصالها، مشيرة إلى أن الفساد له العديد من الأنواع والمظاهر التى تنتشر فى مؤسسات الإدارة المحلية وبعضها أكثر شيوعاً من البعض الآخر، والبعض منها ما يكون سائداً بشكل أكبر من حكومات محلية معينة بخلاف القطاعات الأكبر من الحكومات، ويمكن أن تكون الحكومات المحلية أكثر عرضة للفساد بسبب التفاعلات بين الأفراد والمسئولين التى تتم على مستويات أعلى من المودة والألفة وبشكل أكثر تكراراً على مستويات غير مركزية بشكل أكبر، ويمكن ملاحظة أشكال الفساد المتعلقة بالأموال، مثل الرشوة والابتزاز واختلاس الأموال العامة فى أنظمة الحكومات المحلية، ومن بين الأشكال الأخرى للفساد الحكومى المحسوبية وأنظمة المحاباة، وقد تمثل أحد الأمثلة التاريخية على ذلك فى مجموعة «بلاك هورس كافالارى»، وهى مجموعة من المشرّعين فى ولاية نيويورك من المتهمين بابتزاز المؤسسات.

وتناولت الدراسة مفاهيم الرشوة والابتزاز والاختلاس وغيرها من الأساليب غير المشروعة، معرفة الرشوة بأنها عرض شىء ما غالباً ما يكون فى شكل أموال، لكن يمكن أن يكون فى شكل سلع أو خدمات أخرى من أجل الحصول على ميزات بشكل غير عادل، ومن الميزات الشائعة التى يمكن تحقيقها من خلال ذلك تغيير رأى الشخص أو تصرفاته أو قراراته أو تقليل مقدار الرسوم التى يتم جمعها أو تسريع المنح الحكومية أو تغيير النتائج الخاصة بالعمليات القانونية.

{long_qoute_2}

ويُقصد بالابتزاز، حسب الدراسة، التهديد بالإضرار، أو الإضرار الفعلى بالشخص أو بسمعته أو ممتلكاته من أجل الحصول على الأموال أو الإجراءات أو الخدمات أو غيرها من السلع من هذا الشخص بشكل غير مشروع. ويعد الابتزاز المالى من أشكال الابتزاز، بينما يُقصد بالاختلاس الاستيلاء أو التخصيص غير القانونى للأموال أو الممتلكات التى تم إيداعها فى عهدة شخص ما، إلا أنها تكون بالفعل مملوكة للغير. ومن الناحية السياسية، يطلق على ذلك اسم اختلاس الأموال العامة، وهو ما يحدث عندما يستخدم مسئول سياسى الأموال العامة للأغراض الخاصة بشكل غير مشروع، ويُقصد بالمحسوبية ممارسة أو الميل إلى محاباة مجموعة أو شخص من الأقارب عند منح الترقيات والوظائف وزيادات الرواتب وغير ذلك من الامتيازات للموظفين، وغالباً ما يعتمد ذلك على مفهوم التوجُّه العائلى، الذى يشير إلى أن الشخص دائماً ما يحترم ويقدر العائلة فى كل المواقف، بما فى ذلك تلك المتعلقة بالسياسة والأعمال، ويؤدى ذلك ببعض المسئولين السياسيين إلى توفير الامتيازات والمناصب التى تنطوى على سلطة إلى الأقارب، اعتماداً على العلاقات، وبغض النظر عن قدراتهم الفعلية.

وتضمنت الدراسة تعريف أنظمة المحاباة، مؤكدة أنها تتكون من منح الامتيازات أو التعاقدات أو التعيين فى المناصب من خلال مسئول محلى عام أو مرشح لأحد المناصب السياسية كرد جميل للدعم السياسى. وفى العديد من الحالات، يتم استخدام المحاباة للفوز بالدعم والأصوات فى الانتخابات أو أثناء تمرير التشريعات. وتتجاهل أنظمة المحاباة القواعد الرسمية الخاصة بالحكومة المحلية وتستخدم القنوات الشخصية بدلاً من القنوات الرسمية من أجل الحصول على الامتيازات.

وأكدت الدراسة أن هناك عوامل ديموغرافية تؤدى إلى الفساد فى المحليات، منها أن تكون السمات الاجتماعية الاقتصادية، وعدد السكان الذى تتكون منه المنطقة المحلية عاملاً مشجعاً لمسئولى الحكومات المحلية، للمشاركة فى ممارسات الفساد، ويمكن العثور على أنماط الفساد السياسى فى الأماكن التى تحتوى على التركيبة الديموغرافية نفسها، وتتمثل العوامل الديموغرافية التى اشتهرت بأنها تؤدى إلى، أو تزيد، احتمالية الفساد فى النظام الحكومى المحلى فى الدين والعرق والطبقة وحجم المنطقة المحلية والظروف الاقتصادية المحلية والتعليم والثقافة السياسية والجنس. وتكون بعض العوامل مرتبطة ببعضها البعض، أو يمكن أن تؤدى إلى عوامل أخرى قد يترتب عليها المزيد من الفساد.

وأضافت الدراسة أن المحليات صغيرة الحجم تميل إلى تشجيع الفساد فى الحكومات المحلية، حيث تتطلب المحليات الصغيرة المزيد من المسئولين المحليين، لتمثيل الحكومة المحلية وتسيير شئونها. ومع تزايد المسئولين، من الصعب الاستمرار فى المراقبة الشديدة لكل منهم وتأسيس إدارة جيدة ومراقبة أنشطتهم. كما يمكن أن تحتوى المحليات الصغيرة كذلك على سياسات غير كافية، بالإضافة إلى عدم كفاءة إجراءات مقاضاة المسئولين المحليين من الفسدة. ويشجع ذلك وقوع الفساد فى الحكومة المحلية، لأنه توجد احتمالية أضعف باكتشاف الجرم أو المعاقبة، وبالتالى، يمكن أن يتحول المزيد من المسئولين الرسميين إلى عدم النزاهة أو على الأقل يمكن أن يتم إغراؤهم على ذلك.

وأشارت الدراسة إلى أنه تمت ملاحظة أن بطء التطوير الاقتصادى واحد من بين العوامل المشجّعة على الفساد السياسى داخل المحليات، وتعد الممارسات الاقتصادية مثل الاعتماد على الصناعات القائمة على المواد الخام وتجارة المخدرات من السمات المميزة للمدن والمناطق الفقيرة، مما يؤدى إلى زيادة مستويات الفساد، كما يؤدى الاعتماد الاقتصادى على بعض الصناعات كذلك إلى ضعف استقرار الحكومات وقلة مقدار الأموال المتاحة لتمويل تلك الحكومات. وتؤدى الاقتصادات الهشة إلى زيادة مستويات الفقر وقلة فرص الهروب من براثنه. ويعد الفقر من العوامل الشهيرة التى تشجع على الفساد فى الحكومات المحلية. وفى بعض الأحيان، تحصل الأماكن التى ينهار فيها الاقتصاد، والتى ينتشر فيها الفقر، على القروض، أو تبدأ فى تطبيق برامج الإعانة لدعم الاقتصاد المحلى والشعب، ويمتلك المسئولون الحكوميون فى الغالب القدرة على أخذ الأموال أو البضائع من أجل تحقيق مكاسب بشكل غير مشروع. ومع قلة الأموال المتاحة، تتزايد فرصة حصول المسئولين المحليين على رواتب أقل، وهو ما يعد بمثابة عامل آخر يمكن أن يدفع إلى الفساد. ويتجه العديد من المسئولين الذين يحصلون على أجور ضعيفة لا تكفى للوفاء بمتطلباتهم الضرورية فى الكثير من الأحوال، إلى الفساد وتجربة أمور مثل اختلاس الأموال التى تكون فى عهدتهم فى الخزانة العامة المحلية. ويمكن أن تسبب الأجور الضعيفة حالة من عدم الأمان الاقتصادى، وقد تشجع السياسيين على الاستفادة من الفرص الحالية، كونهم يشغلون مناصب عامة ذات سلطات. وعلى النقيض، يقول بعض الباحثين إنه كلما زاد مقدار الأموال الذى تنفقه الحكومة المحلية، زادت احتمالية إنفاق تلك الأموال بشكل غير فعّال، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى شبهات فساد. وبشكل عام، فإنه من المتصور أن تكون الحكومات المحلية فى المحليات الأفقر، أكثر فساداً من المحليات الغنية.

وأوضحت الدراسة أنه يُنظر إلى المستويات المنخفضة من التعليم التى غالباً ما تنجم عن الفقر، على أنها عامل يشجّع على ممارسات الفساد الحكومية فى المحليات، ومع توافر مقادير أقل من التعليم، لا يكون لدى الشعب قدر كبير من المعلومات فى ما يتعلق بكيفية عمل الحكومة والحقوق التى يمتلكونها فى ظل تلك الحكومة. ويكون من الأسهل على شاغلى المناصب من الفاسدين إخفاء الأنشطة الفاسدة عن الشعب ضعيف التعليم. وتقل احتمالية أن يكون المواطنون من غير المتعلمين على دراية بالفساد فى الحكومات المحلية أو كيفية إيقافه، وبالتالى، يتمكن الفساد من البقاء والاستشراء. ودون نوع من أنواع الوعى السياسى، لن يدرك المواطنون أى المرشحين يمكنهم اختياره، ومن منهم يتسم بالنزاهة ومن لا يتسم بالنزاهة، أو الوسائل الأخرى التى يمكن من خلالها منع الفساد من الظهور فى الحكومات المحلية لديهم، وغالباً ما يؤدى ذلك إلى أن تخضع المحليات دائماً لسيطرة واحد أو أكثر من المسئولين الفاسدين الذين يستخدمون ممارسات المحسوبية أو المحاباة من أجل البقاء فى المنصب أو من أجل استمرارية التأثير فى الحكومة على مدار فترات زمنية طويلة. وعندما يكون القادة السياسيون المحليون أقل تعليماً، تقل احتمالية عثورهم على طرق مشروعة لجعل المنطقة المحلية جيدة الهيكلة وأكثر إنتاجية وأكثر نجاحاً.

وأضافت أنه لدى العديد من الحكومات المحلية تكون هناك ثقافة سياسية راسخة مع بعض التوقعات والممارسات المحددة التى غالباً ما تحدد ما يمكن اعتبار أنه أمر مقبول أو غير مقبول فى إطار السياسات المحلية، وفى المناطق المحلية التى تحتوى على ثقافة سياسية غير مطورة، أو التى تكون فى سبيلها لتطوير تلك السياسات، غالباً ما تكون المحاسبة والشرعية فى مستويات منخفضة، ولا تكون مبادئ الأخلاقيات فى الحكومة راسخة. ويمكن أن يشجع ذلك على وقوع الفساد فى الحكومة المحلية، لأن المواطنين لا يعرفون ما يمكن أن يتم اعتباره فساداً، ولا يخشى المسئولون الحكوميون من أن يصبحوا فَسَدة بسبب ضعف مستويات المحاسبة، وفى بعض الأماكن، تكون الحكومات المحلية فاسدة لفترة طويلة للغاية، لدرجة أن المواطنين يعتقدون أن تلك الطريقة هى التى يجب التعامل بها، لأن ذلك هو كل ما تعرفوا عليه.

{left_qoute_1}

كما تؤدى فترات عدم الاستقرار السياسى كذلك إلى الفساد فى الحكومات، لأن الشعب لا يكون على دراية بالكيفية التى يجب أن تعمل بها الحكومة، وبالتالى، لا يعرفون الممارسات التى تكون فاسدة أو كيفية إيقافها إذا كانت فاسدة فعلاً. وأوصت الدراسة بضرورة تطبيق نظام اللامركزية الذى يعطى صلاحيات أكبر للمحافظين والقيادات المحلية دون الرجوع إلى وزير التنمية المحلية مباشرة أو مجلس الوزراء، وهو ما يساعد فى القضاء على الروتين والبيروقراطية التى انتشرت بالمحليات فى السنوات الماضية.

كما أوصت الدارسة بأنه للقضاء على الفساد فى المحليات والحد من انتشار الظواهر السيئة يجب أن تقدم الخدمات للمواطنين بجميع وسائل التكنولوجيا الحديثة التى تفصل بين المواطن طالب الخدمة والموظف مقدم الخدمة، وتعديل شامل فى قانون 43 لسنة 79 المعمول به حالياً، وضرورة توفير فرص العمل للشباب والخريجين بالمحافظات، وتفعيل دور المنظمات الأهلية فى مراقبة القيادات المحلية، ودعم الوحدات المحلية بالمهندسين المتخصصين، وإعطائهم دورات تدريبية مكثفة على قانون الإدارة المحلية بعد تعديله.

كما أوصت بضرورة تفعيل أكاديمية التنمية المحلية التى تم إنشاؤها وتأسيسها فى منطقة سقارة بالهرم والدراسة بها، وإلحاقها بوزارة التعليم العالى لتخريج كوادر محلية لقيادة المحليات فى ما بعد، تكون مطلعة على أسس وأساليب تطوير الإدارة بالمحليات.

 

 


مواضيع متعلقة