«الأجداد».. «فسيخ ورنجة» و«فسحة» بالحدائق العامة وتوثيق لحظاتها فى الذاكرة

«الأجداد».. «فسيخ ورنجة» و«فسحة» بالحدائق العامة وتوثيق لحظاتها فى الذاكرة
فى زمن «الجيل الصامت»، الذى كان فيه صخب العالم يقابل بالصمت، والحياة تعاش ببساطة، تشكلت طقوس الاحتفال بشم النسيم تحت ظل الأشجار، فى يوم لم يكن مجرد عطلة، بل كان طقساً سنوياً يجدد الشعور بدفء العائلة، فبينما تتغير مظاهر الاحتفال عبر الأجيال، تبقى جذور الفرح الأولى مزروعة فى أرض هذا الجيل الذى علمنا أن الصمت أحياناً أبلغ من كل الاحتفالات الصاخبة.
وسط ظلال الكساد الاقتصادى والحروب الكبرى التى هزت العالم فى النصف الأول من القرن العشرين، ولد ما يعرف بالجيل الصامت، باعتباره جيلاً صاغته الأزمات وشكلته العادات والتقاليد، وذلك فى الفترة بين عامى 1928 و1945، وهو زمن أحداثه تسير ببطء، خالٍ من رفاهية التكنولوجيا، لذلك عرف هذا الجيل بالانضباط، التزام القيم، والعمل الدؤوب بصمت، حتى فى مواجهة أصعب الظروف.
«سعدية»: «كنا نجتمع أنا ووالدتى وأخواتى وأطفالنا ونقضى اليوم لغاية غروب الشمس»
ورغم الصمت الذى وسم حركتهم، لم تكن أعيادهم خافتة، بل كانوا يقتنصون أضيق الفرص من أجل الشعور بدفء العائلة، تقول إحدى السيدات من هذا الجيل، تدعى سعدية رفاعى، فى حديثها لـ«الوطن»، التى تروى ذكرياتها مع شم النسيم: «كنا نجتمع أنا ووالدتى وأخواتى وأطفالنا منذ الصباح الباكر فى يوم شم النسيم، نبدأ بتحضير الطعام وترتيب كل ما نحتاجه، ثم ننطلق إلى إحدى الحدائق الكبرى لقضاء اليوم، وكنا نحرص على شراء الفسيخ والرنجة مسبقاً، وكان اليوم بالنسبة لنا مناسبة ننتظرها طوال العام، ليس فقط للاحتفال، بل لأنها تمثل تجمعاً عائلياً له خصوصية لا تشبه أى مناسبة أخرى، لم نكن نغادر الحديقة إلا عند غروب الشمس، وكان شم النسيم بالنسبة لنا عيداً عزيزاً نترقبه من عام إلى آخر».
وواصلت حديثها، الذى يحمل بساطة لا تخلو من عمق ودفء لا يغادر ذاكرتها منذ سنوات: «كانت الجنينة ليست فقط مكاناً للتنزه، بل كأنها مسرح يحاكى لحظات الدفء التى تشعر بها العائلات فى هذه الأوقات، ولحظات التلاحم الأسرى التى ينتظرها الجميع بفارغ الصبر، لم تكن هناك كاميرات توثق، بل وثقها هذا الجيل فى ذاكرته للأبد».