مصطفى عمار يكتب: «القاهرة والدوحة».. تحالف الضرورة لإنقاذ غزة من جحيم الحرب ومخططات التهجير

مصطفى عمار يكتب: «القاهرة والدوحة».. تحالف الضرورة لإنقاذ غزة من جحيم الحرب ومخططات التهجير
فى لحظة فارقة من عمر القضية الفلسطينية، تحرك الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الدوحة حاملاً رسالة مصرية حاسمة.. لا تهجير، لا تقسيم، لا تصفية. تحرك دبلوماسى تقوده القاهرة بشجاعة ومسئولية، لحماية الشعب الفلسطينى من محارق الحرب، ولإعادة فتح نوافذ الأمل فى وجه مشروع الظلم والتهجير.. مصر لا تساوم، بل تصنع الفارق.
زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى دولة قطر لم تكن زيارة بروتوكولية عابرة، بل هى رسالة دبلوماسية مركزة وواضحة الملامح، تترجم رؤية مصر الاستراتيجية تجاه ما يجرى فى قطاع غزة من جرائم حرب ومخططات تهجير قسرى، وتؤكد أن القاهرة تتحرك من موقع الفعل لا رد الفعل، ومن منطلق السيادة لا المسايرة.
فالسياق الإقليمى الذى جاءت فيه هذه الزيارة لا يحتمل الغموض: العدوان الإسرائيلى على القطاع يدخل شهره السابع، فيما يتكشف يوماً بعد آخر مخطط إسرائيلى لتفريغ غزة من سكانها ودفعهم خارج حدودها، تحت غطاء الحرب، وبذرائع الأمن. فى هذا المشهد المأزوم، ترتفع قيمة الموقف المصرى كحائط الصد الأخير أمام تمرير هذا المخطط، وتتحرك الدبلوماسية المصرية فى كل اتجاه لمنع فرض واقع جديد بالقوة والسلاح.
زيارة الرئيس السيسى للدوحة تأتى وسط هذا الزخم، وفى وقت باتت فيه الحاجة مُلحَّة لتنسيق عربى حقيقى يقف أمام مشروع تصفية القضية الفلسطينية. وقطر ليست طرفاً عادياً فى هذا الملف، بل هى دولة ذات تأثير مباشر، بما تملكه من علاقات مع الفصائل الفلسطينية، خصوصاً حماس، وبما لها من ثقل مالى وسياسى فى ملف إعادة إعمار غزة. ولعل اختيار القاهرة للدوحة فى هذا التوقيت يعكس إدراكاً واعياً بأن التحرك العربى المشترك هو الطريق الأقصر نحو كسر الجمود ووقف نزيف الدم.
إن التنسيق بين مصر وقطر بقدر ما هو ضرورى للمنطقة، يعكس أيضاً حجم التفاهم بين الدولتين حول خطورة اللحظة التاريخية. ما يحدث فى غزة لم يعد مجرد عدوان، بل هو مشروع استيطانى توسعى جديد، تسنده حكومة إسرائيلية متطرفة، تحاول أن تُلبس الجريمة ثوب الضرورة الأمنية. وهنا تحديداً يظهر الدور المصرى: القاهرة تدرك أن تهجير الفلسطينيين من غزة، سواء إلى سيناء أو إلى خارج حدود فلسطين، هو تهديد مباشر للأمن القومى المصرى، ومحاولة لفرض واقع جغرافى سياسى جديد يفتح أبواب الفوضى على مصراعيها فى الإقليم.
لذلك كانت محاور التحرك المصرى واضحة منذ اللحظة الأولى.. لا لتهجير الفلسطينيين، لا لتمزيق وحدة الأراضى الفلسطينية، لا لإعادة تصدير القضية فى شكل أزمة لاجئين جدد.. نعم لوقف إطلاق النار، نعم لعودة المفاوضات، نعم لحل سياسى عادل وشامل على أساس مرجعيات الشرعية الدولية.
ما تقوم به القاهرة اليوم ليس مجرد موقف دبلوماسى، بل هو تعبير عن قوة الدولة المصرية واستقلال قرارها. مصر تملك أوراقاً حقيقية على طاولة الحل: الجغرافيا التى تمنحها السيطرة على بوابة غزة، التاريخ الذى يؤهلها للعب دور الوسيط الموثوق، العلاقة العميقة مع الفصائل الفلسطينية، والتنسيق الأمنى المتقدم مع الأطراف الدولية والإقليمية.
لكن ما يميز هذا التحرك المصرى هو أنه لا ينطلق فقط من مصلحة استراتيجية، بل من مسئولية إنسانية وقومية. فمصر ترى أن ترك غزة تنهار هو تمهيد لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وتحويل الشعب الفلسطينى إلى قضية لاجئين جديدة يتم تدويلها وتفكيكها. وهذا ما ترفضه مصر بشدة، ليس فقط لحماية حدودها، ولكن لصون كرامة الأمة كلها.
فى جميع المحافل الدولية، ومن على كل المنصات، عبّر الرئيس السيسى عن موقف مصر الثابت. لم يساوم، لم يهادن، لم يناور. قالها بوضوح: «لا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء». لم تكن مجرد عبارة سياسية، بل كانت إعلاناً صريحاً بأن الأمن القومى المصرى لا يُساوَم، وأن القضية الفلسطينية لن تُترك وحدها فى مهب العاصفة.
النتائج المتوقعة من التنسيق المصرى - القطرى لا تقف عند حد التهدئة أو وقف إطلاق النار، بل تتجاوز ذلك نحو تشكيل جبهة عربية موحدة ترفض العدوان وتدافع عن الحقوق الفلسطينية. مصر وقطر، ومعهما الأردن والسعودية والإمارات، يمكن أن يشكلوا محوراً ضاغطاً يدفع المجتمع الدولى إلى التحرك الجاد لعقد مؤتمر سلام دولى، يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بعد سنوات من التهميش والإهمال.
الأمل اليوم معقود على أن تُترجم هذه الجهود إلى مبادرة عربية - إنسانية متكاملة، لا تُعنى فقط بوقف الحرب، بل ببناء أفق سياسى جديد، يعيد الحق إلى أصحابه، ويمنح غزة حياة تستحقها بعد سنوات من الحصار والموت.
■■ تبقى مصر الرقم الصعب فى معادلة الحل.. تبقى الدولة الوحيدة التى تتحرك بمنطق الدولة، لا المصالح الضيقة. وتبقى الدبلوماسية المصرية هى الرئة التى يتنفس بها الحق الفلسطينى، حين يختنق الجميع بالصمت أو التواطؤ أو الارتباك.