رفعت رشاد يكتب: العلاقات المصرية الإندونيسية إرث من الصداقة ورؤية مشتركة

رفعت رشاد يكتب: العلاقات المصرية الإندونيسية إرث من الصداقة ورؤية مشتركة

رفعت رشاد يكتب: العلاقات المصرية الإندونيسية إرث من الصداقة ورؤية مشتركة

تُعد العلاقة بين مصر وإندونيسيا واحدة من أروع الأمثلة على التضامن الدولي بين دول العالم النامي، فهي علاقة متجذرة في التاريخ والثقافة، وتحمل رؤية مشتركة للحرية والاستقلال، وقد صمدت أمام تقلبات الزمن وتزداد قوة مع مرور الوقت.

كانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال إندونيسيا عن الاستعمار الهولندي، هذا الدعم المبكر ترك أثرًا عميقًا في قلوب الإندونيسيين، ومهّد الطريق لعلاقات دبلوماسية وطيدة بين البلدين، ولا يزال هذا الموقف يُعد صفحة مشرقة في تاريخ البلدين.

بلغت العلاقات بين مصر وإندونيسيا ذروتها في الخمسينيات والستينيات، خلال عهد الرئيسين جمال عبد الناصر وسوكارنو. فقد جمعتهما رؤية واحدة لتحرير شعوبهما من الهيمنة الأجنبية، وبناء عالم أكثر عدلاً وتعاونًا.

شارك ناصر وسوكارنو في تأسيس حركة عدم الانحياز ، والتي مثلت مسارًا ثالثًا في خضم الحرب الباردة، بعيدًا عن هيمنة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وقد أعطت هذه الحركة صوتًا قويًا للدول النامية، ودعت إلى التعايش السلمي، ومناهضة الاستعمار، والتعاون الاقتصادي.

وكان للتبادل الثقافي والتعليمي دور محوري في توطيد العلاقات بين البلدين، فقد درس المئات من الطلاب الإندونيسيين في جامعة الأزهر الشريف، وشارك العلماء المصريون في حوارات فكرية ودينية في جاكرتا ومدن أخرى، مما عزز الاحترام المتبادل والتفاهم الروحي والفكري.

اكتسبت العلاقة زخمًا جديدًا مع زيارة الرئيس الإندونيسي إلى القاهرة، والتي فتحت صفحة جديدة من التعاون الثنائي، وشهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات التجارة والتعليم والسياحة، بما يعكس التزام الجانبين بالتنمية المستقبلية.

اقتصاديًا، توجد فرص كبيرة للتعاون بين البلدين. فمصر بموقعها الاستراتيجي ومشروعاتها الكبرى مثل منطقة قناة السويس، تتيح مجالاً واسعًا للاستثمار الإندونيسي. كما تُعد إندونيسيا سوقًا واعدة للمنتجات المصرية وبوابة إلى جنوب شرق آسيا.

أما سياسيًا، فلا تزال الدولتان تدعمان بعضهما البعض في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، حيث تتطابق مواقفهما بشأن حقوق الفلسطينيين واستقرار المنطقة، ما يدل على الثقة المتبادلة والمبادئ المشتركة.

وقد شكل توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين مصر وإندونيسيا خلال القمة الأخيرة محطة بارزة في مسار العلاقات الثنائية. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التنسيق في مجالات الأمن والدبلوماسية الإقليمية، والتحول في مجال الطاقة، ومبادرات مواجهة التغير المناخي، مما يعزز من دور البلدين كقوتين مؤثرتين في الجنوب العالمي.

رحبت وسائل الإعلام المصرية بزيارة الرئيس الإندونيسي، معتبرةً إياها رمزًا لتعزيز التعاون بين دول الجنوب في عالم يتجه نحو التعددية، كما أعادت الزيارة إلى الأذهان ذكريات الصداقة التاريخية بين ناصر وسوكارنو، ورؤيتهما لعالم ثالث موحد.

إن العلاقة بين مصر وإندونيسيا ليست مجرد علاقة دبلوماسية، بل هي رمز للصداقة المستمرة، والاحترام المتبادل، والرغبة المشتركة في تحقيق العدل والسلام، ومع تطلع البلدين إلى المستقبل، تبقى شراكتهما نموذجًا لما يمكن أن يحققه التعاون بين القوى الصاعدة.