رفعت رشاد يكتب: المثقف ودوره في تغيير الواقع

رفعت رشاد يكتب: المثقف ودوره في تغيير الواقع
سؤال متكرر لا يتقادم بمرور الوقت: ما دور المثقف في تغيير الواقع بالمجتمع؟ هل يمكن للمجتمع أن تدور عجلة الحياة فيه دون دور المثقف وقيادته الرأي العام؟
إن التاريخ يعجّ بالأمثلة التي تؤكد أن المثقفين كانوا الشرارة الأولى لأي نهضة أو تحوّل فكري أو سياسي. فالتغييرات الكبرى لم تتم إلا بعد أن مهدت لها أقلام المفكرين، وأحاديثهم، وكتبهم، ومواقفهم. المثقف لا يغيّر الواقع بيده، لكنه يغيّره بعقله ولسانه وكلماته، يوقظ الضمائر، ويزعزع السكون، ويعيد طرح الأسئلة الكبرى التي تهرب منها الأنظمة والمجتمعات.
والمثقف ليس مجرد حاملٍ للمعرفة أو قارئ نهمٍ للكتب، بل هو ضمير المجتمع اليقظ، وعينه الناقدة التي ترى الخلل، ولسانه الذي يصدح بالحقيقة في وجه الزيف. إنه من يملك رؤيةً نقدية تجاه الواقع، ويقترح بدائل وحلولًا، ويسعى إلى النهوض بالوعي العام من خلال أدواته المعرفية والفكرية.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يجب أن يكون المثقف متجردًا من كل انتماء؟ إن انخراط المثقف في قضايا مجتمعه يفرض عليه موقفًا. لكن الأهم ألا يُصبح أسيرًا لحزب أو عقيدة، بل أن تكون انتماءاته نابعة من قناعات عقلية ونقدية، وأن يظل حرًا في تفكيره، قادرًا على مراجعة ذاته، وناقدًا حتى لمن ينتمي إليهم.
واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المثقف هي علاقته بالسلطة. فإما أن يكون بوقًا لها، فيفقد مصداقيته، أو يكون عدوًا دائمًا لها، فيخسر فرص التأثير الواقعي. المثقف الحقيقي هو من لا يتملق السلطة، ولا يعاديها لمجرد العداء، بل يقف منها موقفًا نقديًا مستقلًا، يناصرها إذا أصابت، ويعارضها إذا أخطأت. المثقف الحقيقي هو من يجمع بين المعرفة الواسعة والقدرة على التحليل والنقد والانتماء لقضايا الناس لا لأهواء النخب والاستقلالية في التفكير والشجاعة في مواجهة التزييف والمرونة في مراجعة الذات والإخلاص للحقيقة، لا للشعارات.
في زمن الإعلام والسوشيال ميديا، تحوّل المثقف إلى قوة ناعمة ذات تأثير بعيد المدى. صوته يصل إلى آلاف بل ملايين الناس، وقدرته على التأثير تضاعفت. لهذا، فإن مسئوليته أصبحت أكبر من أي وقت مضى، وعليه أن يكون صوتًا للعقل، لا صدىً للضجيج.
وفي عالم يسوده الاستقطاب والتشويش، يصبح من السهل تشويه صورة المثقف أو اتهامه بالخيانة أو النفاق. لكنه رغم ذلك، يجب أن يظل واقفًا، لأن انسحابه يعني انتصار الجهل والسطحية. عليه أن يتحلّى بالصبر، وأن يؤمن بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الكلمة.
إن المثقف الحقيقي هو من يعيش آلام أمته، ويعبّر عنها بصدق، ويحمل همّ المستقبل. لا يتقوقع في برجه العاجي، ولا ينزل إلى درك التملق. إنه الحارس الأمين للوعي، وحامل شعلة التنوير. وإن لم يغير الواقع وحده، فإنه يُمهّد الطريق لأولئك القادرين على التغيير.