شيماء البرديني تكتب: «حيثما كنتم».. الرسالة لكم

شيماء البرديني تكتب:  «حيثما كنتم».. الرسالة لكم

شيماء البرديني تكتب: «حيثما كنتم».. الرسالة لكم

لم يكن الإعلان عن زيارة الرئيس الفرنسى ماكرون ليحتل أى حيز لدى المواطن العادى، إذ اعتاد المصريون على مدار 18 شهراً على هذا المشهد، مصر تستقبل دبلوماسيين ورؤساء دول ووزراء وملوكاً. الكل يضع يديه فى يد مصر لملاحقة آلة القتل ووأد المشروع المسموم المسمى بـ«التهجير» ودفع عجلة «الإعمار» والخروج من حمام الدم والإبادة الذى نصبه تحالف إسرائيل وأمريكا بأقل الخسائر الممكنة لفلسطين، القضية والأرض والشعب، وليس لمصر، التى خسرت وتكبّدت بالفعل ثمناً باهظاً للحرب، لكنه الدور والأمانة اللذان حملتهما طواعية.

فجأة تحولت الحسابات والصفحات والفيديوهات، من كل الطبقات والفئات، الكل يحتفى بمشاهد من الصعب تصديقها فى ظل توتر الأوضاع الإقليمية والدولية، وما يمكن تسميته «الاحتراق الكامل» للإقليم، وضبابية فى أوضاع كل الشعوب المحيطة.. ومصر كما هى، الصبر عنوان، والحنكة شعار، والثبات موقف، والشجاعة قرار، والحكمة مسار، صحيح أننا قد لا نمسك الكرة طوال فترة المباراة، لكن العبرة بمن يحرز الهدف وبنتيجة المباراة، والأهم برصيد النقاط، سواء فى اللقاءات المحلية أو الدولية.. والحديث ليس عن كرة القدم بالتأكيد.

حملت فيديوهات الرئيسين «السيسى وماكرون» الصدمة للبعض والدهشة لآخرين، بداية من استقباله فى الأجواء المصرية بطائرات «الرافال» فرنسية الصنع مصرية التسليح، التى حلقت فى سماء مصر فى 2021 بقرار استفز كل الإدارات الأمريكية والروسية وغيرهما، وصنع علامة استفهام كبرى لدى إسرائيل حول تسليح الجيش المصرى.. وبينما الرئيس الفرنسى يعبّر عن فرحته باستقبال «الرافال»، عبر موقع «إكس»، نزلت الجولات صاعقة خاطفة، إنه فى المتحف المصرى الكبير قبل افتتاحه، يتطلع إلى التاريخ والحضارة التى بناها المصريون وحافظوا عليها.. بعدها سار «ماكرون» إلى أكثر مكان أحبه الرئيس السيسى، هناك فى قلب القاهرة، وسط ملايين لا يمكن السيطرة عليهم تحت أى سياق إلا إذا أحبوك، هكذا المناطق الشعبية الأصلية، إذا أحببتها صارت أمانك، وإذا خشيت منها أو فيها صارت حصارك.. يوماً ما شعر أجداد «ماكرون» بهذا، حين اندلعت ضدهم الثورة وخرجت الحشود من قلب الجامع الأزهر لترفض وجود الفرنسيين وتطردهم شر طردة، اليوم حل «ماكرون» محل أجداده، لكن فى سياق مختلف. حرص الرئيس السيسى على استقباله فى مسقط رأسه، وسط ناسه وشعبه الحقيقيين، من تهافتوا على النداء «بنحبك يا سيسى»، وامتدت أياديهم لمصافحة يستحقونها، من زاحموا الحراسات الخاصة المصاحبة للرئيسين، لالتقاط صور وفيديوهات، فازوا بها، من خرجوا لقضاء سهرة فى الحسين وعادوا بكنز ثمين «السيسى مر علينا فى القهوة ورمى السلام، وكان معاه ضيف أجنبى»، ليس جهلاً بقدر الضيف، لكن تأكيداً أن القيمة ليست إلا فى أن الرئيس مر من هنا.

.. وسؤالى للرئيس السيسى، رجل المخابرات العريق والمقاتل فى صفوف جيش الرجال:

ما الذى تريد أن تقوله؟.. ومن الجمهور المستهدف بالرسالة؟

هل الداخل الذى بحث عن أمان وسط إرهاصات الحرب التى تدق طبولها فى المنطقة، فإذا برئيسه يخاطبه دون أن يخاطبه: «اطمئن.. أنا معك.. قريب منك.. لن أتركك.. هذه أرضى وأنتم مسئوليتى وعهدى مع الله، لا أميل لا أملّ لا ألين»؟

هل الخارج الذى يحاول الزج بأن يحمّلنا وزر قضية أساء إليها الجميع إلا مصر، فإذا بالرئيس يرد مزاعمهم: «اليوم لمصر.. وغداً للقضية، ولا للتهجير ولا لعار الصمت عليه»؟

هل لنتنياهو وحليفه الأمريكى، من باتا ليلتهما فى مراقبة المشهد وما ستُسفر عنه القمة المرتقبة؟.. قبل أن يستقل الأول طائرته للقاء شريكه فى جرائمه، فإذا بالرئيس يحبطهما باتفاقات فى جميع المجالات تقول إن اقتصادنا لن تعرقله تعريفة جمركية، وإن نمونا مرهون بإرادة المصريين وليس بالعراقيل التى تضعونها أمامنا.

هل لـ«البُعدا».. الذين صافحونا باعتبارهم عرباً، أو قاسمونا الأرض باعتبارهم مصريين، حتى لو أسقطت عنهم جرائمهم الجنسية؟ هؤلاء المصدومون المشككون فى كل نصر مصرى، جاءهم الرئيس ليزيد حسرتهم: «أنا هنا بين ناسى وأهلى.. نعيش بكرامتنا، نملك قرارنا، نُغير مصيرنا».

سيدى الرئيس..

لا أنتظر إجابة لأسئلتى، لقد قرأت الرسائل كلها، وأكثر منها مختبئ بين السطور، لا يحتاج إلى حبر خاص لفك شفرته، يحتاج إلى وعى حقيقى لمعرفة قيمة أن تكون «مصرى»، لكن ثمة رسالة عفوية، خرجت فى تعليقات المصريين والأجانب أيضاً على فيديوهات جولة خان الخليلى والحسين، وهى الأغنيات الوطنية والعاطفية وحتى الشعبية التى وضعت خلفية للفيديو.. كلٌّ استدعى ثقافته وذوقه الخاص فى التعبير عن فرحته بالمشهد، بداية من «حلوة يا بلدى وماتخافوش على مصر»، وصولاً إلى «عينى على الكاريزما، عينى على الثبات».. وأعتقد أيضاً -رغم كونها مجرد أغنيات- أنها رسائل جديدة واضحة.. للجميع.


مواضيع متعلقة