كيف يواجه الفقراء في العالم تحديات التنمية بدون «المعونة الأمريكية»؟

كيف يواجه الفقراء في العالم تحديات التنمية بدون «المعونة الأمريكية»؟
فى خطوة مفاجئة، أثارت كثيراً من الجدل فى أنحاء العالم، أصدر الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً بإلغاء نحو 90% من العقود التى وقعتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع عدد من الحكومات والمؤسسات، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، وكان من نتيجة ذلك تسريح عدد كبير من موظفى الوكالة، وطال ذلك الأمر التنفيذى مختبر الوكالة فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذى تلقى عدداً من الرسائل، تفيد بوقف التمويل المخصص للمختبر، بدعوى أن ذلك الأمر، الذى جاء فى وقت «شديد الحساسية»، من أجل «راحة ومصلحة الحكومة الأمريكية».
الطريقة المفاجئة التى جرى بها إنهاء جزء كبير من عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فريدة من نوعها، ما أثار ردة فعل عالمية، إذ أعلن رئيس الوزراء البريطانى، كير ستارمر، أن المملكة المتحدة بصدد خفض المساعدات الخارجية إلى 0.3% من الناتج المحلى الإجمالى، لتغطية جزء من الزيادة فى الإنفاق الدفاعى، وكذلك فى فرنسا، انخفضت المساعدات الخارجية بأكثر من مليارى يورو، فى ميزانية الشهر الماضى، أما المؤسسات الخاصة، والأفراد من أصحاب الثروات الطائلة، على حد سواء، فقد التزموا الصمت بشكل غريب، بشأن سبل سد هذه الفجوة فى تمويل المشروعات التنموية فى الدول الفقيرة.
بريطانيا وفرنسا تعلنان تقليص المساعدات الخارجية
وجاء فى تقرير نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» أنه يجب على الأفراد ذوى الثروات الطائلة، والمؤسسات أيضاً، السعى لإيجاد أرضية مشتركة مع الحكومات، من خلال الإشارة إلى المجالات التى يمكن أن تخدم فيها المساعدات التنموية، ومصلحة الجهة المانحة، وأكدت الصحيفة أنه يجب أن يدرك العالم الآن أن «حياة البشر مهمة»، بغض النظر عن مكان وجودهم، مشيرةً إلى أنه بعد العديد من الكوارث الطبيعية، التى شهدها العالم فى أوقات سابقة، منها زلزال هايتى فى عام 2010، على سبيل المثال، تدفقت الأموال على المنظمات الإنسانية، جاءت غالبيتها من الأفراد، بما فى ذلك الأمريكيون من جميع الأطياف، وهو ما يؤكد على أهمية القيم الإنسانية، وأنه عندما يكون من الممكن مساعدة الآخرين، يجب أن يكون الناس على استعداد للمساهمة.
كما أشارت الصحيفة إلى أن كثيراً من الأمريكيين، وغالبية شعوب الدول الفقيرة، يعتقدون أن المعونات التى تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تشكل جزءاً من ميزانية الولايات المتحدة أكبر مما هى عليه فى الواقع، حيث تظهر استطلاعات الرأى أن الأمريكيين يعتقدون أن المساعدات الخارجية تشكل 25% من الميزانية الفيدرالية، فى حين أنها أقرب إلى 1%، إضافة إلى أنها «مهدرة وغير فعالة»، بحسب التقرير.
ووفق «فاينانشيال تايمز»، فإن هناك تضارباً فى وجهات نظر الأمريكيين بشأن أهداف المعونات التى تقدمها الولايات المتحدة إلى دول أخرى، وأشار عدد كبير ممن شملهم الاستطلاع إلى أن تلك الأهداف تحتاج إلى إعادة تقييم، خاصةً أن الأهداف المعلنة تتضمن تعزيز القوة الناعمة للولايات المتحدة، ومساعدة الهيئات والشركات المانحة، وإنقاذ الأرواح، وتعزيز التنمية طويلة الأجل فى آن واحد، فى حين أن الهدف يجب أن يكون الاستثمار فى المشروعات التى سيكون لها أكبر الأثر على نوعية حياة الفقراء فى جميع أنحاء العالم، وينطبق ذلك على إنقاذ الأرواح، أثناء الكوارث البيئية، وكذلك تمويل المنافع العامة العالمية، مثل التطعيمات، أو مكافحة الأوبئة.
وشارك مايكل كريمر، الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد لعام 2019، فى إنشاء مجموعة صغيرة ضمن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كانت تطبق المبادئ السابقة الخاصة بالاستثمار فى أموال المعونات، وعمل «صندوق مشروعات الابتكار التنموى» على تطبيق «عقلية» رأس المال الاستثمارى، للمساعدة فى التمويل، من خلال توفير التمويل المرحلى للمبتكرين، لتجربة المنتجات الاجتماعية الفعالة، أو اختبارها، أو المساعدة فى توسيع نطاقها، وقدر «كريمر» أن معدل العائد الاجتماعى لمحفظة الصندوق فى عامه الأول بلغ نسبة كبيرة تصل إلى 17 ضعفاً، وهو ما يكفى لإثارة غيرة المستثمرين فى «وادى السيليكون».
واختتمت «فاينانشيال تايمز» تقريرها بالقول إن التنسيق مع الجهات الدولية المختصة يساعد فى التأكد من أن أكبر الشركات متعددة الجنسيات، وأغنى الأفراد، يدفعون حصتهم من الضرائب، ما من شأنه توفير ما يكفى من الإيرادات لتحل محل أموال «المعونة الأمريكية»، وأشارت إلى أن أكثر من 140 دولة وقعت على الحد الأدنى العالمى لضريبة الشركات، فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، وفى العام الماضى، اتفقت مجموعة العشرين على فرض ضرائب جماعية على فاحشى الثراء، فيما أظهرت تقديرات أنه إذا دفع المليارديرات ما لا يقل عن 2% من ثرواتهم كضريبة سنوياً، فقد يصل المبلغ فى النهاية إلى نحو 250 مليار دولار سنوياً، وبالتالى فإن وجود الولايات المتحدة كلاعب رئيسى فى تمويل التنمية، لن يكون ضرورياً، وبينما امتنعت الولايات المتحدة عن المشاركة فى اجتماع مجموعة العشرين، فى شهر فبراير الماضى، فقد استغل رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، ذلك الاجتماع فرصة لتأكيد الحاجة إلى تعددية الأطراف، وتجديد الجهود التى تركز على الدول الأكثر فقراً، وضرورة انضمام بقية دول العالم إلى هذا الالتزام.