خبراء: التدخلات الإقليمية تشعل الصراع العسكري بين الأطراف في السودان

خبراء: التدخلات الإقليمية تشعل الصراع العسكري بين الأطراف في السودان
أكد خبراء سياسيون أن الوضع فى السودان يشهد تحولات ميدانية متسارعة مع استمرار القتال بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وسط تعقيدات إقليمية ودولية تؤثر على مسار النزاع، وفى الوقت الذى يحرز الجيش فيه تقدماً فى عدة مناطق، تشكل دارفور تحدياً خاصاً بسبب استمرار سيطرة قوات الدعم السريع على معظم ولاياتها، والصراع بات يُدار كـ«حرب وكالة»، حيث تسهم التدخلات الخارجية فى إطالة أمد الأزمة، ما يجعل الحلول السياسية والعسكرية أكثر تعقيداً.
خبراء: التدخلات الإقليمية تشعل الصراع العسكري بين الأطراف
وقال صلاح غريبة، المحلل السياسى السودانى، إن الأوضاع العسكرية فى السودان تشهد تحولات كبيرة، مع استمرار الجيش السودانى فى تحقيق تقدم ملحوظ، لا سيما فى الخرطوم وولاية الجزيرة، بينما لا تزال الأوضاع معقدة فى دارفور، حيث تحتفظ قوات الدعم السريع بوجودها فى أربع ولايات من أصل خمس.
وأضاف «غريبة» أن أبرز التطورات الأخيرة شملت تحرير القصر الرئاسى، وهو إنجاز ضخم، والجيش بات يسيطر على العديد من المؤسسات الحكومية والوزارات السيادية، مثل وزارة الداخلية، وهو ما يعتبر خطوة حاسمة فى استعادة الدولة لسلطتها على العاصمة، مشيراً إلى أن بعض المواقع لا تزال خارج السيطرة، ومنها قاعة الصداقة، التى تتخذها قوات الدعم السريع مركزاً لها.
ونوه بخطورة استخدام الطائرات المسيّرة من جانب قوات الدعم السريع، حيث نفذت إحدى هذه الطائرات هجوماً استهدف مجموعة من الإعلاميين، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مذيعين واثنين من الضباط الإعلاميين، وهو ما يعكس استمرار التهديدات رغم التقدم الميدانى للجيش.
وأوضح أن الجيش يواصل تقدمه نحو مواقع استراتيجية، مثل منطقة المطار، بينما تظل بعض المناطق جنوب الخرطوم، لا سيما المتاخمة لجبل أولياء، تشكل تحدياً بسبب التضاريس المفتوحة التى تعيق العمليات العسكرية، إلا أن وسط الخرطوم، بما فى ذلك السوق الرئيسية والمواقف العامة والوزارات الحيوية وجامعة الخرطوم، بات بالكامل تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية.
وأشار إلى أن إنهاء الحرب بشكل كامل لا يزال أمراً معقداً، وبعض عناصر الدعم السريع تخلوا عن زيهم العسكرى واندسوا بين المدنيين، ما يجعل من الصعب تحديد موعد دقيق لإنهاء الصراع، وبالتالى أى حديث عن انتهاء وشيك للحرب، سواء عبر الهزيمة العسكرية أو الاستسلام، لا يعكس الواقع الفعلى على الأرض، فحتى لو انتهت العمليات القتالية الرئيسية، فإن استقرار الأوضاع سيستغرق بين 6 إلى 8 أشهر، مع توقعات بأن يكون عام 2026 هو بداية استعادة الأمن بشكل كامل فى المناطق المستقرة من السودان، باستثناء دارفور التى قد تحتاج إلى فترة أطول نظراً لتعقيد المشهد هناك.
وأكد أن دارفور تواجه تحديات خاصة، لأنها على مدى عقود بؤرة صراعات مسلحة، فضلاً عن التدخلات الخارجية التى تغذى الصراع، بما فى ذلك تدفق الأسلحة والمرتزقة عبر الحدود المفتوحة، لا سيما من جنوب السودان وتشاد، حيث يسهل التداخل القبلى انتقال المقاتلين والإمدادات العسكرية.
وتابع: بعض الدول الإقليمية تلعب أدواراً غير مباشرة فى النزاع، فبينما تعلن دول حيادها، فإن بعض القبائل ذات الامتداد فى السودان قد تكون متورطة فى الصراع، أما جنوب السودان، فيظل عاملاً مؤثراً، نظراً لوجود قناصة سابقين قاتلوا فى صفوف الجيش السودانى قبل انفصال الجنوب، ما يجعل بعض العناصر فى جنوب السودان تمتلك خبرة عسكرية قد تؤثر على مسار الحرب، وبعض المقاتلين غير السودانيين قد يكون لهم دور فى النزاع، مستشهداً بما حدث فى سوريا، حيث تدخلت قوى متعددة فى الحرب، رغم أن النزاع كان فى الأساس محلياً.
وشدد «غريبة» على أن تحقيق السلام والاستقرار فى السودان يتطلب أكثر من مجرد الانتصار العسكرى، إذ إن التحدى الحقيقى يتمثل فى كيفية إعادة دمج المجتمع وإعادة بناء الدولة، موضحاً أن بعض المواطنين قد يستغلون الوضع لتصفية حسابات شخصية، ما قد يعقد جهود المصالحة الوطنية، وأن الحل يكمن فى عملية انتقالية مدروسة، تشمل حواراً وطنياً شاملاً يضمن مشاركة جميع الأطراف الفاعلة، وصولاً إلى انتخابات حرة تعكس إرادة الشعب السودانى، ويجب أن يكون هناك دور إقليمى ودولى لدعم استقرار السودان، سواء عبر الاتحاد الأفريقى أو جامعة الدول العربية، لمنع أى تدخلات خارجية قد تعيق جهود السلام.
«البرديسي»: بعض الأطراف تسعى لإطالة أمد الصراع لتحقيق مصالحها
وأكد طارق البرديسى، الخبير فى العلاقات الدولية، أن الوضع فى السودان ما زال متأزماً بسبب التدخلات الإقليمية، التى تسعى إلى إطالة أمد الصراع بدلاً من إيجاد حلول جذرية للأزمة.
وأوضح «البرديسى» أن الوضع فى السودان شهد تغيرات مؤخراً، خصوصاً بعد تحركات الجيش السودانى وسيطرته على عدد من المواقع الاستراتيجية، بما فى ذلك بعض القصور، ما أثر على مجريات النزاع، وهذه التطورات تطرح تساؤلات حول مستقبل السودان وإمكانية سيطرة الجيش على كامل البلاد.
وأضاف أن الحرب الدائرة «حرب وكالة»، حيث تلعب قوى إقليمية دوراً رئيسياً فى إدارة الأزمة، وهناك رغبة فى استمرار النزاع وليس حله، وبعض الأطراف تسعى إلى إطالة أمد الصراع لتحقيق مصالحها الخاصة، مؤكداً أنه رغم التقدم الذى أحرزه الجيش السودانى فى بعض المناطق، فإن الدعم المستمر الذى تتلقاه قوات الدعم السريع أسهم فى استمرار القتال وعدم حسم الصراع حتى الآن، رغم أنه فى الفترة الأخيرة كان هناك توجه نحو الحسم العسكرى، حيث اتخذ الجيش خطوات أكثر صرامة، لكن التدخلات الخارجية حالت دون إنهاء النزاع سريعاً.
وأشار إلى أن استمرار تدفق الدعم إلى قوات الدعم السريع يعنى أن الصراع فى السودان سيظل مفتوحاً لفترة أطول، والوضع يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لإنهاء الأزمة بدلاً من إدارتها فقط.