أول مرة أصوم.. ياسر ثابت: صُمت فى السابعة واستمتعت بالفوازير والدورات الرمضانية والمسحراتى.. حتى مطلع الفجر

أول مرة أصوم.. ياسر ثابت: صُمت فى السابعة واستمتعت بالفوازير والدورات الرمضانية والمسحراتى.. حتى مطلع الفجر

أول مرة أصوم.. ياسر ثابت: صُمت فى السابعة واستمتعت بالفوازير والدورات الرمضانية والمسحراتى.. حتى مطلع الفجر

بدأتُ الصوم فى سن مبكرة، وربما كان الصوم متدرجاً حتى أتحمل مشقة الصيام، لكن إرادة إكمال صيام اليوم حتى أذان المغرب، جعلتْ الأمر ممكناً فى سن السابعة أو الثامنة.

فى زمنٍ مضى، وربما إلى اليوم، تمثّلَ رمضان فى المساجد التى لا تنام، والفوانيس التى لا تنطفئ، والشوارع التى لا تهدأ، والطوابير التى لا تنتهى.

ارتبط رمضان عندى بالتواشيح الدينية، والمسلسلات التليفزيونية، والفوازير الاستعراضية، والدورات الكروية، والمكسرات والياميش، وعصائر عرق السوس والتمر هندى والخروب، وأحياناً المخللات والمقبلات، والسهرات مع الأهل أو الرفاق حتى ساعات الصباح الأولى.

لم يكن ممكناً للسائر فى أحياء مدينة القاهرة خلال شهر رمضان زمان -والآن- إغفال تلك الروائح المؤكِّدة على نفسها، التى تسطو على حياد الهواء؛ روائح الطعام التى تتسلل من البيوت، والقطائف والكنافة التى تبيعها المطاعم، والتوابل والمخللات التى تتحداك أينما ذهبت، والعصائر والمشروبات التى تُرطِّب جوف الصائم حين ينطلق مدفع الإفطار.

مجموعة من العادات والتقاليد التى طبعت مصر، وخاصة العاصمة القاهرة، خلال شهر الصوم والعبادة، القاهرة، الساهرة، الساحرة، الساخرة، لها مذاق ثانٍ فى رمضان؛ فهى تعشق وضع بصمتها على كل تفصيلة، سواء أكان ذلك بالسلب أو الإيجاب.

تحافظ القاهرة على قرآن المغرب بصوت الشيخ محمد رفعت، والأذان بصوت مصطفى إسماعيل، والتواشيح الفاتنة بصوت النقشبندى، ولكن بصورة أخف، كمن يستعيد حنيناً قديماً، تخالطه تحولات تزيد من عجب هذه المدينة المزدحمة.

تضىء القاهرة في رمضان.. يحدث هذا بالمعنى الحرفى أيضاً؛ إذ تغمر شوارع المدينة العتيقة الأنوار والمصابيح والفوانيس بألوانها وأشكالها المختلفة ووهجها الأخّاذ، كما لو أن أهل المحروسة حكموا عليها بالسهر طوال الشهر الفضيل.

الاستعدادات لرمضان طقس شهير فى القاهرة التى لا تنام. تمتد الحبال والأسلاك بين الشرفات والبيوت وأعمدة الإنارة، لتربط بين قلوب أهلها من مسلمين وأقباط، فالفرحة بقدوم الشهر المبارك لها معناها فى قلوب المصريين.. كل المصريين.

قد تفرض أزمات انقطاع التيار الكهربائى قانونها الخاص الذى قد يعكر صفو هذا الطقس الرمضاني، إلا أننا كنا نتعايش مع مثل هذه الأزمات العابرة ونتضاحك ونتسلى بالوقت فى رضا.

نهار رمضان الذى يتثاءب ببطء، يقدم صورة هادئة للقاهرة التى تحتفل بصخب الأيام وتسخط من الزحام، والحَر، وتأخر مواعيد الحافلات العامة، وقد تجد نفسك تسأل أشخاصاً لا تعرفهم عن أحداث البارحة فى برنامج أو مسلسل رمضانى فاتتك متابعة إحدى حلقاته.

ومع اقتراب موعد أذان المغرب، تبدو القاهرة كأنها قد أفاقت من غشيتها، فيطل الناس من النوافذ والشرفات، بينما البعض منهمك فى صلاته وتسبيحه، وتتداخل أصوات برامج الإذاعة والتليفزيون وتتسرب إلى البيوت والمتاجر المتلاصقة.

تكشف القاهرة في رمضان عن قانونها الشرس، الذى يظهر قبل انطلاق مدفع الإفطار، فترى الناس يتصارعون على كل شىء، بداية من وسائل المواصلات حتى المقبلات والخبز، وإذا كانت مصر كسولة فى ساعات الصباح، فإنها قاسية في ساعات ما قبل مدفع الإفطار.

من أشهر صور التكافل الاجتماعى خلال الشهر الكريم دعوة الفقراء والمحتاجين وعابرى السبيل إلى تناول طعام الإفطار، وهو ما تطور لاحقاً ليصبح موائد الرحمن، التى يقيمها الميسورون لكل محتاج أو عابر سبيل؛ كى يفطر حين يحل موعد الإفطار ويؤذن لصلاة المغرب.

الدعوة هنا مفتوحة، والمناكب تتقارب فى الأماكن المفتوحة أو السرادقات، حيث يُقبل كثيرون، بعضهم بغير ترتيب، على موائد الرحمن لتناول طعام أهل الخير والصدقات.

اشتهرت أيضاً مهنة المسحّراتى، وكانت النساء تضع نقوداً معدنية داخل ورقة ملفوفة ويشعلن طرفها، ثم يلقين بها من المشربية إلى المسحراتى؛ حتى يرى موضعها فيُنشد لهن.


مواضيع متعلقة