رفعت رشاد يكتب: الدراما في رمضان

الدراما الرمضانية سحر الشاشة الذي يجمع العائلات بعد الإفطار، يأتي شهر رمضان كل عام محمّلًا بالنفحات الروحانية والأجواء العائلية التي تجتمع حول مائدة الإفطار، لكنه ليس شهرا للعبادة فحسب، بل أيضًا موسما ذهبيا للفن والدراما التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من طقوسه.

على مدى عقود، تحوّلت الدراما الرمضانية إلى تقليد سنوي يترقبه المشاهدون بشغف، تغزو الشاشات أعمال تحمل في طياتها قصصًا تلامس وجدان الجمهور وتنسج خيوط الذكريات بين الأجيال.
مع حلول المساء وانتهاء مائدة الإفطار، تتجه الأنظار نحو الشاشة الصغيرة . تبدأ حكايات الدراما التي أبدعت في خطف القلوب وإثارة العواطف. ومنذ عقود، أدرك صناع الفن أن رمضان الموسم الأكثر جذبًا للمشاهدين، فتكاثفت الجهود لصناعة أعمال تحمل طابعًا خاصًا، يجمع بين العمق الإنساني، والطرح الاجتماعي، والإثارة والتشويق، وأصبحت الدراما الرمضانية ساحة للإبداع والتجديد، ومختبرًا لتقديم أفكار جديدة وأسماء لامعة أضاءت سماء الفن العربي.

عبر التاريخ، قدمت الدراما الرمضانية أعمالًا أصبحت أيقونات فنية، لا تزال محفورة في ذاكرة المشاهد العربي، وبرزت مسلسلات خالدة مثل «ليالي الحلمية» الذي شكّل ملحمة درامية تحكي تحولات المجتمع المصري على مدى عقود، و«لن أعيش في جلباب أبي» الذي صار نموذجًا للنجاح والكفاح في قالب درامي اجتماعي مؤثر، في سوريا أيضا كان لمسلسلات مثل «باب الحارة» دور بارز في استقطاب المشاهدين، حيث قدم دراما البيئة الشامية بروح الأصالة والتاريخ.

من اللافت في الدراما الرمضانية أنها كانت دائمًا بوابة لصناعة النجوم، فهناك ممثلون بزغ نجمهم خلال هذا الموسم، ومنهم من تحولوا إلى أساطير فنية بسبب أدوارهم في هذه الأعمال. فعلى سبيل المثال، ارتبط اسم الفنان يحيى الفخراني بالدراما الرمضانية من خلال أعماله الرمضانية وأصبح نجمًا دائم الحضور على المائدة الدرامية الرمضانية.

وفي الدراما العربية السورية كان لجمال سليمان، وسلاف فواخرجي، وتيم حسن، حضور قوي في أعمال حفرت أسماءهم في وجدان المشاهدين، خصوصًا في المسلسلات التاريخية والاجتماعية التي تعرض خلال رمضان، وكذلك في الخليج، صنعت الدراما نجوماً مثل حياة الفهد وسعاد عبد الله، اللتين كان لهما تأثير لا يُمحى في وجدان المشاهد الخليجي والعربي عمومًا.

يعود نجاح الدراما الرمضانية إلى عدة عوامل، منها أن شهر رمضان يجمع العائلات بعد يوم طويل من الصيام، حيث يصبح التليفزيون نافذة للترفيه والتواصل الاجتماعي، كما أن الأعمال الرمضانية غالبًا ما تقدم محتوى يناسب الأجواء الروحانية والاجتماعية لهذا الشهر، فتتنوع بين الدراما الاجتماعية، والكوميديا العائلية، والتشويق التاريخي، مما يجعلها قادرة على جذب كافة الفئات العمرية.

كما تعتمد شركات الإنتاج ميزانيات ضخمة لجذب كبار النجوم، وهو ما يرفع من جودة العمل وإنتاجيته، ويجعل المنافسة الرمضانية أشبه بمهرجان فني ينتظره الجمهور سنويًا بلهفة، لم تكن الدراما الرمضانية مجرد أعمال تُعرض على الشاشة وتنتهي بانتهاء الشهر، بل أصبحت ذاكرة حية في وجدان المشاهدين، فما زلنا نردد مقولات شهيرة من مسلسلات قديمة، ونسترجع لحظات درامية أثرت فينا، وما زال لبعض الشخصيات مكان خاص في قلوب الجماهير، فكل رمضان يمرّ يحمل معه أعمالًا جديدة، لكنه يترك أيضًا بصمات لا تُمحى، تضيف إلى رصيد الدراما الرمضانية وتؤكد أنها ليست مجرد محتوى ترفيهي، بل حالة وجدانية تعيش معنا عامًا بعد عام.
ربما في المستقبل، تتغير الوسائل والمنصات، ويتحول المشاهد من الشاشة التقليدية إلى المنصات الرقمية، لكن ستظل الدراما الرمضانية في جوهرها ذلك السحر الذي يجمع القلوب، ويصنع الذكريات، ويؤكد أن الفن يمكنه أن يكون جسرًا بين الأجيال والمجتمعات، تمامًا كما كان دائمًا في ليالي رمضان العامرة بالحكايات.