«أصوات من الجبهة».. جنود «شارون» استولوا على مذكرات وخطابات للشهداء تحكي بطولاتهم

«أصوات من الجبهة».. جنود «شارون» استولوا على مذكرات وخطابات للشهداء تحكي بطولاتهم

«أصوات من الجبهة».. جنود «شارون» استولوا على مذكرات وخطابات للشهداء تحكي بطولاتهم

أكثر من نصف قرن مر على نصر حرب أكتوبر 1973، ولا تزال تلك الصفحة المجيدة من تاريخ مصر تحمل فى طياتها الكثير من المفاجآت التى تروى قصص بطولات لم تُروَ من قبل، فكلما انكشفت تلك البطولات، يظهر جانب اجتماعى يعيدنا إلى فترة من أهم فترات التاريخ المصرى، حيث تتجلّى الشجاعة والتضحية فى أبهى صورها. فى خضم هذه الذكريات، برزت متعلقات أبطال أكتوبر كأدوات تكشف لنا الأسرار والكواليس التى كانت محاطة ببعض التساؤلات وأحياناً الغموض، وتبقى «أوراق ثغرة الدفرسوار» هى الأكثر إثارة بين تلك المتعلقات، حيث استغل الإسرائيليون وجودهم فى منطقة كانت مكتظة بالجنود المصريين، مما أتاح لهم الفرصة للحصول على متعلقات وأوراق ومذكرات شهداء الحرب.

هنا نجد أنفسنا أمام كنز من الذكريات، إذ احتفظ بعض هؤلاء الجنود بتلك الأوراق حتى وقتنا هذا، واليوم نفتح صندوق الذكريات لنكشف جانباً من تلك الأوراق التى حصلنا عليها من الجانب الآخر، فى محاولة لفهم ما حدث بعد أكثر من نصف القرن على الحرب.. إنها رحلة عبر الزمن، نغوص خلالها فى أعماق الشجاعة والفخر، لنستعيد لحظات من المجد لا تُنسى.

كان عبور قناة السويس حلماً يراود جميع عناصر الجيش المصرى، كما كان يراود الشعب بكامل أطيافه طوال سنوات الاستنزاف، لقد انتظر الجميع تلك اللحظة التاريخية لاسترداد أراضى سيناء المسلوبة، وكانت الأيام تمر مثقلة بالأمل والقلق.

وبينما كانت المعارك تدور، كان بعض الجنود على الخطوط الأمامية يكتبون يومياتهم، يوثّقون تلك السنوات العصيبة عن غير قصد، كانت تلك الكتابات بمثابة حديث صادق من عمق القلب، تعكس مشاعرهم وآمالهم، بينما احتفظوا أيضاً بخطابات عائلية، لتكون شاهداً آخر على تفاصيل تلك الفترة المليئة بالتحديات.

حصلت «الوطن» على عدد كبير من تلك الخطابات التى فقدها جنود مصريون فى منطقة الدفرسوار، المنطقة الوحيدة التى شهدت تقدّماً لقوات إسرائيلية أثناء حرب أكتوبر، وقد أخذها الجنود الإسرائيليون الذين خدموا فى صفوف آرئيل شارون الذى قاد الفرقة 143 فى جيش الاحتلال الإسرائيلى، ليحتفظوا بها لعقود بعد الحرب.

ماذا حدث فى الدفرسوار؟

بعد تقدم مصرى أذهل العالم، تسبّب عدم تطوير الهجوم فى مسارعة إسرائيل لتنفيذ خطة «شوفاح يونيم»، التى تُترجم إلى «برج الحمام»، وتُعرف هذه الخطة أيضاً باسم «الغزالة»، وقد تم تكليف ثلاث مجموعات عسكرية من الجيش الإسرائيلى بتنفيذها.

تحت قيادة آرئيل شارون، والجنرال بارليف، ممثل رئاسة الأركان، تشكلت مجموعة «شارون» المدرعة من لواءى مدرعات ولواء مظلات، بينما تكونت مجموعة «إبراهام أدان» من لواءى مدرعات، أما المجموعة الثالثة بقيادة «كلمان ماجن» فتكوّنت من لواءى مدرعات ولواء ميكانيكى.

عندما بدأ الإسرائيليون فى تنفيذ خطتهم للعبور إلى غرب القناة، وانتشرت القوات المُكلفة بتنفيذ الثغرة فى أماكن وجود القوات المصرية، نتيجة لذلك، حصل الكثير من الجنود الإسرائيليين على أوراق الجنود المصريين، حيث احتفظ البعض بها، وسلمها آخرون إلى أجهزة بلاده، بينما تخلص بعضهم منها.

تلك اللحظات الحاسمة فى الدفرسوار لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت أيضاً ساحة لتبادل الذكريات والشهادات، حيث أصبحت تلك الأوراق تجسّد قصة إنسانية بين الجانبين.

عوديد يارون ويوميات بسطويسى

إسرائيل هدفت إلى استخدام الأوراق في الحرب النفسية

بينما كان جندى الاحتياط الإسرائيلى، عوديد يارون، الذى تم استدعاؤه بعد اندلاع الحرب، يخدم فى صفوف القوات التى كُلفت بتنفيذ الثغرة، نشبت معركة بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية فى يوم 15 أكتوبر 1973 فى الضفة الشرقية لقناة السويس، سُميت معركة «المزرعة الصينية».

وأثناء وجوده فى المنطقة التى شهدت الاشتباك، وقعت فى يده يوميات جندى مصرى كانت تحتوى على توثيق يومى لما حدث خلال الشهور الأخيرة، ولكنها احتوت أيضاً على أشعار ورسومات بالقلم الرصاص جعلته يحتفظ بها لمدة 45 عاماً.

«عوديد يارون» عثر على مذكرات شهيد مصري يدعى «سيد»

تلك المذكرات كانت لجندى يُدعى «سيد» من مدينة طنطا بمحافظة الغربية، ولكنه لم يعلم الكثير من التفاصيل عنه، ويدَّعى الجندى الإسرائيلى أنه حاول التوصل إليه أو إلى أى أحد من عائلته، إلا أنه واجه فشلاً فاحتفظ بها طوال هذه الفترة، حتى أعادتها «الوطن» فى تحقيق صحفى استمر لـ4 سنوات، نُشر نهاية عام 2017 بعد التوصل إلى عائلة الجندى الذى اتضح أن اسمه «سيد بسطويسى» واستشهد يوم 16 أكتوبر عام 1973 فى معركة المزرعة الصينية.

يارون مُجرد نموذج من الجنود الإسرائيليين الذين عملوا على الاحتفاظ بالأوراق، وخصوصاً خلال ثغرة الدفرسوار، ولذلك هناك الكثير من الأسرار التى من الممكن أن تحملها «أوراق الدفرسوار».

شقيق شهيد بعد استعادة مذكرات أخيه: الشهيد سجَّل حياته فى كشاكيل كيوميات

ويقول نبيل بسطويسى، شقيق الشهيد سيد بسطويسى، لـ«الوطن»، إن الشهيد سجَّل حياته فى كشاكيل كيوميات، واحتوت تلك اليوميات على قصص قصيرة وأشعار من تأليفه، ورسومات له بالقلم الرصاص والفحم، والجزء الذى وقع فى يد الجندى الإسرائيلى كان الكشكول الأخير قبل استشهاده، وكشف لنا أن هناك مكتبة كاملة احتفظت بها العائلة حتى وقتنا هذا لأنهم اعتبروها جزءاً من ابنهم «سيد»، معلقاً بعد استعادة المذكرات وهو يبكى: «جبتولى حتة من أخويا».

خطابات الدفرسوار

الإسرائيليون أخذوا متعلقات الجنود بهدف العثور على معلومات محتمَلة فيها ودراستها بشكل جيد لاستغلالها فى الدعاية

وفى مفاجأة جديدة، حصلت «الوطن» على عدد كبير من الخطابات التى جمعها جنود إسرائيليون أثناء تقدمهم فى ثغرة الدفرسوار، واخترنا أن نكشف عن عدد من الخطابات التى يبلغ عددها حوالى 20 خطاباً، شملت رسائل اطمئنان من الجنود لعائلاتهم التى عملت على تشجيعهم على الواجب الوطنى الذى يقومون به.

كان أكثر الخطابات لجندى يُدعى محمد عبدالحميد عبدربه زين الدين، الذى انضم إلى الجيش بعد حصوله على مؤهل جامعى. وبالإضافة إلى الخطابات، تم العثور على عدد كبير من رخص القيادة وبطاقات الهوية الشخصية، إلى جانب الأوراق الخاصة بالوحدات، مثل التعليمات الدورية للجنود. وتنشر «الوطن» عدداً من خطابات عبدربه وزملائه من الجنود، لتسليط الضوء على تلك اللحظات الإنسانية التى تعكس مشاعرهم وأفكارهم خلال فترة الحرب.

خطابات جندى مؤهلات «محمد عبدربه».. سلامات وفراق وأشواق

خبير فى الشئون الإسرائيلية: الخطابات تحمل أهمية معنوية لعائلات الجنود والضباط المصريين.. وأخذها الإسرائيليون لأسباب كثيرة

فى خضمّ أهوال الحرب وضغوطها، يظل الأمل والتواصل الإنسانى شعلة تضىء دروب العتمة، هذا ما يتجلى فى الخطابات المرسلة إلى الجندى محمد عبدالحميد عبدربه من صديقه محمد صابر محمود الزيات، حيث تتناغم الكلمات مع مشاعر الفراق والحنين، لتعكس عمق الروابط الإنسانية التى لا يمكن أن تنكسر حتى فى أحلك الظروف، وفى هذا الخطاب يفتح الجندى قلبه، مُعبراً عن أشواقه لصديقه الذى يعتبره أخاه، ويشيد بقيم الإخلاص والصداقة التى تربطهما.

تتجلى فى الكلمات صورة أخوية دافئة، حيث يصف عبدربه مشاعر السعادة والحنان التى تتأجّج عند ذكر اسم صديقه، ويُظهر الخطاب كيف أن الفراق، رغم وجعه، يزرع فى النفوس قوة الصبر والأمل فى اللقاء.

وبين سطور هذا الخطاب نجد دعوة للتواصل، وتأكيداً أن الروابط الحقيقية لا تُقاس بالمسافات، بل تُقاس بمدى عمق المشاعر وصدق النوايا، فكل كلمة هنا تحمل عبق الذكريات والأمانى، وتُجسد روح الأخوة التى تبقى حاضرة حتى فى غياب الجسد.

▪ ▪ ▪

بسم الله الرحمن الرحيم.. وبه نستعين

أخى العزيز/ محمد عبدالحميد عبدربه.. بعد مزيد من الأشواق والتحيات

وبعد...

أعرِّفك يا أخى العزيز أننى بخير وبصحة جيدة والحمد لله ولا ينقصنى سوى مشاهدة رؤياك الكريمة التى كلما تذكرتها تلمع أمامى عيون لامعة.. لامعة السعادة.. لامعة المحبة.. لامعة الود والعطف والحنان..

أخى العزيز، إننى يؤلمنى هذا الفراق الذى فرّق بين أخوين حبيبين مخلصين عاشا فى إخلاص ومحبة، وإننى أرى فى أخى العزيز المودة والإخلاص والشجاعة والأصل، وإننى لن أنساك مدى الحياة كأعز أخ، وإن شاء الله فى أى فرصة قريبة سوف أقوم بزيارتك، ليس بالوحدة، وإنما فى البلد. وإذا كنت تريد ذلك فأرسل لى متى ستكون موجوداً فى البيت فى إجازة وأين نتقابل وخط السير فى أى وقت يعجبك، أنا ممكن أنزل فى أى وقت يعجبنى إجازة مأمورية أى حاجة، وإذا كان ممكن تحضر عندنا سيادتك الأول فمن الممكن تقول لى على أى وقت، وإننى أحب المودة وأحب الصديق المخلص والوفى، وإننى أرى فيك كل الصفات الجميلة، والحسنة، فنعم الأخوة ونعم الصداقة ونعم الإخلاص، رجائى يا أخى أن تظل هذه المودة وهذا الإخلاص. وأعرّفك أننى لن أبخل عليك بشىء، وأننى أرسلت لك عشرات وعشرات الخطابات، وأعرِّفك أننى بخير والحمد لله، ولا ينقصنى سوى مشاهدة رؤياك، لو أعرف إنك بتبقى إجازتك متى كنت نزلت وقابلتك، ولكن لم أعرف شيئاً، وليس هذا كلام، وأنت تعرف ذلك، إننى كنت لا أصادق أو أتعاون مع أحد أو أتناول الأكل إلا مع أعز صديقين، وهما الصديقان المخلصان الأخ محمد عبدربه، والأخ محمد حسن سعد، ليس بعد ذلك أحد لأننى قد تجندت معهما من أول يوم فى التجنيد، فرأيت فيكما الرجولة والشجاعة وكل صفات حسنة تنسب إليكما.. أخى العزيز محمد عبدربه، أهدى سلامى إلى جميع الإخوة الزملاء، لهم منى ألف ألف سلام، وخصوصاً الأخ سامى محمد أحمد، نجاح محمد الحفنى، محمد موسى، أحمد رضا عصام، على معاطى فايز، إبراهيم عبدالسلام، لطفى، أنور مهران، أحمد عطية، مسعد توفيق، أحمد عبدالعال، وسلامى إلى الأخ محمد عبدالحميد محمد له منى ألف ألف سلام، وسلامى إلى جميع الصف ضباط، ألف ألف سلام، وإلى جميع الزملاء كل واحد باسمه لعدم الخطأ والنسيان.

بعض الجنود الإسرائيليين أرادوا الاحتفاظ بأى تذكار من العدو خلال المعارك ومتعلقات شخصية مثل تلك الأوراق والمراسلات

أخى العزيز محمد، من جهة الفلوس، الواحد أو الرجل مش بالفلوس، الرجل بأصله فقط، سيبك من موضوع الفلوس، أنا مش محتاج ولا مليم، إذا كانوا عايزين فلوس كمان ممكن أرسل لهم حوالة بفلوس، الفلوس كثيرة والحمد لله، وربنا ساترها، وأى واحد عايز أى خدمة أنا تحت أمركم، أى طلبات أو فلوس أى حاجة أى شىء، وسيبك من الموضوع ده، أكرر وأقول لك الراجل راجل من غير فلوس، وأنا مش عايز واحد يكون متضايق منى وعرّفهم إن الـ50 قرش دى أنا بصرفها فى يوم أو اثنين، وأى خدمة، واشكرهم جداً جداً، ويمكن محتاجين فلوس، فمفيش داعى إنك تقول عليهم تانى، ولهم منى ألف ألف سلام، وأنا لم أعطهم شيئاً كما يقولون، وشكراً.

وتفضلوا سيادتكم بقبول وافر التحية والاحترام..

وإلى أن نلتقى.. أتمنى لك أسعد الأوقات..

أخوك المخلص

جندى مؤهلات/ محمد صابر محمود الزيات

الوحدة 8145 ص 27

ملحوظة: الرجاء المراسلة للاطمئنان، وشكراً

وصلنى خطابكم الذى أرسلمتوه من البيت يوم 4/4/1971

روابط ثمينة فى زمن الحرب

فى زخم الأحداث المتسارعة التى تعيشها الجبهات، يبقى التواصل الإنسانى هو القاسم المشترك الذى يربط بين القلوب، مهما بعدت المسافات، ويبرز خطاب عبدالكريم محمود إبراهيم إلى صديقه محمد عبدالحميد عبدربه كأحد تلك الروابط الثمينة التى تعكس عمق الصداقة والأخوة فى زمن الحرب، ومن خلال كلماته، يتجلى الشوق والاحترام، حيث يعبّر الكاتب عن مشاعره النبيلة تجاه صديقه، مُتمنياً له الصحة والسعادة.

يبدأ الخطاب بتحية مليئة بالحب، مُذكّراً بمناسبة شهر الصيام، مما يضيف لمسة إنسانية وروحية تعزز من قيمة اللحظات التى يجتازها الجنود، كما تطرق كاتب الخطاب إلى الظروف الصعبة التى حالت دون تواصلهم، مما يُظهر كيف أن الحرب لا تؤثر فقط على الجسد، بل تترك أثرها على الروح أيضاً.

فى سطور هذا الخطاب، تعبير صادق عن الامتنان والتقدير، حيث يُشيد الكاتب بأخلاق صديقه وشخصيته النبيلة، كما تتجلى فى الكلمات مشاعر الأخوة الحقيقية، التى تظل متقدة رغم التحديات، وتؤكد أن العلاقات الإنسانية هى ما تبقّى من زخم الحياة، مهما كان السياق.

▪ ▪ ▪

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد المحترم الأخ العزيز/ محمد عبدالحميد عبدربه

تحية طيبة ملؤها الحب والسعادة

فإننى أهديك تحية قد أمضيت عليها عينى وشهدت عليها يداى.

بعد المزيد من التحية والاحترام لسيادتكم

أتمنى من الله العلى القدير أن تكون فى أتم الصحة والسعادة، كما نحن كذلك، وكما أتمناها لك على طول الدوام، ومدى السنين والأيام.. وبعد،،،

أخى العزيز أبوحميد، أولاً كل عام وسيادتكم بخير بمناسبة شهر الصيام، وبالعيد السعيد مقدماً.

ثانياً يا أخى، أنا آسف جداً جداً لعدم إرسال خطاباتى إليك نظراً لوعدنا الذى اتفقنا عليه، ولكن يا أخى هناك ظروف صعبة جداً هى التى منعتنى من ذلك وأرجو أن تقبل هذا وسوف تجد رسائلى باستمرار طرفك.

ثالثاً، أشكر سيادتكم من كل قلبى على ما قمتم به من واجب نحونا، وبكل صراحة يا أخى، إن الفترة التى عشناها معك كنت دائماً أرى فى سيادتكم أخلاقاً عالية وشخصية نبيلة، وبصراحة أنا مش قادر أعبر لك عن مدى شعورى نحوك، وما يكنه لك قلبى من كل حب وازدهار لسيادتكم، ولعلك تكون كويس فى هذه الأيام، وفى الختام مرة أخرى، أقدم لك عظيم شكرى يا أبوحميد، وطبعاً سلامى إلى جميع الزملاء طرفكم كل واحد باسمه، خوفاً من الغلط والنسيان، ولازم تبلغ سلامى هذا إليهم جميعاً وبالأخص الأخ توفيق والأخ السيد تهامى، والأخ عبدالله عصام، والأخ سعيد المكوجى، وأخيراً تقبل تحياتى..

أخوك

عريف/ عبدالكريم محمود إبراهيم

بالوحدة صـ9687 صـ28

9/11/1971

زين الدين والواجب الوطنى

فى خضم الصراعات والتحديات التى يواجهها الجنود فى ميادين الحرب، تظل رسائل العائلة هى النور الذى يضىء دروبهم، مُذكرة إياهم بالحب والوفاء الذى يربطهم بأرضهم وأحبائهم، ويأتى خطاب عفيفى عبدربه زين الدين إلى نجل أخيه محمد عبدالحميد زين الدين، كعناق دافئ من الوطن، يفيض بالمشاعر الصادقة والتمنيات الطيبة.

تبدأ الرسالة بتحية مليئة بالحب، حيث يعبر الكاتب عن أمله فى صحة وسعادة ابنه، مما يُظهر عمق الروابط الأسرية التى تتجاوز المسافات، ويُشدد الخطاب على أهمية الواجب الوطنى، مُعبراً عن الفخر الذى يشعر به الأهل تجاه جنودهم، ويُعزز من روح الانتماء والتضحية.

كما يتضمن الخطاب تحيات دافئة من أفراد العائلة، مما يُضفى لمسة إنسانية تعكس مدى الترابط والمحبة بينهم، وفى هذه الكلمات، نجد دعوة للأمل والتفاؤل، حيث يتمنى الكاتب النصر القريب، ويُعبر عن شوقه لرسالة من ابنه ليطمئن على سلامته، مما يجعل هذا الخطاب تجسيداً لروح الأسرة التى تبقى قوية وصامدة، حتى فى أحلك الأوقات.

▪ ▪ ▪

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة السيد المحترم نجلنا العزيز محمد عبدالحميد زين الدين، مزيد من السلام عليكم وعلى عموم صحتكم الغالية التى أتمناها لكم على طول الدوام.

عزيزى، أهدى إليك سلاماً حاراً مملوءاً بالحب والوفاء، أنت وزملائك الأعزاء، وشد حيلك هذا واجب مقدس، يمر على كل مواطن مخلص لوطنه، ونتمنى من الله عز وجل النصر القريب إن شاء الله، وأخيراً وليس بآخر، سلامى إلى شخصك المحبوب، ألف مليون سلام، وكذا لجميع زملائك الأعزاء، كل أحد باسمه، أهديهم ألف تحية وأجمل سلام، ومن عندنا الجميع بخير، ويهدونك ألف سلام، وكذا حرمنا الست أم مجدى وكذا مجدى وكذا الآنسة وفاء وكريمة وصفاء يهدونك ألف سلام، وكذا محمد الشهابى، وأنجاله، وجميع من بالإسكندرية يهدونكم ألف مليون سلام، وإن شاء الله فى انتظار رسالة من سيادتكم لكى أطمئن.

سلام ختام

من طرف عمك

عفيفى عبدربه زين الدين

▪ ▪ ▪

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة السيد المحترم نجلنا محمد عبدالحميد زين الدين، وأما بعد، مزيد السلام عليكم على طول الدوام، عزيزى نحن بخير والحمد لله كما أهنئكم بالعام الجديد أعاده الله عليكم باليمن والبركات، كما نطلب من الله أن يعود علينا العام المقبل ونكون منتصرين إن شاء الله، وبلغ سلامى إلى جميع زملائك الأعزاء، كل واحد باسمه ألف مليون سلام، سلامى إلى شخصك المحبوب ألف تحية وأجمل سلام، ومن عندنا يهديكم السلام الست حرمنا أم مجدى، وكذا مجدى ووفاء وكريمة وصفاء، وكذا محمد الشهابى، والست حرمه ألف سلام، وكذا جميع من بالإسكندرية يهديكم ألف سلام، وإن شاء الله عند سفرك إلى والدك تفيدنى عن صحته هو والست والدتك وتسلم عليهم جميعاً، ودائماً تراسلنى لكى أطمئن، كما أعرفك كنت ناوى أسافر لوالدك قبل العيد ولكن مانعين الإجازات وأنت عارف ظروف الوقت، وإيه السبب فى عدم مراسلتك لى وعدم حضورك طرفى؟ هل حصل حاجة؟ وأخيراً دائماً المراسلة لكى أطمئن والسلام ختام.

من طرف عمك

عفيفى عبدربه زين الدين

5/1/1971

الملازم أول محمد عودة

مبروك التعيين يا بطل

فى زمن تتداخل فيه الأحداث والمشاعر، تظل رسائل الأهل بمثابة نبض الحياة الذى يُشعر الجنود بأنهم ليسوا وحدهم فى معركتهم، ويكتب حسن عودة إلى ابنه ملازم أول محمد حسن عودة، ليُعبر عن مشاعر الفخر والحنين، مُؤكداً أهمية الروابط الأسرية فى مواجهة التحديات.

تبدأ الرسالة بتعبير عن الأمل والبركة، حيث يُرسل الكاتب تحياته القلبية، مُتمنياً أن يكون ابنه وزملاؤه فى أحسن حال، ويتناول الخطاب أخباراً سارة بطلب مسوغات التعيين للجندى الذى يدافع عن بلاده على الحدود.

كما يُشارك كاتب الخطاب، وهو الوالد، أخبار العائلة، مُعبراً عن الفخر بنجاح الأخ وأخبار السفر، مما ينعكس على روح الألفة والمحبة التى تسود بين أفراد الأسرة، وتُظهر هذه الرسالة كيف أن الأمل والتواصل هما ما يُبقى العائلة متماسكة، حتى فى أصعب الأوقات، مُؤكدةً أن الحب والدعم هما الأساس الذى يُعزز من قوة الروابط الأسرية.

▪ ▪ ▪

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسكندرية 20/9/1973

السيد المحترم نجلى العزيز ملازم أول محمد حسن عودة.. أدام الله بقاءك

أحييك تحية طيبة مباركة، وأهديك أزكى السلام، وأتمنى أن تكون وجميع الزملاء بخير وعلى خير إن شاء الله.

عزيزى، وصلنا اليوم خطاب من الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، المراقبة العامة لشئون الإدارة (مراقبة شئون العاملين).

رقم الخطاب 6292 بتاريخ 17/9/1973 بإمضاء مراقب شئون العاملين.

المطلوب، رجاء الحضور إلى مقر الهيئة ناصية شارعى رمسيس ومعروف بالقاهرة، ومعكم مسوغات التعيين الآتية، وذلك خلال أسبوع من تاريخه.

1- شهادة التخرُّج

2- الصحيفة الجنائية

3- شهادة الميلاد

4- إقرار الذمة المالية

5- شهادة المعاملة العسكرية

6- بيانات البطاقة الشخصية

7- شهادة السير والسلوك

8- ما يثبت الاشتراك فى نقابة المهن الزراعية

9- شهادة الجنسية

10- استمارة 103 ع.ح

11- شهادة القيد بمكتب العمل

12- استمارة 27 ع. ح

13- 4 صور شخصية 4 * 6

14- استمارة 6 تأمين ومعاشات

15- طلب استخدام 167 ع. ح

وفى حالة تجنيدكم نرجو تقديم ما يثبت ذلك

مع وافر التحية

مراقب شئون العاملين

توقيع

17/9/1973

الموضح خلفه صورة طبق الأصل من الخطاب المرسل إليكم وهو طرفنا.

نرجو أن يصلكم وأنتم فى أسعد حال عزيزى، أخوك نجح فى الدور الثانى، وشقيقتك، وأعرفك بأن مصطفى أنور سافر إلى ليبيا يوم الاثنين 17/9/1973، ووصلنا خطاب من الأستاذ عبدالغنى معوض يفيد بأنه سيغادر إلى ليبيا يوم 26/9/1973، وأملنا الإفادة بخطاب عن وصول خطابنا هذا إليكم للاطمئنان، جميع إخواتك والوالدة بخير ويهدونكم أزكى سلام.

والدك حسن عودة

20/9/1973

البطل جمعة فريد جمعة

وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ

«وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ».. كانت الآية الكريمة التى ختم بها محمد فريد جمعة خطابه إلى أخيه الجندى البطل جمعة فريد جمعة، الذى عبر له عن افتقاده الكبير، واشتياقه للقاء، بالإضافة إلى رسالة الدعم التى تمثلت فى الآية التى كانت مصحوبة بدعاء النصر.

▪ ▪ ▪

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى أعز الأخوات/ جمعة فريد جمعة

بعد التحية

سلام لك من كل قلبى، سلام لو وصل إلى السماء لكان قمراً منيراً، ولو هبط إلى الأرض لكان شجرة فروعها المحبة، وجذورها الإخلاص، أما من ناحيتنا، فنحن جميعنا بخير ولا ينقصنا سوى مشاهدة رؤياك الغالية التى هى منانا من الله عز وجل، وإن كثرة الكلام ليس هو التعبير عن الوفاء والحب لشخصك الواضح بصورته البهية لكل إنسان يريد أن يراك.

الست الوالدة تهديك سلامها وتقول أعادك الله لها سالماً إن شاء الله، الأخ محمد يهديك السلام من صميم القلب، الأخوات حبيبة وشادية وزوجها محمد عبدالعزيز يهدونك السلام، ورحيمة وزوجها فتوح يهدونك السلام، وكل من بعثت لهم السلام يهدونك السلام.

وسعد وفريد أولاد محمد أخوك يهدون عمهم السلام ويريدون أن يروك.

كما أهديك أنا على فوزى السلام، سلام لكل ما فى السلام من محبة ووفاء ووئام، سلام لكل كتيبتك، نصركم الله تعالى، «وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ».. صدق الله تعالى.

من طرف أخيك محمد فريد جمعة

29/8/1972

عمرو زكريا: الأوراق جزء من الجنود والضباط المصريين.. ولها أهمية عسكرية لأنها شاهد حى على الأحداث التى وقعت وكيف كانت مشاعرهم

أهمية الأوراق

عمرو زكريا، الباحث المتخصص فى الشئون الإسرائيلية، يرى أن لهذه الأوراق أهمية معنوية لعائلات الجنود والضباط المصريين كى يعلموا كيف كانت أحوال أبنائهم أثناء الحرب وما مروا به وكيف كان شعورهم، مضيفاً أن هذه الأوراق تعتبر جزءاً من الجنود والضباط المصريين، ولها أيضاً أهمية عسكرية، فهى شاهد حى على الأحداث التى وقعت، وتصف ما مروا به أثناء القتال، وكيف كانت مشاعرهم وروحهم المعنوية، وهو ما يفيد الجهات العسكرية المسئولة فى تدريب الجنود والضباط لرفع روحهم المعنوية والقتالية أثناء العمليات، واستطرد «زكريا»: «إن إعادة هذه الأوراق إلى ذويهم الآن تعد بمثابة إعادة جزء من أبنائنا إلى أرض الوطن».

لماذا سرق الإسرائيليون الأوراق؟

أما عن سبب تعمد الجنود الإسرائيليين أخذ تلك الأوراق، فقال «زكريا» لـ«الوطن»، إن أى شىء ولو حتى كان صغيراً، له أهمية كبيرة أثناء العمليات العسكرية، فالإسرائيليون استحوذوا على هذه الأوراق بهدف العثور على معلومات محتملة فيها، سواء كانت معلومات عسكرية عن موقع تمركز القوات، أو معلومات شخصية، ليتعرفوا على حالة الجنود المعنوية أثناء المعركة، ودراستها دراسة جيدة، وكذلك لاستخدامها فى الدعاية الإعلامية كنوع من الحرب النفسية بأنهم دمروا مواقع عسكرية مصرية واستولوا على كل ما كان فيها.

وتابع: «تلك الأوراق، قد تحتوى على أى معلومات حول مواقع تمركز القوات المصرية وحجمها، وأخذوها أيضاً بهدف استخدامها كدليل على المزاعم الإسرائيلية بشأن انتصارهم فى الحرب، وأنهم استولوا على متعلقات الجنود المصريين، وذلك على عكس الواقع»، مشيراً إلى أن بعض الجنود كانوا يريدون الاحتفاظ بأى تذكار من العدو، سواء كان سلاحاً أو زياً عسكرياً، أو حتى متعلقات شخصية مثل تلك الأوراق والمراسلات.

فى الختام، نجد أن «متعلقات الدفرسوار» ليست مجرد أوراق قديمة أو خطابات مفقودة، بل هى شواهد حية على تضحيات أبطال خاضوا معارك الشرف والكرامة فى حرب أكتوبر 1973، فكل خطاب يروى قصة إنسانية تعكس مشاعر الفراق والأمل، وتعبر عن الروابط العائلية التى تبقى قوية رغم المسافات والصعوبات.

تتجلى فى هذه الخطابات صورة حية للجنود الذين كتبوا بأقلامهم آمالهم وأحلامهم، لتكون شاهدة على شجاعة لا تُنسى، فإن استعادة تلك الذكريات ليست مجرد محاولة لفهم الماضى، بل بمثابة دعوة للتأمل فى قيم الإخلاص والمحبة التى تجمع المصريين كأمة واحدة.

عبارات الشوق التى سطرتها الأيادى التى حملت السلاح تحت ضغط المعركة، تذكِّرنا بأن الحرب ليست فقط صراعات عسكرية، بل هى أيضاً صراعات إنسانية، فقد أعادت تلك الأوراق قصصاً إلى الحياة، لتشكل جسراً يربط بين الأجيال المختلفة، والتى تُعد مجرد جانب صغير من الصورة الاجتماعية لأبرز فترات التاريخ المصرى.


مواضيع متعلقة