ما أفسده الواقع تصلحه الدراما.. «المتحدة» تنتصر لقضايا المجتمع في مسلسلات رمضان

ما أفسده الواقع تصلحه الدراما.. «المتحدة» تنتصر لقضايا  المجتمع في مسلسلات رمضان

ما أفسده الواقع تصلحه الدراما.. «المتحدة» تنتصر لقضايا المجتمع في مسلسلات رمضان

جرعة عالية من الدراما، ممزوجة بالترفيه، يقدمها صناع المسلسلات للجمهور خلال موسم الدراما الرمضانية 2025، ولكن لا تقتصر الأعمال على تلك الجرعة الدرامية الترفيهية فقط، ولكنها تطرح العديد من القضايا المجتمعية المهمة للنقاش بشكل واضح على مائدة الدراما، وهو الأمر الذى تحرص عليه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من خلال استراتيجيتها التي وضعتها فى السنوات الماضية التى تنطلق من إيمانها الراسخ بالمسؤولية الاجتماعية التى تقع على الدراما، من خلال تفعيل دورها كقوة ناعمة قادرة على التأثير فى المجتمع بشكل أكثر عمقاً.

«الدراما ليست مجرد تسلية، بل هى أداة قوية لتشكيل الوعى وتحفيز التفكير وتحقيق التغيير الاجتماعى»، لم تكن مجرد مقولة للكاتب أثول فيجارد، ولكنها تعكس النهج الذى اتبعته «المتحدة» فى أعمالها الدرامية، إذ نجحت فى استغلال قوة الدراما ورواجها خلال شهر رمضان وما تحققه من نسب مشاهدات مرتفعة فى الدفع بعدد من القضايا المجتمعية المهمة، باختلاف القوالب التى يتم من خلالها مناقشة تلك القضايا سواء فى إطار كوميدى أو درامى أو حتى تشويقى.

وإيماناً بأن الدراما الطريق الأقصر فى التأثير على العقول وتغيير المفاهيم وزيادة الوعى بالعديد من القضايا، حين تمنح صوتاً لمن لا صوت لهم، وتنقل الأحداث والمشاعر إلى المتلقى فى قالب درامى محكم، اتجه صناع الدراما إلى تقديم مسلسلات تقف على العديد من قضايا الساعة التى تمس حياة الناس مباشرة، أملاً فى خلق حالة من الوعى والنقاش المجتمعى وعرض المشكلات وطرح الحلول.

يعد مسلسل «لام شمسية»، للكاتبة مريم نعوم والمخرج كريم الشناوى، من أبرز الأعمال التى تسلط الضوء على قضية مجتمعية مهمة فى الوطن العربى، بطرح قضية التحرش بالأطفال، على الرغم من حساسيتها، إذ يقدم العمل جرس إنذار للأسرة حول هذه الظاهرة، بجانب عدد من القضايا الأخرى يطرحها العمل فى سياق الأحداث كظاهرة التنمر الذى يتعرض لها الأطفال.

وقالت الفنانة أمينة خليل، بطلة «لام شمسية»، إنه القضية التى يطرحها المسلسل تضع على عاتقها وفريق العمل قدراً كبيراً من المسئولية، على الرغم من الخوف الذى كانت تشعر به فى البداية بسبب صعوبة القضية التى يتناولها بشكل عميق ويدخل فى تفاصيلها بما يلائم خطورتها وتأثيرها على المجتمع، وأضافت «أمينة» لـ«الوطن»: «أتمنى أن يصل المسلسل للجمهور ويتمكن من تحقيق التوعية بتلك القضية الخطيرة».

ومن التحرش بالأطفال إلى الصعوبات التى يواجهها الأيتام فى دور الرعاية ودمجهم فى المجتمع، يتطرق مسلسل «ولاد الشمس»، تأليف مهاب طارق وإخراج شادى عبدالسلام، إلى قضية مجتمعية مهمة، وهى الحياة القاسية التى يعيشها الأيتام داخل دور الرعاية، واستغلال مدير إحدى دور رعاية الأطفال فى أنشطة خارجة عن القانون، كما يتطرق إلى النظرة القاسية التى ينظر بها المجتمع إلى خريجى دار الأيتام باعتبارهم «مجهولى النسب»، والحرب التى يخوضونها فى سبيل الحصول على فرص عمل وحياة سوية.

واختار الكاتب محمد ناير والمخرج يحيى إسماعيل مناقشة قضية معاصرة عن الأمن والجريمة الإلكترونية وعالم الإنترنت المظلم فى مسلسل «أثينا»، بطولة الفنانة ريهام حجاج، إذ يتناول العمل التأثير السلبى للتطور التكنولوجى على المجتمع، وكيف يصل ذلك إلى تدمير حياة العديد من الشخصيات، عندما تقرر صحفية استقصائية البحث وراء مجموعة إلكترونية انضمت لها شقيقتها قبل أن تقدم على الانتحار ويتم إنقاذها، ومع تعرض أفراد تلك المجموعة للأذى، تظهر العديد من علامات الاستفهام حول من يقف وراء التلاعب بحياة هؤلاء الشباب.

وعن أسباب التركيز على مخاطر السوشيال ميديا والذكاء الاصطناعى فى «أثينا»، قال يحيى إسماعيل، مخرج المسلسل، إن التطورات التكنولوجية الضخمة فى الوقت الراهن تجعل هناك صعوبة فى التفرقة بين ما هو حقيقى ومصطنع، فلم يقتصر الأمر على الصور فقط بل امتد إلى الفيديوهات والتسجيلات الصوتية.

وعن كواليس التحضير للمسلسل، قال «إسماعيل» إن جلسات يومية جمعته لمدة ساعة مع الكاتب محمد ناير قبل أن يبدأ فى كتابة المسلسل للحديث عن الذكاء الاصطناعى، مشيراً إلى أنه تم إدخال عدد من التعديلات على النص قبل التنفيذ، حتى لا يكون العمل غارقاً فى التكنولوجيا، وأوضح: «لم نرغب أن يكون المسلسل متعمقاً فى التكنولوجيا، لأننا نقدم عملاً درامياً يناسب جميع الطبقات والخلفيات، وبالتالى كان يجب ألا ننجرف فى محتوى يضم مصطلحات أو أفكاراً تكنولوجية معقدة».

وبروح كوميدية، قرر الكاتب محمود عزت والمخرجة مى ممدوح تقديم مسلسل «حسبة عمرى» بطولة الفنانة روجينا، الذى يتناول قضية اجتماعية وهى «حق الكد والسعاية»، أى حق الزوجة فى نسبة ثروة زوجها الذى ساعدته على تكوينها خلال فترة زواجهما، وهو الحق الذى أقره الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، استناداً إلى الشريعة الإسلامية، ليسهم العمل فى التوعية بتلك القضية المجتمعية وأهمية تفعيل هذا القانون فى إطار حفظ الحقوق والتأكيد على الذمة المالية المنفصلة للمرأة.

وأشار الناقد أحمد سعد الدين إلى أن الدراما تقوم على مثلث متساوٍ يضم ضلعاً ترفيهياً وثانياً تثقيفياً وثالثاً توعوياً، ولكن تكمن المشكلة عندما يطغى ضلع على الضلعين الآخرين، متابعاً: «فى بعض الأوقات قد يهتم صناع الدراما بالترفيه على حساب القضية، لذلك يجب أن يكون كاتب السيناريو على وعى كافٍ لتحقيق توازن بين الأضلاع الثلاثة، والدراما التليفزيونية على وجه التحديد قائمة فى الأصل على مناقشة القضايا المجتمعية لأنها تدخل البيوت وتخاطب الكبير والصغير».

وتابع «سعد الدين»، لـ«الوطن»، أن المسلسلات التى تتناول قضايا اجتماعية تلقى اهتماماً كبيراً لدى المشاهدين لأنها تمسهم عن قرب، موضحاً: «على سبيل المثال مسلسل (حسبة عمرى)، الذى يتناول الخلافات الزوجية وحق الكد، أظن أن هناك قطاعاً كبيراً من المشاهدين سوف يتقاطعون مع تلك المساحة، فالقضايا نفسها تجذب الجمهور وهو دور الدراما أن تناقش القضية، مهما كانت قوتها وثقلها، ولكن بأسلوب بسيط من خلال إطار كوميدى أو درامى، وبشكل بعيد عن المباشرة حتى يستطيع المشاهد التوحد مع العمل والشخصيات».

وقال الناقد محمد عبدالرحمن إن مناقشة الدراما للقضايا المجتمعية لها دوران؛ الأول خلق حوار مجتمعى حول تلك القضايا مثل دمج الأيتام فى المجتمع أو المراهنات والاختراق الإلكترونى وغيرها، لتتكشف بعدها تفاصيل جديدة فى الكواليس تحمل أبعاداً وترجمة حقيقية لخطوة ونتائج الظواهر المجتمعية السلبية، وتابع «عبدالرحمن» لـ«الوطن»: «الدور الثانى الذى تقوم به الدراما هو تقديم حلول تساعد المجتمع فى طرح مبادرات، ما يساعد فى زيادة الوعى المجتمعى بتلك القضايا ولا تسمح بمجال لأحد من التنصل من مسئولية عدم معرفتهم بالقضية وأبعادها، وتدفعهم للتفاعل مع الواقع».

وعن مدى قدرة الدراما على إحداث تأثير ملموس على أرض الواقع فيما يخص القضايا المجتمعية الملحة، أوضح «عبدالرحمن»: «مجتمعاتنا فى حاجة إلى هذا النوع من الدراما، الفن لا يكون للترفيه فقط، خاصة فى مجتمع يعانى من إشكاليات عدة، ولذلك يجب أن يكون هناك نقاش مجتمعى من أجل التحرك إلى الإمام، فالعمل الدرامى لن يحل المشكلة، ولكن على أقل تقدير قد يمنح الجهات المعنية أفكاراً لحلول بديلة وأكثر عملية».

وفى سياق متصل، أشار الناقد محمود قاسم إلى أهمية الدراما فى خلق حالة من الوعى لدى الجمهور بالعديد من القضايا المهمة، وهو ما بدأ مع بداية تاريخ الدراما المصرية، وأصبحت أقصر طريق للتأثير وتمرير أفكار تخدم المجتمع، خاصة أن التلفاز هو جهاز داخل كل بيت وتلتف حوله الأسرة، وأضاف «قاسم»، لـ«الوطن»: «على مدار السنوات الطويلة الماضية نجد أن الدراما لعبت دوراً مهماً فى التوعية بقضايا عديدة، كان منها الزواج العرفى، ختان الإناث، إدمان المخدرات وأضراها، وزواج القاصرات»، وأشار إلى أن الدراما يعود إليها الفضل فى انخفاض نسب تلك الظواهر السلبية، لما عملت عليه خلال السنوات الماضية بتحقيق حالة الوعى المجتمعى، وعكس ملامح الصورة برمتها بشخصيات من لحم ودم يتفاعل معها المشاهدون.

وأشاد «قاسم» بما وصفه بـ«وعى صناع الدراما» فى الفترة الأخيرة فى تقديم وطرح قضايا اجتماعية مهمة داخل أعمالهم وعدم الاكتفاء بجرعة ترفيه أو التسلية، بالإضافة إلى تقديمها فى قوالب فنية جذابة بعيدة عن المباشرة فى تقديم الرسالة ومناقشتها، وهو ما يمنح العمل ثقلاً وبعداً فى محتواه.


مواضيع متعلقة