كلمة مصر.. من قمة القاهرة إلى القمة العربية (رؤية وتحليل إخباري)

كلمة مصر.. من قمة القاهرة إلى القمة العربية (رؤية وتحليل إخباري)

كلمة مصر.. من قمة القاهرة إلى القمة العربية (رؤية وتحليل إخباري)

لكل خطاب سياسي مقومات يتسم بها، وركائز يتكئ عليها. والخطاب السياسي المصري تجاه القضية الفلسطينية على مدار التاريخ اتسم دائمًا بمقومات محددة، وركائز ثابتة، فجاء معبرًا عن الإرادة الوطنية في مصر، ومتمسكًا بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وخلال 16 شهرًا مضت، منذ بدء أحداث السابع من أكتوبر 2023 والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحتى الآن، جاء الخطاب السياسي المصري متسقًا مع هذا الموقف التاريخي، وتلك المقومات الثابتة والركائز التي لا تتغير. ويمكن قراءة هذا الخطاب المصري في ضوء كلمة مصر التي ألقاها الرئيس عبدالفتاح السيسي، في مناسبتين رئيسيتين: الأولى هي "قمة القاهرة للسلام" 21 أكتوبر 2023، والثانية "القمة العربية غير العادية" التي استضفتها القاهرة، 4 مارس 2025.
ولأن الخطاب السياسي "يقوم في الأساس على القصدية، ويعتمد على اللغة الدقيقة كوعاء معبر عن الأفكار والمواقف"، بحسب ما يقول "إيميل بينفينيست" أستاذ علم اللغة الفرنسي، فقد اتسمت كلمة مصر برسائل واضحة ومقصودة بعضها للخارج وبعضها للداخل، وبمفردات جرى اختيارها بعناية شديدة.

1- رفض التهجير القسري

ركزت كلمة مصر في قمة القاهرة للسلام على رفض التهجير القسري للفلسطينيين، وهو موقف مصري راسخ أكدت عليه القيادة السياسية في أكثر من مناسبة. وجاءت كلمات الرئيس السيسي في قمة القاهرة حينذاك صريحةً وقوية، امتازت بالمباشرة والوضوح، خاطب فيها الرئيس المصري ضمير كل الأحرار حول العالم، حين أكد أن "العالم لا يجب أن يقبل، استخدام الضغط الإنساني، للإجبار على التهجير.

وأكدت مصر، وتجدد التشديد، على الرفض التام، للتهجير القسري للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضي المصرية في سيناء، إذ أن ذلك ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار في العالم، على مدار 75 عامًا، هي عمر القضية الفلسطينية.


لم تكتف كلمة مصر بمخاطبة ضمير العالم، ولا التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني، بل امتازت بقوة لا تنقصها حكمة، وحكمة لا تنقصها قوة، حين قال الرئيس السيسي: أؤكد للعالم بوضوح ولسان مبين، وبتعبير صادق، عن إرادة وعزم جميع أبناء الشعب المصري فردًا فردًا: إن تصفية القضية الفلسطينية، دون حل عادل، لن يحدث وفي كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر.


هذا الموقف المصري من رفض التهجير القسري، الذي يستند إلى حقوق فلسطينية تاريخية، وإرادة شعبية مصرية، يمكن قراءته بوضوح مرة أخرى في كلمة الرئيس السيسي خلال القمة العربية غير العادية أمس، حين قال إن "الحرب الضروس على قطاع غزة، استهدفت تدمير أوجه وسبل الحياة، وسعت بقوة السلاح، إلى تفريغ القطاع من سكانه، وكأنها تخير أهل غزة، بين الفناء المحقق.. أو التهجير المفروض، وهو الوضع الذى تتصدى له مصر، انطلاقًا من موقفها التاريخى، الداعم لحقوق الشعب الفلسطينى على أرضه، وبقائه عليها عزيزًا كريمًا، حتى نرفع الظلم عنه، ولا نشارك فيه".

2- صيغة سلام مصرية

واحدة من مرتكزات الموقف المصري التاريخي هو التأكيد على صيغة السلام الشامل القائم على العدل، الذي يحفظ حقوق الأطراف كلها، وليس السلام الذي تفرضه القوة، وينتصر لطرف على حساب طرف آخر. هذه الصيغة من مفهوم السلام كانت نقطة مشتركة في الخطاب المصري، ففي قمة القاهرة أكد الرئيس السيسي أن مصر دفعت ثمنًا هائًلا، من أجل السلام في هذه المنطقة بادرت به عندما كان صوت الحرب هو الأعلى وحافظت عليه وحدها.. عندما كان صوت المزايدات الجوفاء هو الأوحد وبقيت شامخة الرأس، تقود منطقتها، نحو التعايش السلمي القائم على العدل.


تلك الرسالة لم تغب أيضًا عن كلمة مصر في القمة العربية غير العادية، حيث شدد الرئيس من جديد على أن أن مصر التى دشنت السلام، منذ ما يناهز خمسة عقود فى منطقتنا، وحرصت عليه، وصانت عهودها حياله.. لا تعرف سوى السلام القائم على الحق والعدل، الذى يحمى المقدرات ويصون الأرض ويحفظ السيادة.

3- خارطة طريق قابلة للتحقق


لم تكتف كلمة مصر بالإدانة، ولا الرفض، ولا التحذير. ولم تقف عند كلمات الدعم، ولا التأكيد على الحقوق التاريخية. بل امتاز الخطاب المصري بقدرته الفائقة على طرح الحل الدائم برغم الظروف الدقيقة والمعقدة، وامتاز أيضًا بتقديم خارطة طريق شاملة تأخذ في حساباتها ثوابت التاريخ من الماضي ومتغيرات الخرائط السياسية في الوقت الحاضر. حدث ذلك في قمة القاهرة للسلام، ثم حدث مرة أخرى وبصيغة أكثر توسعًا في القمة العربية غير العادية.


في أكتوبر 2023 دعا الرئيس المصري إلى التوصل إلى توافق محدد، على خارطة طريق تستهدف إنهاء المأساة الإنسانية الحالية، وإحياء مسار السلام من خلال عدة محاور: تبدأ بضمان التدفق الكامل والآمن والسريع والمستدام للمساعدات الإنسانية لأهل غزة، وتنتقل فورًا إلى التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار، ثم البدء العاجل في مفاوضات لإحياء عملية السلام وصولًا لإعمال حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولية مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل في الأراضي الفلسطينية.


وفي مارس 2015، واستكمالاً لرؤية مصر الاستراتيجية، طرح الرئيس المصري خطوات لحل عملي ينزع فتيل الصراع ويعيد الأمن والاستقرار للمنطقة، يتضمن تشكيل لجنة إدارية من الفلسطينيين المهنيين والتكنوقراط المستقلين، توكل إليها إدارة قطاع غزة لفترة مؤقتة، وذلك تمهيدًا لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع. كما شملت الخطة المصرية تدريب الكوادر الأمنية الفلسطينية، التى يتعين أن تتولى مهام حفظ الأمن داخل القطاع، إضافة لبلورة خطة شاملة متكاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجير للفلسطينيين، تبدأ بعمليات الإغاثة العاجلة والتعافى المبكر، وصولا لعملية إعادة بناء القطاع، على أن يجرى بالتوازي إحياء لعملية السلام الدائم من الناحيتين السياسية والأمنية، تشارك فيها دول المنطقة، وبدعم من المجتمع الدولى، وتهدف إلى تسوية عادلة وشاملة ومستدامة للقضية الفلسطينية.


وقال السفير أيمن مشرفة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن كلمة الرئيس السيسي في القمة العربية جاءت متسقة تمامًا مع الموقف المصري الثابت الذي شدد عليه الرئيس في أحاديث ولقاءات سابقة، مضيفًا: الخطاب المصري يحمل رسائل ثابتة، أهمها رفض التهجير القسري، وضمان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وإحياء عملية سلام حقيقية ودائمة تقوم على حل الدولتين.


ومن جانبه، قال الدكتور يوسف أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية، وعميد معهد البحوث والدراسات العربية سابقًا، إن الموقف المصري استند إلى مبادئ تاريخية لم تتخل الدولة المصرية عنها يومًا، واعتمد على ركائز أساسية لم تفرط فيها مصر أبدًا، وامتاز بالتكامل والشمولية ودقة المفردات، حيث قدم حلولاً بديلة، وخطط أكثر واقعية وأكثر عدالة من الخطط التي تتبناها بعض الأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية.


مواضيع متعلقة