احتفالات أهالي البراجيل بشهر رمضان.. طقوس عمرها 45 عاما

احتفالات أهالي البراجيل بشهر رمضان.. طقوس عمرها 45 عاما
أجواء مليئة بالبهجة، يصنعها العشرات من أهالى منطقة شرق البلد بقرية البراجيل، فى محافظة الجيزة، من خلال التجمع سنوياً، وعلى مدار 45 عاماً، لممارسة مظاهر الترحيب والاحتفال بقدوم شهر رمضان الكريم. عادة لم تنقطع، توارثها الأبناء عن الأجداد والآباء، بتعليق الزينة والأنوار، وتركيب أكبر مجسم مسجد من صُنع أيديهم، مع تقديم الفقرات الشعبية وفرقة الإنشاد الدينى، فعلى مدار شهرين قبل حلول رمضان يبدأ الفريق المسئول عن تزيين المنطقة وتحضير المسجد بالتجمع فى الدور الأرضى لأحد منازل المنطقة، وتوزيع المهام حسب تخصص كل فرد فى مهنته، كما جرت العادة سنوياً.
«كل واحد بيعمل حاجة معينة، اللى مسئول عن تعليق الزينة فى الشارع، واللى بيصمم شكل المسجد اللى هنفذه كل سنة، وفيه مسئول النقاشة والنجارة والكهرباء» بهذه الكلمات شرح محمد ناجى، 38 عاماً، مسئول تنفيذ مجسم المسجد كل عام، ومتابعة تنفيذ المهام، كيف يتم توزيع المهام بين أعضاء الفريق، وتابع بقوله: «مش بنعمل شغل عشوائى، فيه 7 أفراد مسئولين عن تنفيذ المسجد، بنتجمع ونشوف هنعمل إيه مختلف كل سنة، فى التصميم والألوان، وبنعمل ميزانية للتنفيذ»، واستطرد «ناجى»، الذى ورث مسئولية تنفيذ المسجد بشكل سنوى عن جده ووالده: «المنطقة عندنا بتحتفل بشهر رمضان بهذه الطريقة من سنة 1990، جدى كان مسئول، وبعد كده والدى، وبعد كده أنا، وإن شاء الله هيتورث لأولادى كمان».
يتفرغ «ناجى» تماماً، ومعه أعضاء الفريق المسئول عن تنفيذ مجسم المسجد، خلال الفترة التى تسبق شهر رمضان، حتى يمكنهم الانتهاء من تنفيذ مهمتهم قبل موعد الاحتفال السنوى بحلول الشهر الكريم، وتحدّث لـ«الوطن» قائلاً: «طول فترة تنفيذ المسجد بنكون متفرغين لتنفيذ المهمة، كل واحد بيخلص شغله على آخر النهار، وبنتجمع نشتغل فى المسجد، مفيش قعدة على القهوة، ولا أى مشاوير ترفيهية، أهم حاجة المسجد يخلص فى ميعاده وبأحسن شكل».
قبل رمضان بيومين يرفع أعضاء الفريق حالة الطوارئ فى منازل المنطقة بأكملها، حيث يكون الميعاد الذى يحدده «ناجى» لتجمُّع الأهالى مهللين بالانتهاء من تنفيذ المسجد المصنوع من خشب الزان، الذى يصل عرضه إلى 4 أمتار، وطوله إلى 8 أمتار، ومكون من 5 قباب و4 مآذن، ويتم تركيبه وتعليقه فى منتصف الشارع الرئيسى بشرق البلد، وقال: «بنصنع المسجد من خشب نضيف، علشان يعيش معانا، مش نعلقه يومين ويقع، إحنا بنصرف عليه حوالى 20 ألف جنيه علشان يطلع بالشكل النهائى ده، الموضوع طبعاً لا يخلو من الصعوبات أثناء التنفيذ، فى متابعة الصنايعية والتجميعات، لكن كله بيهون لما بنخلص ونحتفل مع الأهالى». وتبدأ بعد ذلك العروض الشعبية، مع توزيع الكنافة اليدوى والزلابية، لحين استعداد فرقة الذكر والإنشاد الدينى.
وأكد محمد عادل، مصمم مجسم المسجد، أنه استوحى تصميم هذا العام من تصاميم المساجد التركية، مع اختيار شخصية «سمورة» للفنان سمير غانم، لتكون «أيقونة» هذا العام، وأوضح: «فى كل سنة بنختار شخصية مختلفة تبقى أيقونة مع المسجد، فى سنة عملنا الشيخ الشعراوى، وسنة عملنا بكار، السنة دى اخترنا سمورة علشان تبقى ماشية مع لون المسجد»، كما لفت «عادل» إلى أنه ورث مهمة تصميم مجسمات المساجد عن جده، الذى كان يملك ورشة نجارة، وقام بصناعة فانوس من الخشب لأحد الأطفال بالمنطقة، الأمر الذى نال إعجاب الكثيرين من الأطفال، مما شجعه على تصنيع فانوس كبير، قام بتعليقه فى الشارع ليحتفل به جميع الأهالى، وتطور الأمر بعد ذلك، وتم استبدال الفانوس بمجسم المسجد، وأضاف: «الحكاية بدأت من جد محمد ناجى، هو اللى طلب من جدى عمل فانوس لعمه، وبعد كده عجب عمته، وكانوا عايزين جدى يعمل فانوس تانى، فقال لهم أنا هأعمل فانوس كبير علشان كل أهالى المنطقة تحتفل به، وبعد كده بقوا بيعملوا جامع كبير، زى اللى احنا بنعمله دلوقتى».
تم تزويد مجسم المسجد بنحو 30 لمبة كبيرة، وإضاءات «ليد»، ومروحتين تعملان بالكهرباء، وعشرات الأمتار من الأسلاك الكهربائية، وأوضح محمد عوبد، مسئول إنارة مجسم المسجد، أنه يتم تصنيع المجسم على هيئة أجزاء متفرقة، ويتم تجميعه أثناء تعليقه فى المنطقة على مراحل، نظراً لحجمه ووزنه، وتابع بقوله: «بنشتغل على الفانوس كهرباء ونقاشة على مراحل، كل جزء يخلص نعلقه، ونبدأ فى اللى بعده وهكذا».
«عم ناصر»، أحد مؤسسى فريق مجسم الجامع، الذى عاصر احتفالات أهالى منطقة البراجيل بقدوم شهر رمضان على مدار 45 عاماً، أكد أن هذه هى المنطقة الشعبية الوحيدة التى تحتفل بقدوم الشهر الكريم بهذه الطريقة، حيث يتجمع الأهالى للمشاركة فى هذا الاحتفال السنوى»، وأضاف: «زمان كنا بنحط الجامع على عربية، وبنلف به فى الشوارع كلها ونغنى ونرقص، لكن دلوقتى بقى الموضوع صعب بسبب الزحمة»، وأشار الرجل السبعينى إلى أن تنفيذ المجسم يتم بالمجهود الذاتى، سواء مادياً أو بالمجهود من شباب المنطقة، ورغم كبر عمر «عم ناصر» إلا أنه لم يترك احتفالاً إلا ويشارك فيه مع أهالى منطقته، وعبّر عن ذلك بقوله: «بتبقى فرحة حلوة، الكبير والصغير بيبقى موجود، ربنا ما يقطع لنا عادة أبداً».
وقال «محمد نجفة»، المسئول عن تعليق أفرع الزينة فى الشارع، إنه يتولى جمع التبرعات والمشاركات من أهالى المنطقة، ثم يقوم بشراء عدد من الشنط البلاستيكية بالكيلو، ويعمل على تقطيعها على هيئة أشرطة، بمساعدة أطفال المنطقة، ثم يقوم بربطها فى أحبال لتزيين الشارع، وأضاف: «كل بيت بيدفع اللى يقدر عليه، فيه ناس بتدفع 10 جنيه، وفيه اللى بيدفع 40 جنيه، مش بحب اشترى زينة جاهزة، علشان الأطفال بتحب تساعدنى وتقطع الشنط وتربطها، بتبقى فرحة حلوة».
وتابع «نجفة» أن سعادة الأهالى وانتظارهم تعليق الزينة من العام للعام تجعله لا يشعر بإرهاق عمله طوال اليوم، أثناء تعليق الزينة مع الأطفال، بل لم يبخل فى الحصول على يوم إجازة إضافى من عمله، حين تطلب الأمر، للانتهاء من مهمته السنوية فى إسعاد أهالى منطقته، واختتم تصريحاته بقوله: «ده يوم بنستناه من السنة للسنة، الأطفال كلها بتتجمع معايا، بأشغل لهم أغانى فى السماعات، ونفرح كلنا، ربنا ما يقطع لنا عادة، وتفضل كل الأجيال اللى جاية بعدنا تعمل نفس الطقوس».