الغرب يعترف «بعد فوات الأوان»: غزو العراق نشر الإرهاب

كتب: عبدالعزيز الشرفى

الغرب يعترف «بعد فوات الأوان»: غزو العراق نشر الإرهاب

الغرب يعترف «بعد فوات الأوان»: غزو العراق نشر الإرهاب

على مدار عامين تقريباً بدآ بأحداث الحادى عشر من سبتمبر، لجأ الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش إلى استخدام حيلة «الحرب على الإرهاب» وسيلة لتبرير كل القرارات التى اتخذها بغضّ النظر عن مدى منطقيتها أو صلاحيتها، وعلى الرغم من تعدد تلك القرارات وتأثيرها على السياسات العالمية وإعادة تشكيلها الرأى العام داخلياً وخارجياً فى الولايات المتحدة، فقد كان الغزو الأمريكى للعراق هو القرار الأسوأ على الإطلاق الذى لا يزال العالم يعانى تداعياته حتى هذه اللحظة، فعلى الرغم من الدعاية الإعلامية الضخمة التى سوّقت لها الإدارة الأمريكية آنذاك بأن نظام الرئيس الأسبق صدام حسين يؤوى الإرهابيين ويطور الأسلحة الكيماوية، فإن أياً من هذا لم يثبت صحته، واضطرت الإدارة الأمريكية إلى تحسين صورتها بإلقاء اللوم على أجهزة الاستخبارات الأمريكية التى قدمت -بحسب الاتهامات- معلومات مغلوطة ومنقوصة تجاه ما يجرى فى العراق.

وبعيداً عن اللوم الذى تتلاقفه المؤسسات الأمريكية للتنصل من مسئوليتها عن الفشل الذى كان عنواناً للسياسات الأمريكية فى المنطقة على مدار الاثنى عشر عاماً الماضية، فإن العالم اعترف أخيراً بأن غزو العراق كان سبباً أساسياً فيما وصل إليه العالم من موجة إرهاب متزايدة إلى حد خرج عن السيطرة ولم يعد فى الإمكان احتواء العناصر الإرهابية، فبحسب تقرير المركز القومى لدراسات الإرهاب الأمريكى، فإن موجات الإرهاب تضاعفت بـ5 إلى 7 أضعاف عن معدلها قبل إطلاق الحرب الأمريكية المزعومة على الإرهاب.

المحللون والمراقبون الغربيون أكدوا أن الحرب التى صدّرتها الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط كانت سبباً فى إضعاف سياسات الأمن القومى الداخلى لعدد من دول المنطقة، إضافة إلى أنها كانت السبب الرئيسى فى زيادة موجات الإرهاب وقتل المدنيين. وبشكل عام، يلخص المحللون الأمر على النحو التالى: «كلما تشن الولايات المتحدة حرباً على دولة لا تشكل خطراً من الأساس عليها، تتزايد احتمالات التهديدات الإرهابية، حيث إن التطرف والتوجه إلى الإرهاب ناتجان بشكل رئيسى عن مقتل أو إصابة عائلات العناصر الإرهابية قبل أن ينضموا إلى تلك التنظيمات».

{long_qoute_1}

جيمس فيلدمان، الأستاذ السابق بمعهد الدراسات ودعم اتخاذ القرار التابع للقوات الجوية الأمريكية، أكد أن «الحرب على العراق لم يتم خوضها لمكافحة الإرهاب من الأساس، بل إن تنظيم القاعدة الإرهابى لم يدخل العراق سوى بعد الغزو الأمريكى، كما أن الغارات باستخدام طائرات بلا طيار ترفع من خطر الإرهاب»، فيما يشير روبرت بابى، الأستاذ بجامعة «شيكاجو» الأمريكية والمتخصص فى شئون الأمن الدولى، إلى أن الدراسات والأبحاث المختلفة تؤكد أن الإسلام ليس الملوم فى مسألة زيادة التطرف والإرهاب، وإنما اللوم الحقيقى يقع على احتلال الدول الأجنبية لدول أخرى، وهو ما أصبح واضحاً بشكل جلى فى الفترة الأخيرة، حيث يتعرض المسلمون أنفسهم لموجات إرهاب أعنف من التى يتعرض لها الأمريكيون.

ويشير معهد دراسات القوات الجوية الأمريكية إلى أن «أولى خطوات حل مشكلة الإرهاب تكمن فى اعتراف دول الغرب بأن الحرب التى أطلقوها بحجة حماية الأمن القومى الغربى، وخصوصاً الأمريكى، هى السبب الأساسى فى تطرف العناصر الإرهابية نتيجة احتلال دولهم على أيدى الولايات المتحدة وغيرها، وهو ما يعنى بالتالى أن الأمريكيين لن يكونوا أكثر أمناً، وأن الأزمة الحقيقية سببها الولايات المتحدة والدول التى تحالفت معها».

أما معهد «جلوبال ريسيرش» الكندى للأبحاث والدراسات، فيشير إلى أن الولايات المتحدة تعمدت تصدير الحروب إلى منطقة الشرق الأوسط لإبعاد الأزمات عنها، من خلال إعادة هيكلة دول المنطقة بأكملها وتغيير الأنظمة الحاكمة فيها، مؤكداً أن تلك الخطة ترجع إلى 20 عاماً سابقة على هجمات الحادى عشر من سبتمبر، والحقيقة وراء تلك المساعى تكمن فى رغبة الولايات المتحدة فى الحفاظ على مصالحها النفطية ومصالح الغاز الطبيعى، إضافة إلى الحفاظ على المكاسب الاقتصادية المختلفة التى تتمتع بها من المنطقة.

المعهد الكندى نقل عن مسئول أمريكى بارز، رفض ذكر هويته، قوله إن «الهجمات الإرهابية ما هى إلا ثمن بخس ندفعه مقابل أن نصبح قوة عالمية عظمى»، فيما أشار عدد من السياسيين الأمريكيين فى مراحل سابقة إلى أن الحرب الممتدة التى لا تنتهى هى سمة أساسية مميزة للسياسات الخارجية الأمريكية، وهو ما يعنى صراحة أن الحرب على الإرهاب ما هى إلا غطاء لصراع المصالح الأمريكى على حصاد النفوذ فى المنطقة.

صحيفة «جارديان» البريطانية تؤكد أن «الإرهاب فى تزايد مستمر، وربما قفز بنسبة 60% على الأقل خلال العام الأخير، على الرغم من الجهود الأمريكية المزعومة لمواجهته فى الشرق الأوسط. ولكن بحسب تقرير مؤشر الإرهاب العالمى، فإن تزايد موجات الإرهاب العالمية يثير الشكوك والتساؤلات حول مدى فاعلية الجهود الغربية لمواجهة الإرهاب، والتى انطلقت بغزو العراق وأفغانستان، وهو ما يؤدى تباعاً إلى أن تلك الحروب فشلت تماماً فى تقليل خطر الإرهاب كما تزعم، كما أن صعود تنظيم داعش الإرهابى يمكن إلقاء اللوم فيه بأكمله على الولايات المتحدة، حيث يمكن تعقب بدايات هذا التنظيم إلى جماعات المقاومة العراقية لمواجهة الغزو الأمريكى».

تحت عنوان «الاحتلال هو السبب أيها الأغبياء»، قالت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية إن الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر كانت تهدف فى الأساس إلى ضمان أمن الولايات المتحدة وعدم تكرار الهدف، وبالفعل على المستوى الضيق يمكن القول إن الولايات المتحدة أكثر أمناً، بينما فى الحقيقة وعلى المستوى الأشمل، فإنه لا جدال فى أن الولايات المتحدة بالكاد أكثر أمناً عما كانت عليه قبل تلك الهجمات، حيث باتت أخبار محاولات تنفيذ هجمات انتحارية ضد الأمريكيين أمراً اعتيادياً نقرأه فى الصحف اليومية.

وتشير «فورين بوليسى» إلى أن «الولايات المتحدة كانت تهدف إلى عدة أمور من خلال حربها على الإرهاب، فمن ناحية كانت تسعى إلى الحفاظ على مصالحها، ومن ناحية أخرى كانت تسعى إلى تحويل المجتمعات العربية إلى مجتمعات غربية كاملة من خلال تغيير الدساتير وإعادة إجراء الانتخابات وتغيير الأنظمة وإسقاط الرؤساء، إلا أن الحقيقة التى اكتشفها الجميع بعد فوات الأوان هى أن الإرهاب لم يكن أساسه من الإسلام، وبالتالى فإن تغيير المجتمعات الإسلامية إلى غربية ليس حلاً يمكن الاعتماد عليه، وبالتالى فشلت تلك الاستراتيجية وخلقت إرهاباً أكثر شراسة من إرهاب تنظيم القاعدة».

وبحسب عدد من المحللين، لـ«فورين بوليسى»، فإن «المصالح الأمريكية كانت لتكون أكثر أمناً إذا اتبعت الولايات المتحدة سياسات خارجية أكثر توازناً، حيث إن التورط العسكرى فى دول عديدة ساهم فى تدمير المصالح الأمريكية وخلق مجتمعات إرهابية عنيفة، إضافة إلى أنه تسبب فى سقوط دول عدة فى فخ الفوضى والفشل، وعلى سبيل المثال قبل غزو العراق وأفغانستان كانت هناك حوالى 20 عملية انتحارية على مدار العام فى أنحاء العالم كله، فى حين أنه بعد الغزو الأمريكى تضاعفت تلك العمليات إلى أن وصلت إلى ما يقرب من 300 عملية انتحارية شهرية، من بينها حوالى 270 موجهة ضد الأمريكيين فقط، وبالتالى فإن الحروب التى صدّرتها واشنطن إلى المنطقة لا تخدم المصالح الأمريكية بأى شكل من الأشكال».


مواضيع متعلقة