من أجل انتخابات برلمانية أكثر قدرة على حشد الجماهير

فى غيبة ظهير شعبى يشكل سنداً مهماً للرئيس السيسى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة اعتماداً على انحياز غالبية الجماهير لشخصه وأدائه وبرنامجه، وفى غيبة حزب قوى معارض يجلى المنافسة ويعزز روح الحماس ويحفز الجماهير على الحضور بكثافة أمام صناديق الانتخابات، ثمة خوف مشروع من أن تأتى الانتخابات البرلمانية المقبلة فاترة لا يتجاوز نسبة حضورها 60٪، خاصة مع قلة وجود أسماء لامعة يمكن أن تشكل تيارات وطنية داخل الرأى العام المصرى، تساعد على بلورة جبهة داخلية قوية متقاربة الأفكار تكون سنداً لاستقرار الأمة.. وأظن أن ذلك فى حد ذاته يشكل خطراً محتملاً يتحتم العمل على تلافيه، لأن الحضور القوى أمام صناديق الانتخابات يعنى أن العملية السياسية تحظى بمساندة غالبية المجتمع، وتشكل أساساً قوياً لمشروعية متجددة تجُب كل ما قبلها ويصعب الطعن عليها.

وفى إيران يحرص طرفا الحوزة الدينية الحاكمة، المحافظون والإصلاحيون، رغم تباعد الشقة بينهما، على أن تتم الانتخابات البرلمانية والرئاسية بين عناصر متنافسة تكاد تكون على طرفى نقيض، تدخل ساحة سباق مفتوح، هدفه الأول إذكاء حماس الجماهير ودفعها إلى الاحتشاد أمام صناديق الانتخابات بحيث تتجاوز نسبة المشاركة 70٪ من الأصوات المقيدة فى الجداول الانتخابية بما يؤكد حجم المشاركة الواسعة.

حدث هذا فى كل الانتخابات الإيرانية دون استثناء، ابتداء من «الصدر»، أول رئيس إيرانى بعد الثورة الإسلامية إلى الرئيس الإصلاحى حسن روحانى آخر رؤساء إيران، مروراً بسلسلة من الرؤساء المحافظين والإصلاحيين شملت هاشمى رفسنجانى ومحمد خاتمى وممثل اليمين المحافظ أحمدى نجادى، تتابعوا جميعاً على حكم البلاد تحت قيادة المرشد الأعلى خامنئى الذى يمسك بخيوط اللعبة بين المحافظين والإصلاحيين، ويكاد ينصب اهتمامه الأساسى على محاولة جذب أكبر عدد من الناخبين إلى صناديق الانتخابات لإثبات حجم المشاركة الشعبية الواسعة فى العملية السياسية، رداً على اتهامات الغرب بأن الحكم فى إيران أوتوقراطى يتمثل فى نخبة محدودة هى التى تتحكم فى عملية الترشيح من خلال مصفاة تستبعد كل الخارجين عن الحوزة الدينية.

ولا أحبذ -هنا- خيارات إيران غير الديمقراطية التى يحكمها منذ البداية مصفاة واضحة تحت اسم (مصلحة النظام) تستبعد ترشيح كل من ترفضه الحوزة الدينية، لكننى أتكلم عن أهمية السعى إلى توسيع حجم المشاركة فى العملية السياسية التى تشكل جزءاً مهماً من العملية الديمقراطية يصعب إهداره.. صحيح أن نسب المشاركة فى الانتخابات تقل فى معظم بلدان العالم الديمقراطى، لكن حجم المشاركة فى العلمية الانتخابية يظل عاملاً حاسماً ومؤشراً مهماً على ديمقراطية الحكم والتوجه، خاصة عندما تتعرض البلاد لخيارات صعبة تفرضها جماعات تكفيرية تريد أن تحرف البلاد عن مسارها الصحيح الذى تسانده أغلبية الشعب المصرى الساحقة.. وما من شك أن اتساع حجم المشاركة الشعبية فى الانتخابات البرلمانية المقبلة يشكل مؤشراً مهماً ينبغى الحرص عليه، فى ظل استمرار دعاوى بعض قوى الغرب التى تعتقد أن غياب مشاركة جماعة الإخوان المسلمين فى العملية السياسية ينتقص من ديمقراطيتها ولا يهيئ الظروف المناسبة لتحقيق استقرار أمنى يكفل سلامة المسيرة الوطنية!

وأظن أن من واجب اللجنة العليا للانتخابات، ومن مسئوليتها، أن تحرص على إضفاء جو من المنافسة الشريفة يذكى حماس الناخبين فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويدفعهم إلى الاحتشاد أمام صناديق الانتخاب بنسب عالية، سواء من خلال السماح لكل من يريد ترشيح نفسه بالمشاركة فى العملية الانتخابية ما لم يكن قد ارتكب جريمة فى حق وطنه أو يحمل على يديه آثار دماء مصرية، أو من خلال ضمان نزاهة العملية الانتخابية وحيدتها، وتمكين الناخبين من الوصول الآمن إلى لجان التصويت دون مشاكل يتعرضون لها من خلال بعض ممارسات البلطجة التى تستهدف تخويف الناخبين اعتدنا أن نراها فى العديد من الانتخابات السابقة، يحملون السنج والسيوف والمطاوى على مقربة من لجان الانتخابات، وينحازون لمرشح دون الآخر، ويحاولون منع الناخبين المعارضين لهم من الوصول إلى الصناديق.

وإذا كان صحيحاً أن ثمة مخاوف حقيقية من فتور معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة لأسباب عديدة، أهمها فتور المنافسة بين المرشحين، وغياب حزب معارض يزيد من حرارة المنافسة وسخونة المعركة، وعدم وجود أسماء لامعة تستطيع أن تبلور داخل الرأى العام المصرى تيارات وطنية تساعد على توحيد الجبهة الداخلية وتحقيق الاستقرار، إضافة إلى ضعف الأحزاب المدنية التى تمزقها الانقسامات الداخلية والصراع على المناصب، وتضخيم السلفيين لوجودهم على الساحة السياسية واعتقادهم بأنهم يمثلون القوة الأساسية الأكثر عدداً التى تستطيع الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، وإذا كان كل ذلك صحيحاً، يصبح من الضرورى خلق محفزات جديدة تلقى حجراً فى مياه بحيرة راكدة، وتشعل المنافسة بين المرشحين، وتزيد المعركة سخونة، وتوفر قدرة جذب عالية تساعد على حشد المزيد من الناخبين أمام الصناديق، وربما يساعد على إنجاز هذا الهدف إتاحة الفرصة أمام حزب الحركة الوطنية الذى يقوده أحمد شفيق للإسهام فى المعركة الانتخابية المقبلة ليس لأن أحمد شفيق قادر على صنع المعجزات، لكن لأنه يملك شخصية ديناميكية تستطيع أن تحرك ركود الموقف وتعزز روح المنافسة بين جميع القوى السياسية، وتضفى على المعركة الانتخابية حيوية جديدة تثير اهتمام الجماهير بحيث يصبح حدث الانتخابات شاغلها الأهم، ويزداد حجم المشاركة فى عملية التصويت إلى نسب عالية يصعب الطعن عليها أو التشكيك فى مصداقيتها.

ولا أظن أن مشاركة أحمد شفيق فى العملية الانتخابية يمكن أن تقلل من شعبية الحكم أو تخلق مركز قوة مناوئاً، لأنه مهما اختلفت وجهات نظرنا فى شخصية أحمد شفيق فالأمر الذى لا شك فيه أنه رجل دولة يعرف مسئوليته جيداً ولا يمارس ألعاباً صغيرة، ويدرك مكانة القيادة السياسية وسط جموع المصريين، ويعرف استحقاقها الشرعى بعد أن نجحت فى تخليص الشعب المصرى من حكم المرشد والجماعة.. ولست أريد أن أصنف حزب أحمد شفيق كحزب معارض كما كان يأمل الأمريكيون فى فترة سابقة، لأن أحمد شفيق يرفض هذا الموقف، وقد أبدى خلال وجوده فى المنفى أكثر من مرة استعداده للتعاون مع حكم وطنى نجح فى تخليص المصريين من حكم جماعة الإخوان المسلمين، ولن يضير الرئيس السيسى شيئاً أن يلعب أحمد شفيق دور العامل المساعد فى تنشيط المعركة الانتخابية المقبلة.