مرصد الإفتاء: "داعش" يهدف لنشر الطائفية والعنصرية بين المسلمين

كتب: زياد السويفى

مرصد الإفتاء: "داعش" يهدف لنشر الطائفية والعنصرية بين المسلمين

مرصد الإفتاء: "داعش" يهدف لنشر الطائفية والعنصرية بين المسلمين

أكد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، في تقريره الـ31، والذي خصصه لرصد وتحليل لغة الخطاب عند التنظيمات الإرهابية أن تنظيم "داعش" الإرهابي يستغل اللغة العربية في خطاباته الحماسية المنتشرة عبر وسائل الإعلام المختلفة لجذب الشباب والمراهقين المغامرين الباحثين عن الإثارة في الانتماء لتيارات تحمل أفكار خطرة يغلب عليها الحماس الديني، حيث يتعمد دعم تلك الخطابات بغريب المفردات وشواذ الكلمات التي عفا عليها الزمن، ولم تعد دارجة في أيامنا هذه، فيمارس التنظيم الإرهابي استعراض قوته مستخدما فحولة لغوية وقدرات بلاغية مستقاة بعشوائية من التراث إضافة إلى تماديه في منهج التدليس وتلبيس الحق بالباطل باختيار مصطلحات وتراكيب القرآن الكريم في خطاباته، لينسب ممارساته الإرهابية إلى الشريعة الإسلامية.

وأوضح المرصد، أن التنظيم يحاول من خلال ذلك إبراز سطوته اللغوية ليؤكد أنه الأحق بالخلافة والأجدر بها، فيتشدق باللغة شكليا لمحاولة التشبه بأهل الفصاحة من المسلمين الأوائل، كعادة التنظيم الإرهابي في كل تدليس يقوم به حين يداعب الشباب المراهق الذي يحاول التأثير عليه من خلال هذه الكلمات المهجورة التي لم تعد تستخدم في أدبيات الخطاب العربي الحديث، ومن تلك المفردات: "النواصب والصوارم والطواغيت والجحافل والضياغم، وغيرها من المفردات غير المتداولة".

وكشف المرصد، أن الخطاب لدي داعش ينقسم إلى خطاب داخلي، موجه إلى المتحدثين باللغة العربية، وخطاب خارجي، موجه إلى غير الناطقين بالعربية.

وأفاد المرصد، في بيانه، أن الخطاب الصادر باللغة العربية يخالف السياقات الزمانية والمكانية، التي يجب أن يكون عليها الخطاب اللغوي الإسلامي، فالخطاب البلاغي في اللغة العربية ينبغي آلا يحتوي على مهجور المفردات وغريب العبارات مما تمتلئ به خطابات تنظيم "داعش" وأدبياتهم سواء كان ذلك نثرا أم شعرا.

وأضاف المرصد، أن التنظيم عبر خطاباته يعيد نشر الطائفية والعنصرية بين أبناء البلد الواحد، حيث أعاد للأذهان مفردات لغوية طائفية مثل النصيرية والروافض والصفوية والملاحدة والتحالف الصليبي والمرتدين، متابعا أنه من الملاحظ أن هذه المفردات والعبارات تخرج عن سياقها الزماني والمكاني مما يجعل من خطاب التنظيم الإرهابي ظاهرة متداخلةَ السياقات والأزمنة، بل ومتقاطعة مع السياق الطائفي الذي يحاول استغلاله ليصب في صالح مكتسباته المادية والمعنوية. حيث يحاول التنظيم إضفاء شيء من التراث العربي الإسلامي القديم إلى لغته الخطابية ليبرهن على أحقيته بالصدارة ومن ثم الخلافة المزعومة التي أعلنها.

وأشار المرصد، إلى أن "داعش" خَرَج في خطابه عن المألوف في السياق اللغوي بل وخرج عن المدلول اللغوي للمفردات مما يدل على ضعف التنظيم لغويًا رغم تبجحه وزعمه بأنه من أساطين اللغة وأن لغته العربية لا يمكن أن يجاريها أحد. ومن الأمثلة على ذلك بيان تنظيم بيت المقدس الذي يبرر فيه هزيمته الساحقة وانسحابه أمام ضربات الجيش المصري في سيناء، حيث استخدم مصطلح "الانحياز" في إشارة إلى قوله تعالى {"وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وهناك فرق بين التحيز والانحياز. وأضاف أن التحيز المذكور في الآية الكريمة جاء بالمعني العملي وهو الانتقال المكاني. أما الانحياز، الذي اشتقه التنظيم، فيكون معنويًا أي ينحاز إلى فريق بقلبه وليس بجسده.

وتناول المرصد، الشق الثاني من استغلال تنظيم منشقي القاعدة للغة العربية، رغم ضعف منظريه وعدم تمكنهم من اللغة، وهو الخطاب الموجه لغير الناطقين بالعربية، وهذا الخطاب ينقسم إلى خطابين خطاب موجه لقادة الغرب وآخر موجه للشباب.

وأوضح أن الخطاب الموجه لقادة الغرب، فقد أساء تنظيم داعش إلى أساليب اللغة البلاغية والبيانية، حيث خرج من السياق الزماني للمفردات والعبارات التي تتضمنها خطاباته، ومن الأمثلة على ذلك قوله في أحد الخطابات الموجهة للرئيس الأمريكي "إلى أوباما كلب الروم" فهذا الخطاب خرج من سياقه التاريخي والدلالي، مما يوحي بعجرفة وجهل التنظيم وقادته، فهذه المقولة قيلت في سياق تاريخي معين، حيث قالها الخليفة العباسي هارون الرشيد، مخاطبا ملك الروم الذي نقض عهد الروم مع المسلمين.

وشدد المرصد، أن التنظيم الإرهابي يتجاهل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وخطابه إلى قادة وملوك العالم، حيث خاطبهم: "إلى هرقل عظيم الروم" و"إلى المقوقس عظيم القبط" و"إلى كسرى عظيم الفرس" كما يتجاهل النص القرآني الذي قال {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فلم يأمر بالغلظة في القول والشدة في المعاملة بل الموعظة والجدال الحسن، كما قال الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فالمعاملة الحسنة هي قوام هذا الدين. أما استحضار تنظيم داعش لهذه المقولة وغيرها من الخطابات التاريخية فهي محاولة منه ليثبت أنه يقود معركة ذات بعد تاريخي ديني.

وأوضح مرصد الفتاوى التكفيرية، أن خطاب "داعش" الموجه للشباب من غير الناطقين بالعربية متغير تماما، حيث يحاول استخدام لغة خطابية خفيفة سلسة تؤثر في المتلقي ليجذب أكبر عدد من الشباب الغربي المنبهر بانجازات دولة الخلافة المزعومة، مما يبرهن على أن تنظيم منشقي القاعدة يكيل بمائة مكيال وليس بمكيالين فقط، فهو من ناحية يعادي الغرب ويصفه بالتحالف الصليبي، ومن ناحية أخرى يزرع بزور الفتنة الطائفية بين المسلمين، ومن ناحية ثالثة يحاول جذب أكبر عدد ممكن من الشباب الغربي لينضووا تحت رايته بشعاراته الرنانة الجوفاء.

ورصد تقرير المرصد، عددا من الدراسات التي تبرز استخدام تنظيم منشقي القاعدة للغات المختلفة حيث أكدت تلك الدراسات أن التنظيم الإرهابي يستخدم اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية بنسبة كبيرة رغم دخول اللغة الروسية إلى المنافسة، حيث احتلت اللغة العربية المركز الأول، من حيث اللغات الأكثر استخدامًا من قبل عناصر تنظيم منشقي القاعدة، على الإنترنت، بنسبة بلغت 73%، تلتها اللغة الإنجليزية بنسبة 18%، وجاءت اللغة الفرنسية في المركز الثالث بنسبة 6%، ولم يتعدى نسبة استخدام أي لغة أخرى 1%.

وأضاف التقرير أن التنظيم الإرهابي، أضاف اللغة الروسية لوجود عدد من عناصره من الشيشان وأوزبكستان وداغستان يجيدون اللغة الروسية، ليحاور الشباب من تلك المناطق بلغتهم لنشر الأفكار الإرهابية وتوصيل رسالتهم إلى تلك الفئة من الشباب الناطق بالروسية.


مواضيع متعلقة