وزارة الفساد.. الزراعة سابقاً!

آمال عثمان

آمال عثمان

كاتب صحفي

حالة من التفاؤل والأمل انتابت المصريين بعد المعركة الضروس التى تخوضها الدولة ضد سرطان الفساد المستشرى فى ربوع مصر المحروسة، والزلزال العنيف الذى أطاح بعدد لا بأس به من الفاسدين واللصوص والمتاجرين بأموال الشعب، فلم يكن أحد يظن أن قطار التطهير السريع سيلحق بأحد الوزراء، وأن نسمع فى يوم من الأيام عن تحقيق مع وزير فى الحكومة بتهمة الفساد!! ولكن خبر القبض على صلاح هلال، وزير الزراعة، الذى استيقظ عليه المصريون أكد قدرة الحكومة على ضرب رؤوس الأفاعى فى أكثر الوزارات وأعرقها فساداً، وأعاد للشعب الثقة فى عزم المسئولين على تطهير الدولة من فساد عشش سنوات طويلة فى أرجائها، وبعث برسالة للجميع مفادها أن لا أحد فوق القانون، وأن الآخرين دورهم مقبل لا محالة، وعلى الجميع أن يراجع حساباته قبل فوات الأوان!!

إننى أدرك التاريخ الطويل لنهب أراضى الدولة، وميراث الفساد الثقيل الذى ينخر أوصال وزارة الزراعة منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويلطخ اسم وشرف كل من تولى تلك الحقيبة الوزارية فى هذه الفترة التى شهدت كل صنوف الفساد وأشكال التربح، وصارت العمولات والرشاوى جواز المرور إلى إمبراطورية نهب الأراضى، وبات استغلال النفوذ وتفتيح المخ هو سيد الموقف ومفتاح أبواب الوزارة! فلم تعرف مصر طوال تاريخها مثل هذا الحجم من عمليات السلب والنهب والاستيلاء على أراضى الدولة، وتحويل مئات الآلاف من الأفدنة إلى منتجعات سكنية وسياحية تضم قصوراً وفيلات وأندية ترفيهية وحمامات سباحة ومولات تجارية، وما خفى أعظم!!

لقد شاءت الظروف أن أتولى مسئولية تغطية أخبار تلك الوزارة لمدة عام فى بداية عملى بجريدة «أخبار اليوم» منذ أكثر من ربع قرن، عرفت خلالها كيف تدير شبكة الفساد إمبراطورية الأراضى، وكيف يتم شراء وبيع الأراضى باسم الأصدقاء والمعارف والمقربين من الوزير، وتصل لهم الأرباح «دليفرى» إلى أبواب منازلهم، وكيف يتربح أصحاب النفوذ والسطوة والهيلمان من وراء عمولات تخليص الاستيلاء على الأراضى وتخصيص آلاف الأفدنة، ولمست عن قرب حجم الفساد المهول الذى تعج به دهاليز وأروقة تلك الوزارة ومراكزها البحثية وهيئاتها، وكيف يتاجر كبار المسئولين فيها بصحة وحياة وقوت الشعب المصرى، ولأن المستندات التى تحصلت عليها من شرفاء الوزارة لم تكن تقوى على الصمود أمام تلك الشبكة العنكبوتية الفاسدة التى تهيمن على مقاليد العمل فى الوزارة، ولأن حجم الفساد وقوته كان أكبر من قدرتى على التصدى له آثرت الهروب سريعاً من هذا المستنقع، ونجوت بنفسى من ذلك العالم الملوث.

وقد ظننت أن تلك المنظومة الفاسدة انهزمت وتفككت بعد رحيل د. يوسف والى، والقبض على ابنه المدلل المحكوم عليه فى قضية استيراد المبيدات المسرطنة، ولكن يبدو أن قوة الفساد أكبر من أى مسئول جلس على كرسى الوزارة، وأن طوفان الإغراءات أشد وطأة من قدرة أى مسئول على الصمود أمامه!! ولكن لعنة الفساد طالت الجميع وخرج فريد أبوحديد بشائعات عن مخالفات واستغلال نفوذ، ولم يسلم سلفه عادل البلتاجى من الاتهامات والشائعات والبلاغات لسلطات التحقيق، والاستعانة بعشرات المستشارين من رجال يوسف والى!!

أما الأمر الذى يدهشنى ويحيرنى حقاً، فهو قدرة الشخص الذى يدعى «محمد فودة» سمسار الفساد والرشاوى على خداع كل هؤلاء المسئولين والإعلاميين، وتمكنه من الوصول إلى قمة المجتمع فى كل العصور، والتنكر فى رداء رجل الأعمال والكاتب الكبير، بعد قضائه خمس سنوات خلف القضبان بتهم عديدة تتعلق بالكسب غير المشروع، وغيرها من التهم المخلة بالشرف!!

وللحديث بقية..