الهروب إلى الموت.. عصابات تهريب شباب مصر إلى ليبيا

كتب: محمد الخولى وأحمد العميد

الهروب إلى الموت.. عصابات تهريب شباب مصر إلى ليبيا

الهروب إلى الموت.. عصابات تهريب شباب مصر إلى ليبيا

حينما يخيم الليل على سماء حدود مصر الغربية تبدأ رحلات تهريب العمالة المصرية إلى ليبيا، بواسطة «مافيا» منظمة تستغل حاجة الشباب المصرى للعمل وتلقى بهم فى غياهب الصحراء الجرداء على أمل دخول ليبيا بعد أن منعت السلطات المصرية السفر لاضطراب الأوضاع الأمنية هناك، شباب فى مقتبل العمر تفتك بأجسادهم ألغام من مخلفات الحروب، وتطولهم رصاصات حرس الحدود أثناء السير ليلاً فى الصحراء، تفاقمت ظاهرة التسلل إلى ليبيا، ووصلت ذروتها خلال الشهور الماضية حيث ألقت قوات الأمن القبض على ما يقرب من 48 ألف متسلل منذ شهر فبراير من عام 2014 حتى الآن.

{long_qoute_1}

«الوطن» أجرت تحقيقاً استقصائياً كشفت خلاله بالصوت والصورة «مافيا» تستغل الشباب المصرى وتقودهم فى رحلة الموت للتسلل عبر الحدود إلى ليبيا. يوثق التحقيق الذى تم تنفيذه بين مدينتى سيوة والسلوم الحدوديتين، كواليس الاتفاق مع المهربين وأماكن تجمعهم الرئيسية والطرق التى يسلكونها فى الظلام سيراً على الأقدام أو داخل سيارات الدفع الرباعية، كما يوثق روايات العمال المصريين الذين خاضوا تجربة السفر مع المهربين فى صحراء سيوة والسلوم وتعرضوا للموت خلال رحلتهم على الحدود.

لا ينقطع بكاء سورية محمد عبدالرازق على ابنها الوحيد إسلام مدكور، منذ أن لقى حتفه فى ليبيا التى سافر إليها بصورة غير شرعية باحثاً عن مصدر للرزق، وهارباً من نار البطالة فى مصر. «استلفنا فلوس من الناس عشان يعمل جواز السفر لأنه كان أول مرة يسافر، قلت له خليك هنا جنبنا يا إسلام، قال لى: يا أمه أنا عايز أشتغل وأعمل لك كل اللى تتمنيه» بصوت متقطع يتخلله البكاء تروى السيدة قصة ابنها الشاب ويدها قابضة على جواز سفره الذى لا يحمل تأشيرة دخول إلى ليبيا: «ابنى اتقتل فى ليبيا، طلع عليه ناس ضربوه وأخدوا منه فلوسه.. باشوفه كل يوم فى المنام بيقولى يا أمه إنتى وحشتينى قوى».. بعد موت «إسلام» انقطع مصدر دخل «سورية»، لم تستطع أن تجد مساراً قانونياً للحصول على معاش عن ابنها، لأنه سافر دون توقيع عقود رسمية مع جهة عمل محددة ربما كفلت له تأميناً على حياته.

{long_qoute_2}

بصورة غير شرعية سافر «إسلام» إلى ليبيا داخل خزان وقود سيارة نقل ثقيل، نفس الطريقة التى سافر بها عدد من أبناء قريته «تلبانة» التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، قُتل عدد منهم بعد دخولهم الأراضى الليبية، ونجا آخرون ظلوا يعملون فى ليبيا، وعادوا بعد اندلاع أعمال عنف وصراع بين الجماعات الليبية، عباس محمد عباس واحد من هؤلاء الشباب. تخرج فى كلية الشريعة والقانون، يروى: «سافرت بعد إسلام بأسبوع فى تانك عربية نقل ثقيل مع نفس السواق اللى سفر إسلام، دفعت له ألفين جنيه، وقعدت 4 أيام فى الطريق لليبيا، قبل جمرك السلوم دخلنى السواق فى تانك البنزين وقعدت فى التانك 24 ساعة داخل أرض الجمرك، وعديت ليبيا واشتغلت شوية، وبعدين رجعت مصر بنفس الطريقة مع نفس السواق».

محرر «الوطن» أثناء خروجه من المنطقة التى يتجمع فيها العمال قبل تسللهم إلى الحدود

أما صالح عيد، من قرية تلبانة، الذى عاد من ليبيا منذ عدة أشهر، فيؤكد أنه كان يعرف سائقين ليبيين يتاجرون فى ملصقات ورقية وطوابع مدون عليها صور مزورة لتأشيرات وإقامات المصريين، يقول: «فيه سواقين ليبيين كانوا بيتفقوا مع سماسرة ومهربين فى مدينة السلوم وبيدوهم الطوابع دى مقابل مبلغ مالى، وأعرف ناس منهم كانوا زملائى من ليبيا».

ومن «تلبانة» إلى «فيشا»، القرية الصغيرة التابعة لمركز المحمودية بمحافظة البحيرة، والتى دخل عدد كبير من شبابها إلى ليبيا بوثائق مزورة عبر منفذ السلوم البرى، قبل أن تحظر السلطات المصرية السفر إلى هناك على خلفية أحداث العنف التى وقعت خلال هذا العام. «م. ش» واحد منهم، طلب عدم نشر اسمه، اطلعنا على جواز سفره الذى يحتوى على تأشيرة عمل وأختام للمجلس الانتقالى الليبى وفيزا مزورة مؤرخة بـ25 أكتوبر عام 2013 هو نفس تاريخ إصدار الإقامة، والغريب أن «الفيزا» لا تحتوى على رقم التسجيل وموقعة من شركة وهمية تسمى شركة الصفا للمقاولات، حاولنا أن نبحث عن هذه الشركة فى ليبيا فلم نجد عنها أى معلومة. تحتوى الفيزا على ختم خروج رسمى من السلطات المصرية فى منفذ السلوم فى 29 أكتوبر عام 2013، وهذا يؤكد أن السلطات المصرية كانت تسمح بعبور حاملى التأشيرات المزورة من منفذ السلوم.

وثائق أخرى حصلنا عليها من الشباب الذين قابلناهم فى نفس القرية كانت شبيهة بهذه الوثيقة المزورة، يروى الشاب «م. ش» الذى خاض تجربة السفر بالفيزا «المضروبة» أنه اتفق مع سمسار من مدينة السلوم سهل له السفر مقابل 3 آلاف جنيه: «اتقابلنا فى منطقة سيدى برانى على كافيتريا فى الطريق قبل مدينة السلوم وأخذ السماسرة الباسبور منا وخلال ساعة رجعها مختومة وفيها طابع الفيزا والإقامة، ومكتوب فيها أننا هنشتغل فى شركة الصفا للمقاولات فى ليبيا ومانعرفش الشركة ولا نعرف مكان للإقامة، دخلنا من منفذ السلوم البرى مع السمسار من قبيلة معروفة والشرطة شافت الباسبور وعديتنا من الجمرك المصرى وفى الجمرك الليبى السماسرة دفعوا فلوس وعدونا ودخلنا ليبيا».

منذ شهر فبراير من عام 2015 منعت السلطات المصرية سفر العمال المصريين إلى ليبيا بصورة شرعية بعد أن ذبح تنظيم داعش المتشدد 20 عاملاً مصرياً من الأقباط، على أثرها انسحب التمثيل الدبلوماسى المصرى من ليبيا، وأصبح الخطر يحاصر المصريين الموجودين هناك.

{left_qoute_1}

طبقاً للأرقام الرسمية التى حصلنا عليها من مديرية أمن مطروح بلغ عدد العائدين عبر منفذ السلوم البرى 56 ألف عامل مصرى، منهم 22 ألف عامل دخل بصورة غير شرعية إلى ليبيا و34 ألف عامل دخلوا بصورة شرعية.

وطبقاً للأرقام الرسمية الدورية التى تصدر عن وزارة الداخلية فإن عدد المتسللين إلى ليبيا المقبوض عليهم منذ منتصف شهر فبراير من عام 2014 حتى نهاية شهر أغسطس من هذا العام، وصل إلى أكثر من 55 ألف متسلل بين مصر وليبيا، منهم 10 آلاف تم ضبطهم أثناء التسلل من مصر إلى ليبيا، و45 ألف متسلل تم ضبطهم أثناء التسلل من ليبيا إلى مصر، وتؤكد الأرقام الرسمية الصادرة عن مديرية أمن مطروح أن عدد المصريين الذين عادوا من ليبيا عبر منفذ السلوم منذ 16 فبراير 2015، وصل إلى 76 ألف مصرى، منهم 30 ألفاً دخلوا ليبيا بصورة غير شرعية.

تمثل هذه الأرقام مؤشراً خطيراً على حجم التسلل إلى ليبيا، وتؤكد أن هجرة المصريين بحثاً عن الرزق تحولت إلى ظاهرة، خاصة بعدما ارتفعت نسبة البطالة فى البلاد لتصل إلى 13%، كما أن حظر السفر إلى ليبيا فى ظل ارتفاع نسبة البطالة دفع الشباب للسفر عبر الطرق غير الشرعية، إما بحراً أو براً.

عمال ينتظرون حلول الليل للتسلل

المخاطر التى يتعرض لها العمال المصريون المتسللون لا تقف عند عبور الحدود بل تمتد إلى تعريض حياتهم للخطر داخل ليبيا نظراً للأوضاع الأمنية المضطربة وصراع الجماعات المسلحة، كما أن العمال المصريين المتسللين لا يوقعون عقود عمل رسمية تحفظ حقوقهم ولا يحصلون على تأمين ضد المخاطر، كما لا توجد سفارة رسمية يستطيعون أن يلجأوا إليها فى حالة الخطر.

قبل شهرين وصلت معلومات لقوات حرس الحدود المصرية بمنطقة السلوم فى غرب مصر تفيد بأن عدداً كبيراً من الشباب كانوا بصحبة مهرب فى طريقهم إلى ليبيا، تركهم المهرب فى الصحراء بعد أن جمع منهم المال، وفى الليل بدأت قوات الجيش عمليات بحث مكثفة عنهم لتجد الشاب العشرينى أحمد صلاح ملقى فى الصحراء تغمره الرمال بعد أن فارق الحياة، كان بحوزته جواز سفر يشير إلى أنه من قرية ريفية بمنطقة أبشواى بمحافظة الفيوم، فى نفس الرحلة التى قتل فيها الشاب العشرينى كان معه عدد من زملائه الذين نجوا من الموت، (م. س)، أحد الشباب الذين كانوا بصحبة «صلاح»، وافق أن يدلى بشهادته مشترطاً عدم ظهور صورته، يقول: «أحمد طلع معايا من الفيوم يوم جمعة فى شهر أبريل، اتفقنا مع سمسار من الفيوم على أنه هيسفرنا بـ6 آلاف جنيه وأخدنا فى عربية ميكروباص وسلمنا لمهربين فى السلوم، وطلعنا المهرب بالليل من بيت كنا فيه على الحدود فى السلوم كنا خمسين نفر من محافظات مختلفة، ومشينا خمس ساعات فى الليل من غير توقف ولما اقتربنا من الحدود قال لنا امشوا فى الاتجاه ده هتدخلوا ليبيا، سابنا المهرب فى الصحرا مش عارفين نروح فين؟.. بدأنا فى السير بصورة عشوائية وتشتتنا فى اتجاهات مختلفة جزء منا مشى مسافة طويلة بدون الوصول لمكان فيه سكان، فقرر يرجع تانى فى نفس الاتجاه اللى مشينا فيه وجزء فضل مكمل فى الاتجاه اللى قال لنا عليه المهرب، أحمد صلاح رفض الرجوع معايا وكمل فى طريقه، وأنا رجعت وسمعت خبر وفاته بعدها بيومين».

حاولنا التواصل مع أسرة «أحمد» ضحية مافيا التهريب، لكن أسرته المكونة من خمسة أشخاص رفضت رفضاً قاطعاً خوفاً من الملاحقة الأمنية أو «تشويه» سمعة العائلة، قررت الأسرة البسيطة أن تعيش فى صمت إلى الأبد.

انتشار ظاهرة موت الشباب المصرى المتسلل إلى ليبيا عبر حدود مصر الغربية دفعتنا إلى الاقتراب أكثر نحو منطقة الخطر لنرصد بوضوح مظاهر هجرة العمال المصريين إلى ليبيا، قطعنا مسافة 700 كيلو من مدينة القاهرة فى اتجاه الحدود الغربية وبدأنا رحلة التقصى بين منطقة سيوة والسلوم ومطروح لأنها بؤرة التهريب الرئيسية ومرتكز سماسرة الهجرة غير الشرعية.

{left_qoute_2}

300 كيلومتر تفصل بين مدينتى مرسى مطروح وسيوة الحدودية، فى الطريق تنتشر كمائن قوات حرس الحدود التى تشدد الرقابة على دخول سيارات الميكروباص التى تحمل عمالاً من خارج مدينة سيوة، وفى طريقنا حصلنا على معلومات تفيد بأن قوات حرس الحدود المصرية وقسم شرطة سيوة ألقيا القبض على 145 متسللاً فى عدد من القرى الحدودية التابعة لمدينة سيوة، ليس من بين المتسللين مهربون أو سماسرة، نجحنا فى التواصل مع بعض المصادر الرسمية لنستطيع الحديث مع الشباب المصرى المقبوض عليه، الذى تم احتجازه لليلة كاملة فى قسم شرطة سيوة، وحصل على إخلاء سبيل من النيابة، حصلنا على موافقة من الشباب بالحديث معهم بعد أن أفرج عنهم، وكان دافعهم فى الحديث معنا أن ينقلوا تجربتهم السيئة والخطيرة لمن يفكر فى السفر إلى ليبيا بالتسلل عبر الحدود.

يروى الشاب العشرينى أحمد جابر سعيد، الذى قبضت عليه قوات حرس الحدود أثناء محاولة تسلله إلى ليبيا، أنه اتفق مع أحد من السماسرة فى بلدته بمحافظة الفيوم على أن يدفع له 8400 جنيه مقابل توصيله بالمهربين من أحد القبائل الشهيرة فى منطقة مطروح لتسهيل تسلله إلى ليبيا عبر مدينة سيوة، بدأ الشاب فى رواية قصته المثيرة: «خرجنا من البلد فى عربية ميكروباص.. كنا 30 نفر، جينا على مطروح وقعدنا ليلتين هناك وجالنا المهرب وركبنا فى عربيات وصلتنا سيوة، وكان بيعدى من ورا الكماين فى الجبل، لما دخلنا سيوة قعدنا فى بيت فى مكان فيه زراعة مانعرفوش، وبالليل جالنا اتنين مهربين عشان هياخدونا يعدونا الحدود، مشينا وراهم فى الصحرا ساعة وفجأة لقينا المهرب بيقول لنا فى دورية من الجيش ناموا على الأرض، واختفى المهرب وسابنا، لقينا كشافات نور بتضرب فينا من بعيد، وعساكر عمالة تضرب نار فى الهوا، جرينا فى الصحرا والعساكر جريت ورانا وهمّا بيقولوا (اثبت مكانك) ويضربوا نار فى الجو، تعبنا من الجرى وقفنا وسلمنا نفسنا للجيش، بصراحة الجيش عاملنا كويس وجمع شنطنا من الرمل وأخدنا أكلنا وشربنا ورحلنا على قسم شرطة سيوة».

محرر «الوطن» مع أحد العائدين من ليبيا

يواصل الشاب الذى يعانى من عدة أمراض منها فيروس سى ويشق بطنه آثار جرح عميق: «أنا شايل الطحال وعندى فيروس سى.. وعارف إن أنا كده كده ميت فى مصر ميت بره مصر ميت.. هنعمل إيه بس المعيشة صعبة قوى».. يصمت الشاب وينهمر فى بكاء حاد يضيف ودموعه تغطى وجنتيه: إحنا من الأرياف وماحدش حاسس بحد، أبويا مريض بالكبد وبيتعالج ومعاشه 400 جنيه وإخواتى تسعة صغيرين عايز أصرف عليهم فى التعليم».

حسنى عبدالفتاح، 16 عاماً، كان ضمن المجموعة التى ألقى القبض عليها، لم يكن بحوزته جواز سفر أو حتى بطاقة شخصية، ارتدى جلباباً بسيطاً، وجلس مع أقاربه الذين اصطحبوه من قرية الشيخ مسعود بمركز العدوة بالمنيا، للعمل معهم فى ليبيا، تحدث «حسنى» عن محاولته السفر قائلاً: «أنا كنت عايز أسافر عشان أشتغل فى ليبيا، عندى أخين وأنا أكبر واحد فيهم، أبويا مكانش عايزنى أسافر قال لى اقعد، لكن أنا قلت له لازم أسافر، وسافرت واتقبض علينا فى الطريق وأنا كنت خايف من ضرب النار علينا على الحدود لما الجيش مسكنا، تعبت فى الطريق من غير أكل ولا شرب، وتوبة ومش هسافر تانى كده».

لم تختلف روايات الشباب المقرر الإفراج عنهم كثيراً، لكن القاسم المشترك بين كل الروايات أن البطالة والفقر وعدم توفر فرص عمل فى مصر دفعهم إلى المخاطرة بحياتهم والتعرض للموت فى سبيل الرزق، خاصة بعد عودتهم من ليبيا فى عملية النزوح الجماعية التى حدثت خلال بداية العام الحالى، فلم يجدوا عملاً فى مصر، وقرروا العودة مرة أخرى إلى ليبيا، منهم الشاب محمد عبدالكريم، من قرية أشروبة بمدينة بنى مزار بمحافظة المنيا الذى حاول ثلاث مرات الدخول إلى ليبيا بصورة غير شرعية وقبضت عليه قوات حرس الحدود مرتين ونجح فى الدخول والعمل فى ليبيا فى المرة الثالثة، لكنه عاد بعد حوادث العنف الأخيرة ولم يجد عملاً فى مصر فقرر محاولة التسلل للمرة الرابعة لكنه فشل وتم القبض عليه وأخلت النيابة سبيله.

لم يكن الشاب العشرينى قد أنهى إجراءات خروجه من قسم شرطة سيوة، لكنه كان يفكر فى محاولة التسلل مرة أخرى عسى أن ينجح فى الدخول، يقول: رغم إنى اتمسكت مرتين قبل كدة، لكن هحاول أسافر تانى وأتفق مع سمسار من مطروح يسفرنى، أنا مابعملش حاجة تضر بلدى، أنا عايز آكل عيش، وعارف إن لو الجيش المصرى أو الشرطة قبضوا عليا تانى وثالث محدش هيئذينى».. حاول «محمد» الاتفاق مع مهرب آخر فى مدينة مطروح بعد الإفراج، غير أننا لم نستطع التواصل معه.

{left_qoute_3}

فى مدينة سيوة، تشتهر قريتا «المراقى»، و«بهى الدين» بأنهما ممران رئيسيان لتهريب العمالة والبضائع والمخدرات إلى ليبيا، فهما آخر القرى الحدودية الغربية فى مصر، فى اتجاهنا لقرية المراقى التى تبعد حوالى 30 كيلو عن مدينة سيوة، تشير لافتة أثرية فى أول القرية إلى أنها هى من آخر القرى على الحدود المصرية، منازل تنتشر فى القرية على جانبى الطريق، ومزارع نخيل على أطراف القرية تحتوى على منازل قليلة متناثرة على مد البصر غالباً ما تستخدم هذه المنازل لتخزين البضائع والعمال الذين يستعدون للتهريب، فهذه المنازل آخر محطة قبل الدخول إلى ليبيا، يشير عبدالسلام أبوقاسم عبدالسلام، من سكان قرية المراقى التى تبعد عن الحدود الليبية 20 كيلو، أنه بعد ثورة 25 يناير كان المهربون ينتشرون فى أسواق وشوارع المدينة، بأعداد كبيرة، كانوا يهربون كافة البضائع والأشخاص، كانت الحياة فى المراقى، وبهى الدين صعبة لعدم وجود عمل ودخل لكل شباب المنطقة، فقرر بعضهم العمل فى التهريب.

يروى الرجل الأربعينى مشاهد تتعلق بتهريب العمالة، ويؤكد أنه خلال الفترة الأخيرة أصبح تهريب العمالة مكثفاً حيث تجوب سيارات دفع رباعية المنطقة ليلاً استعداداً لتهريب العمالة والبضائع، يقول: «رغم ذلك نشاهد طيارات الجيش المصرى تطير فى السماء وتراقب الحدود جيداً، وتقصف من يحاول المرور من السيارات وتقبض على من يحاول التسلل».

فى طريق العودة من قرية المراقى، وفى وقت متأخر بعد منتصف الليل، بدا واضحاً أن هناك حركات غريبة على الطريق الرئيسى المؤدى للقرية، فالطريق شديد الظلام يقف عليه عدد من سيارات دفع رباعية ويقف حولها أشخاص ملثمون، وتضىء كشافات السيارات الأمامية «العالى» حتى يشتتوا أنظار المارة بالإضاءة الشديدة، وبمجرد أن يشاهد هؤلاء سيارات غريبة عن المكان يبدأ الشك والتخوف والاستعداد للتحرك والاختفاء عن الأنظار.

أحمد بكرين، أحد العاملين فى مجال سياحة السفارى فى سيوة، وعلى دراية كبيرة بالدروب والمدقات الصحراوية، يروى أن المهربين يعتمدون على سيارات دفع رباعية تحمل العمال وتنقلهم داخل الصحراء حيث تسير ساعة فى دروب رملية وجبال ومنحدرات وتلقى العمال لتسير ليلاً وتكمل التسلل سيراً على الأقدام. يشير الرجل إلى أن قوات حرس الحدود منعت سير رحلات السفارى فى المناطق التى تتاخم الحدود حتى لا يتعرضوا لقصف طائرات الجيش.

فى طريقنا إلى مدينة السلوم على بعد 500 كيلومتر غرب منطقة سيوة، حصلنا من الشباب الذين التقيناهم من المضبوطين أثناء التسلل على أماكن وجود المهربين ونقطة الارتكاز الأساسية التى تجمعهم، حيث أكدوا أن «كافيتريات» منطقة سيدى برانى هى الملتقى الرئيسى للمهربين والسماسرة، تحركنا فى اتجاه «برانى» قبل دخول مدينة السلوم بـ80 كيلومتراً تعسسنا ليلاً فى 10 «كافيتريات واستراحات» منتشرة على الطريق، واكتشفنا أن هذه الكافيتريات ملتقى رئيسى لسيارات الميكروباص المقبلة من كافة ربوع مصر حاملة الشباب الذى سيدخل إلى ليبيا مهرباً، المكان مفتوح أمام من يريد الاستراحة على الطريق، دخلنا لنرصد طبيعة المكان الذى تتوالى عليه سيارات الميكروباص حتى فى ساعات متأخرة من الليل، أرقام السيارات تشير إلى أنها من محافظات مختلفة، ومن خارج محافظة مطروح، أشخاص يرتدون زى «عرباوى»، صديرى وجلباب، يتحدثون مع أشخاص يبدو من زيهم ولهجتهم أنهم من خارج السلوم. أمام هذه الكافيتريا سبع سيارات ميكروباص تحمل شباباً داخلها، يتحدث أحد السماسرة من سائقى السيارات الميكروباص بالمهرب تليفونياً أمام مدخل الكافيتريا بمنتهى الأريحية يقول له: «إنت طالع الليلة؟.. أنا باعت لك 8 فى الطريق دلوقتى».

نظرات الريبة كانت تحاصرنا من كل اتجاه، فداخل هذه الكافيتريا تترقب عيون مدربة الحركة داخل وخارج الكافيتريا، كنا موضع شك ونظرات حادة من قبل الجالسين وأصحاب الكافيتريا، خاصة أننا نوثّق هذه اللحظات داخل الكافيتريا بأدوات تصوير سرية قد تلفت انتباه الجالسين، قررنا أن ننسحب بهدوء ونكمل الطريق نحو مدينة السلوم، كان من الواضح أن الوجود الأمنى ضعيف على أطراف مدينة السلوم، لأن السماسرة والمهربين كانوا يجتمعون علناً ليديروا عمليات التهريب على بعد قليل من المدينة بمنتهى السهولة واليسر.

السلوم مدينة صغيرة تحدها هضبة مرتفعة وبحراً لا تهدأ أمواجه، هذه المدينة التجارية ضربها الكساد وانعدم دخل الشباب الذى كان يعتمد على التجارة من وإلى ليبيا عبر منفذ السلوم البرى، يشير العمدة سعيد أبوزريبة، عمدة السلوم، منسق لجنة مصالحة القبائل المصرية الليبية أن إغلاق المنافذ دفع عدداً محدوداً من أبناء السلوم والمناطق المجاورة لها لسلك الطريق غير الشرعية لكسب المال السريع، ويضيف قائلاً: «سيدى برانى تمثل أكبر ارتكاز للمهربين، والتهريب لا يكون من داخل السلوم فقط، بل هناك طرق تهريب عبر 200 كيلو فى الصحراء من مدينة مطروح حتى السلوم».

يروى لنا الرجل الذى تربطه علاقات قوية مع قوات الجيش والشرطة أنه حضر عملية التحقيق مع 120 من المتسللين غير الشرعيين فى إحدى المناطق العسكرية الحدودية بالسلوم يقول العمدة: «كل الشباب حالتهم فقيرة، اللى بايع جاموسة عشان يتفق مع مهرب يضحك عليه ويرميه فى الصحرا، الشباب حالتهم صعبة اللى بايع أرض واللى استلف فلوس من جيرانه».

بدأنا نخطط للاتفاق مع أحد المهربين فى مدينة السلوم لنرصد تفاصيل أكثر، كنا قد حصلنا من الشباب المقبوض عليه فى سيوة على بعض أرقام لسماسرة ومهربين من مدينة مطروح والسلوم، قررنا أن نخوض مغامرة لنكشف أطراف مافيا الهجرة غير الشرعية التى تستغل الشباب المصرى الفقير، انتحل المحرر صفة شاب يريد الدخول والعمل فى ليبيا، ويريد أن يساعده أحد من السماسرة على ذلك مقابل المبلغ الذى يطلبه، تواصلنا مع عدد من المهربين تليفونياً منهم من تخوف وتحفظ فى حديثه وأنكر أنه مهرب أو سمسار، ومنهم من استجاب، أخيراً عثرنا على أحدهم وتواصلنا معه.. أحد الأشخاص ذو لهجة بدوية، يرد علينا فى التليفون:

- المحرر: مرحباً

- المهرب: يا مرحباً..

- المحرر: كنت عايز أسافر ليبيا ومعايا 3 من زمايلى يا شيخ.

- المهرب: رايح فين فى ليبيا؟

- المحرر: رايح على طبرق..

- المهرب: معاك جواز سفر؟..

- المحرر: لأ مش معايا.

انتهت المكالمة بتحديد ميعاد مع المهرب لمقابلته، والاتفاق معه على اللقاء على إحدى الكافيتريات، لكنه كان يخلف ميعاده وتكرر ذلك عدة مرات، قد يكون المهرب متخوفاً منا لأننا تواصلنا معه مباشرة فى التليفون ولم يرنا أو يتعامل معنا سابقاً.

أخيراً التزم المهرب معنا بالميعاد بعد أن استجوبنا فى التليفون كى يطمئن لنا، وأرسل لنا أحد أفراد عصابته فى المكان المتفق عليه فى المنطقة الساحلية على شاطئ السلوم وبدأ التفاوض معنا على تهريبنا إلى ليبيا داخل سيارته..

- المهرب: «أنا هوديك مساعد ومن مساعد تركب عربية توديك لغاية طبرق، وهشوف لك واحد من معرفتى يوصلك لغاية طبرق من مساعد.

- المحرر: بكام؟

- المهرب: بالنسبة ليا أنا لغاية مساعد هاخد منك ألف جنيه؟

- المحرر: هنعدى منين؟

- المهرب: هتعدى من الجبل، ومن الجبل تنزل على البحر ومن البحر تاخدك مركبة تنزلك لليبيا وبعد ما تركب العربية تجيبك المدينة.

- المحرر: من مساعد لطبرق مين هيوصلنى؟

- المهرب: هكلم لك واحد ليبى هناك يجبلك عربية من واحد تبعه ويوديك لحد طبرق.. هيقول لى من هنا لحد طبرق بقد كده.

- المحرر: هيبقى معانا حد تانى ولا لوحدينا؟

- المهرب: هيبقى معانا 30 لـ40 نفر تانى وهتركبوا كلكم وتمشوا من مطرح واحد، وهتعدى الحدود على رجليك مشوار نصف ساعة لساعة إلا ربع كده، تنزل فى المية تركب فلوكة، مركبة صغيرة تاخد 35 نفر ياخدك لغاية المدينة.. شوف نفسك كدا لو عايز تطلع الليلة على طول.. النهارده بعد المغرب أو العشاء كدا تمشى، شوف نفسك بعد العصر أو المغرب أوديك هناك تبيت.

فى نفس الليلة سلم المحرر نفسه إلى المهرب الذى أودعه فى أحد المنازل المهجورة التى يطلقون عليه مصطلح «المخزن»، ويبعد عن هضبة السلوم مسافة تقل عن كيلومتر واحد، قضى المحرر ليلة كاملة فى ترقب منتظراً ساعة الصفر، كان يوثق كل ما رصده داخل المكان بالصوت والصورة.

فى الصباح وصل «المخزن» أعداد أخرى من المسافرين وبدأت الأعداد فى تزايد، الشباب المقبل ذو لهجة «صعيدية» يرتدون «جلابيب» بسيطة ويجلسون يتبادلون طرف الحديث فى انتظار لحظة التحرك.

توافد على هذا المكان مجموعات تقدر بالعشرات وصلت فى نهاية هذه الليلة إلى 120 عاملاً تم إيداعهم فى غرف منفصلة، كل غرفة تحتوى على 15 شخصاً أو ما يزيد، كل شخص يحمل حقيبة سفر متواضعة تضم متعلقاته الشخصية، وبصحبة عدد يعرفهم من أصدقائه الذين سيسافر معهم فى رحلة الخطر، تبادلنا طرف الحديث مع عدد من الشباب فى الغرفة التى جمعتنا، أغلبهم لم يكمل تعليمه أو حصل على «دبلوم صناعى»، يقف شاب ثلاثينى يدعى «ناصر» دخل إلى ليبيا أربع مرات عن طريق التهريب فى شرفة مطلة على هضبة السلوم ليشرح ويطمئن عدداً من زملائه الذين يبدو عليهم أن هذه المرة الأولى لسفرهم، ويشير بيده قائلاً: «إحنا هنطلع بالليل الهضبة دى وهنمشى فى الصحرا، الطريق حلو والمعاملة تمام والمشى براحة لو تعبت بتقعد لو عطشت بتشرب لو جعت بتاكل، ممكن تقعد الليل كله مشى، إنت ممكن تقعد ماشى من 6 المغرب لـ6 الصبح، وممكن متكملش ساعة مشى، على حسب الطريق اللى السمسار هيخدك منه».

{long_qoute_3}

يشرح الشاب، ابن محافظة المنيا، الذى لم يكمل تعليمه أنه جرب السفر عبر طريق سيوة ونجح فى دخول ليبيا، لكنه لم يعد يفضل طريق سيوة: «سيوة ده أوسخ طريق، بتركب عربيات ويشدوا عليكم السبلة (حبل غليظ) كأنكم شوية خرفان، وبتنزل فى الصحرا تمشى لو تعبت، المهرب بيسيبك تموت وما بيعبركش».

لا يشغل بال الشباب المستعد للسفر رحلة العودة لمصر بقدر انشغالهم برحلة الدخول، فهم يعلمون أنهم سيدخلون مصر بعد رحلة العمل فى ليبيا بسهولة، لأن أغلبهم قد عاد مؤخراً بعد الاضطرابات الأخيرة، ودخل من منفذ السلوم إلى مصر بدون ملاحقات أمنية رغم أن جواز سفره لا يحمل أختام دخول ليبيا الشرعية، وما زال منفذ السلوم يستقبل أعداداً تتراوح بين 50 إلى 100 مصرى عائدين من ليبيا يومياً بعد أحداث العنف ومنذ إغلاق منفذ السلوم، درجة الاطمئنان فى رحلة العودة دفعت أحد الشباب داخل المخزن إلى أن يقول لزميل له بصوت حازم: «يا عم ترجع من الجمرك وتحط صباعك فى عين التخين، إيه يا عم أنا راجع بلدى حد ليه عندى حاجة، وكده كده لو اتمسكت وأنا بهرب على ليبيا هيرجعونا بلدنا».

قضى الشباب ليلة تبادلوا فيها طرف الحديث عن زملائهم الذين سبقوهم فى السفر إلى ليبيا عن طريق التسلل عبر حدود السلوم، تحدثوا عن أزمة العمل فى مصر، والدخول المنخفضة التى لا تعينهم على الإنفاق على أسرهم، كما تطرقوا فى سمرهم إلى روايات الرعب والخطر على أرض ليبيا خلال فترات عملهم السابقة.

فى ساعات متأخرة فى هذه الليلة جاء المهرب وأخبر الشباب داخل المخزن أنه تم تأجيل الرحلة إلى ليلة الغد، لأن لديه معلومة تفيد بأن هناك تشديدات أمنية على الحدود، لكن أخباره لم تلق قبولاً من الشباب، عبروا عن استيائهم بعد أن غادر، وقال أحدهم: «أكيد أجل الميعاد عشان منتظر مجموعة لسة هتيجى تسافر بكرة وعايز يطلعنا كلنا مع بعض بدل ما يطلعنا على مرتين».

بدأ الشك والريبة فينا داخل المخزن، خاصة أنه كانت بحوزتنا معدات تصوير سرية قد تثير فضول بعض الشباب الذى بدأ التعرف علينا، لذا بدأنا نفكر فى الانسحاب من هذا المكان بطريقة لا تعرضنا للخطر، تواصلنا مع المهرب وأوهمناه بأن أحد أقربائنا قد وافته المنية ويجب أن نغادر هذا المكان حالاً، فى الصباح خرجنا من المخزن بهدوء بعد أن حصلنا على موافقة المهرب، وانطلقنا فى اتجاه طريق العودة إلى مدينة مرسى مطروح كى نختفى عن الأنظار.

لا تمتلك السلطات المصرية رقماً دقيقاً بأعداد المصريين الموجودين فى ليبيا، لدخول أعداد كبيرة بطريقة غير شرعية لم تعلم عنهم الحكومة المصرية شيئاً إلا بعد عودة بعضهم عبر منفذ السلوم ودخولهم بدون ملاحقات أمنية، حيث اكتشفت وزارة الداخلية ممثلة فى مديرية أمن مطروح بعد تحليل معلوماتى لبيانات المصريين العائدين من ليبيا عبر منفذ السلوم أن من 35% قد دخلوا ليبيا بدون تأشيرة دخول قبل عام 2015، طبقاً للمعلومات التى أمدنا بها اللواء العنانى حمودة، مدير أمن مطروح، لكن هذا الرقم لا يمثل عينة دقيقة لنسبة المصريين الذين دخلوا بصورة غير شرعية إلى ليبيا خلال السنوات الماضية، خاصة أن عدداً كبيراً من المصريين رفضوا العودة حتى لا ينقطع مصدر دخلهم الوحيد رغم الظروف الأمنية الخطيرة التى تواجههم هناك.

واجهنا مدير أمن مطروح بوثائق السفر المزورة التى بحوزتنا والتى تعود لما قبل عام 2015 والتى تم منع السفر بعدها، حيث تؤكد التأشيرات «المضروبة» أنها مرت من منفذ السلوم البرى، لأنها حصلت على أختام رسمية صحيحة من المنفذ رغم أن التأشيرة والإقامة مزورة، جاء رد مدير الأمن: «مؤخراً تم دعم منفذ السلوم البرى بأجهزة حديثة للكشف عن وثائق السفر غير الصحيحة والمزورة».

مدير أمن مطروح يشدد على أن هناك قبضة أمنية حديدية على المنافذ والمعابر والحدود الغربية، ويشير إلى أن الهجرة غير الشرعية تزايدت بصورة كبيرة جداً بعد حظر السفر، موضحاً أنه يتلقى معلومات مستمرة عن مقتل أعداد كبيرة من العمالة المصرية التى تحاول دخول ليبيا، وتكون الأسباب مختلفة، منها انفجار لغم أرضى من مخلفات الحرب العالمية الثانية أو التيه فى الصحراء والموت جوعاً أو قتلاً برصاص حرس الحدود الليبيين.

يؤكد «حمودة» وجود رقابة صارمة على كل محاور وطرق ومدقات التهريب التى يسلكها المهربون، واجهنا مدير الأمن بما كان فى حوزتنا من وثائق بصرية وفيديو توضح حركة التهريب والمغامرة التى خضناها وتثبت أن هناك تقصيراً أمنياً فى إحكام السيطرة الأمنية داخل مدينة السلوم تحديداً، علق مدير الأمن قائلاً: «إحنا بنتخذ سياسة الضربة الاستباقية للمهربين، ونقبض يومياً على أعداد كبيرة منهم، مع المهاجرين غير الشرعيين، لكن الهجرة غير الشرعية تزايدت بصورة كبيرة هذه الأيام ونحن نضع خططاً لتشديد القبضة الأمنية، لتصل إلى إحكام السيطرة على كل منافذ التهريب».

اللواء عنانى حمودة أثناء حديثه لـ«الوطن»

من جانبه، يؤكد السفير بدر عبدالعاطى، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية أنه لا يوجد إحصاء رسمى بأعداد المصريين فى ليبيا، لكن يقدر أعداد المصريين الذين دخلوا بصورة شرعية بحوالى 700 ألف مصرى، يعملون فى مجالات مختلفة، يؤكد «عبدالعاطى» أنه لا توجد سفارة فى طرابلس أو قنصلية عامة فى بنغازى، وتم سحب كل الممثلين الرسميين من ليبيا خلال الفترة الماضية، لعدم استقرار الأوضاع فى ليبيا خاصة بعد ظهور نشاط الجماعات الإرهابية التى أصبحت تعرض حياة المصريين للخطر، ويقول: «هناك تقديرات بأن هناك 20 مليون قطعة سلاح فى ليبيا أى أن كل مواطن ليبى يحمل 6 قطع سلاح وهذا مؤشر خطير على احتمالية تنامى العنف أكثر من الوقت الراهن».

بعد سحب التمثيل الدبلوماسى المصرى من ليبيا انحصر دور مصر هناك فى التواصل مع شيوخ القبائل الليبية، بالإضافة إلى التنسيق مع الحكومة الليبية الشرعية التى يقتصر نفوذها على الجزء الشرقى من ليبيا فقط طبقاً لحديث المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية المصرية، حيث أكد أن الحكومة قامت بإجلاء 20 ألف مصرى ممن يرغبون فى العودة إلى مصر منذ شهر أغسطس عام 2014 عبر مطار رأس جدير فى تونس.

طبقاً لتأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية فإنه لا يوجد ميعاد محدد لرفع حظر السفر الرسمى إلى ليبيا، لأن هذا مرهون باستقرار الأوضاع فى هناك، وهذا مؤشر يشير إلى استمرار وازدياد ظاهرة تسلل العمالة المصرية عبر الحدود.

وفى نهاية حديثه، يناشد السفير الشباب المصرى قائلاً: «أرجوكم لا تسلكوا الطريق غير الشرعى وتتسللوا إلى ليبيا حفاظاً على أرواحكم، لا تقلقوا محدش بيموت فى مصر من الجوع».

حديث المسئولين لم يشر إلى حلول لظاهرة تسلل العمالة المصرية إلى ليبيا، واستغلالهم من مافيا وسماسرة التهريب، فلم تستطع الحكومة أن تمنع السفر الرسمى لتفتح أبواب السفر الخلفية أمام الشباب الذى تقتله البطالة ولا يجد مفراً سوى المخاطرة بحياته فى سبيل الرزق.

تُحمل الدكتورة سوسن فايد، مستشار المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، الحكومة مسئولية تعرض الشباب للموت فى صحراء مصر مقابل الحصول على فرصة عمل فى ليبيا، حيث تؤكد أن التهميش والبطالة وإحساس الشباب بالمهانة تدفعهم للمخاطرة بحياتهم فى سبيل توفير نفقات المعيشة لأسرهم، وتشدد أستاذة علم الاجتماع على ضرورة توفير فرص عمل للشباب حتى لا يعرضوا حياتهم للخطر.


مواضيع متعلقة