حكم حبس الصحفيين وضرورة العفو

ماذا بعد صدور حكم محكمة جنايات القاهرة فى القضية المعروفة إعلامياً بـ«قضية خلية الماريوت»، المتهم فيها صحفيون مصريون وأجانب ينتمون لقناة «الجزيرة»، وقضت المحكمة بالسجن المشدد ٣ سنوات لـ٦ متهمين وبراءة اثنين آخرين؟اهتم العالم بهذه القضية باعتبار وجود اثنين من الأجانب (أسترالى وكندى)، وأيضا ينظر إلى هذه القضية على أنها مساس بحريات الرأى والتعبير لا سيما أن المتهمين فيها إعلاميون، فمنذ أن تم القبض عليهم فى مصر وحملات التضامن معهم لم تتوقف. صحيح أن هناك خطاً جوهرياً ارتكبته هذه المجموعة وهو عدم الحصول على إذن بالعمل فى مصر أو تصريح رسمى غير أن العقوبة جاءت مغلظة وليست كما كان يتوقع كثيرون فى دول العالم المختلفة الذين تابعوا القضية بأن تكون مثلاً الغرامة والإبعاد للأجانب.الموقف الرسمى للدولة تمسك بعدم التدخل أثناء نظر القضية وبأن هذه القضية بين يدى القضاء ولا يملك التدخل فى أعمال السلطة القضائية بموجب نصوص الدستور. وهذا اتجاه حميد فلا يجب أن تتدخل السلطة التنفيذية ويجب أن تحترم أحكام القضاء، لكن بعد صدور الحكم من المحكمة وهو واجب النفاذ فوراً لذلك تم احتجاز المتهمين وترحيلهم إلى السجن فوراً.ولا يملك إلا الرئيس سلطة العفو.الدستور المصرى لسنة ٢٠١٤ نص فى المادة ١٥٥ على أن لرئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى مجلس الوزراء، العفو عن العقوبة. ويفهم من هذا النص أن رئيس الجمهورية يعفو عن العقوبة أياً كانت كلياً أو جزئياً دون أى شروط طالما أنها واجبة النفاذ، إذ لا معنى للعفو عن عقوبة لا تنفذ أو موقوفة، أى أن الحكم يجب أن يكون نهائياً. وهناك سوابق حديثة فى هذا الأمر مثل عفو المجلس العسكرى عن أيمن نور وخيرت الشاطر ومحكوم عليهم فى قضايا الجماعة الإسلامية والجهاد. صلاحية العفو عن العقوبة غير العفو الشامل الذى هو وبنص المادة ١٥٥ يتطلب أن يصدر من البرلمان لأنه بمثابة إلغاء التجريم فى القانون لذلك هذا لا يملكه الرئيس ولكنه حق السلطة التشريعية، لذلك رغم العفو عن العقوبة فإن آثار الحكم تظل قائمة بمعنى أن الصادر له العفو لا يستطيع أن يترشح لمجلس النواب مثلاً إذا كانت العقوبة عقوبة جناية أو جنحة مخلة بالشرف إلا بعد رد الاعتبار الذى يتم بعد مرور ٦ سنوات من انتهاء العقوبة، وهذا كان المانع من ترشح خيرت الشاطر وأيمن نور لرئاسة الجمهورية بعد ثورة يناير.قولاً واحداً: لا يعد إصدار رئيس الجمهورية قراراً بالعفو عمّا تبقى من العقوبة للمحكومين عليهم فى قضية «خلية الماريوت» تدخلاً فى عمل القضاء أو امتناعاً عن تنفيذ الحكم الجنائى ولكن هو استخدام لرخصة أقرها الدستور للرئيس وله أن يستعملها فيما يحقق المصالح المصرية العليا.ولا شك فى أن هذه القضية قد أخذت اهتماماً دولياً واسع النطاق، حتى إن الأمين العام للأمم المتحدة قد أعرب عن قلقه، وكثير من العواصم الغربية الكبرى علقت بقلق أيضاً رغم أن أحد المتهمين (بيتر)، وهو أسترالى الجنسية، لا ينفذ العقوبة، لكن محمد فهمى وهو كندى الجنسية دخل السجن، رغم أنه تنازل عن الجنسية المصرية إلا أنه فى الحقيقة أكد انتماءه الوطنى لمصر وتمسك بجنسيته المصرية.فى الحقيقة، الدستور المصرى أعلى من قيم حرية الرأى والتعبير، وأكد على إلغاء عقوبة الحبس أو السجن فى قضايا النشر، وهى مكاسب كبيرة وتعزز الحريات العامة فى مصر، فيجب أن يكون قرار الرئيس بالعفو انتصاراً لقيم الحرية.