"الحرس الثوري الإيراني".. "القوة الغامضة" في الشرق الأوسط

كتب: يسرا زهران

"الحرس الثوري الإيراني".. "القوة الغامضة" في الشرق الأوسط

"الحرس الثوري الإيراني".. "القوة الغامضة" في الشرق الأوسط

هو كيان يمزج بين عمل أجهزة المخابرات والقوات المسلحة والميليشيات التى تتحرك بحرية على الأرض، إلا أن قلة الدراسات الجادة المتاحة عنه، مضافاً إليها مبالغات الغرب، ودعايته هو نفسه لحجم قوته وخطورته، قد جعلت من الحرس الثورى الإيرانى منطقة غامضة، شائكة، لا نعرف فيها شيئاً عن رجاله، كيف يفكرون؟ ما الاستراتيجية التى يتحركون بها؟ كيف يخططون لحماية مصالحهم وضرب مصالح غيرهم على الأرض؟ ما مدى قوتهم؟ والأهم ما نقاط ضعفهم؟ كانت تلك الأسلئة هى محور دراسة صدرت عن كلية الحرب الأمريكية حملت عنوان: «نقاط ضعف يمكن استغلالها لدى الحرس الثورى الإيرانى».تقول الدراسة الأمريكية: «منحت قيادة الثورة الإسلامية فى إيران صلاحيات واسعة للحرس الثورى الإيرانى للدفاع عن مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، إلى الحد الذى تحول فيه الحرس إلى ما يشبه مركز الثقل والجاذبية لدعم أمن النظام الإيرانى كله، الأمر الذى جعل نفوذه يمتد ليسيطر على الاقتصاد والسياسات الداخلية والخارجية، إضافة لتحكمه فى كل صغيرة وكبيرة داخل المجتمع الإيرانى نفسه».وتضيف: «كانت هذه السلطات الواسعة التى تم منحها للحرس الثورى الإيرانى، مضافاً إليها عدم رقابة الدولة ولا سيطرتها على نشاطاته، نقطة قوة حقيقية تصب دائماً فى صالح الحرس الثورى والنظام الحالى الموجود فى طهران، إلا أن هذه السلطات الواسعة كانت أيضاً سبباً فى وجود العديد من الثغرات، أو نقاط الضعف التى يمكن استغلالها لمواجهتهم، إن أفراد الحرس الثورى الإيرانى يروجون لأنفسهم دائماً، خاصة فى الداخل، على أنهم حماة الثورة الأتقياء والمدافعون الحقيقيون عن الإسلام، على الرغم من أنهم فى الواقع ليسوا بهذه القوة ولا السطوة التى يروجون لها، فالحرس الثورى بشبكات مصالحه الواسعة، وتشعب رجاله والمتحدثين باسمه، عرضة للتفكك والاضطرابات الداخلية، وهو عرضة أيضاً لانكشاف عدم كفاءته فى كثير من الأمور، التى نتجت عن توسع سيطرته على العديد من أدوات السياسة الإيرانية داخلياً وخارجياً».وتواصل الدراسة: «لا يمكن فهم نقاط ضعف الحرس الثورى الإيرانى من دون أن نفهم أولاً الأسباب التى يستند عليها فى قوته، لقد تم تشكيل الحرس فى الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية على نظام الشاه فى السبعينات، وتم الإبقاء عليه لكى يستمر فى دوره فى الحفاظ على الثورة الإسلامية ومكتسباتها. كانت مهام الحرس الثورى، وعلاقته بباقى فروع القوة المسلحة الإيرانية، أمد يحدده القانون، ولكن، مع التأكيد على الطبيعة الأخوية التى تنسق التعاون بينهم، ووفقاً للمادة ١٥٠ من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن مهام الحرس الثورى وفقاً لنوايا المرشد الأعلى آية الله على الخمينى هى: احتواء أو تصفية العناصر المضادة والمعادية للثورة، والمواجهة المسلحة للثورة المضادة وعناصرها المسلحة كذلك، إضافة إلى حماية إيران من تحركات القوى الخارجية فى الداخل، ومساعدة الجمهورية الإسلامية على نشر الثورة، ودعم حركات التحرر ودعواتها للعدالة من أجل شعوب العالم التى تعانى من القمع، وذلك تحت إشراف وتوجيه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وكذلك توظيف خبرة الحرس الثورة وموارده البشرية فى التعامل مع الاضطرابات القومية والكوارث غير المتوقعة ودعم خطط التنمية فى الجمهورية الإسلامية لضمان زيادة موارد الحرس الثورى إلى الحد الأقصى».وتتابع: وإذا كان الخمينى قد أسس الحرس الثورى أساساً كجهاز للأمن الداخلى لحماية الثورة الإسلامية، فمن الضرورى إذن النظر إلى طبيعة هذا الدور الأمنى قبل بحث الأدوار الأخرى غير التقليدية للحرس الثورى، فى مجال السياسة الخارجية والاقتصاد والمعلومات والاستخبارات، لقد نجح «الخمينى» فى تدعيم سلطته بعد الإطاحة بالشاه، عبر مواجهة الثورة المضادة التى رآها من القوات المسلحة الإيرانية بواسطة الحرس الثورى الإيرانى، الذى كان أقرب إلى قوات مسلحة موازية تدين بالولاء له هو ومبادئه الثورية، ومن أجل الحفاظ على النظام الداخلى وقمع المعارضة، منح الخمينى صبغة رسمية للميليشيات الموالية له، التى انبثقت بعد الثورة، من خلال تشكيل قوات حملت لقب قوات «الباسيج».وتضيف الدراسة: «وعلى الرغم من أنه من المفترض قانوناً أن الحرس الثورى يعمل بالتنسيق مع القوات المسلحة الإيرانية التقليدية، ويخضع لقيادة مشتركة للإشراف على القوات الأمنية، فإن الواقع أن الحرس الثورى لا يخضع فعلياً إلا لعلى خامنئى القائد الأعلى للثورة الإسلامية، هذه الصلة المباشرة بالقائد الأعلى الذى يمنح دعمه الدائم للحرس الثورى، تجعل الحرس كياناً لا نظير له بين قوات الجيش، والمخابرات، وقوات الأمن الإيرانية، وليست مصادفة أن يكون وزير الدفاع الإيرانى «أحمد فاهيدى» هو قائد سابق لقوات «فيلق القدس» التابعة للحرس الثورى، كما أن هناك مذكرة حمراء صدرت عن الإنتربول الدولى باسمه، لدوره فى الهجوم على منشآت يهودية فى بيونس أيرس فى الأرجنتين عام ١٩٩٤، وكذلك لتجنيده عناصر إرهابية من حزب الله السعودى لتنفيذ هجمات «الخبر» الإرهابية عام ١٩٩٦، إضافة لتورطه فى اغتيال معارضين إيرانيين فى أوروبا فى التسعينات.وفى مقارنة سريعة لحجم قوة الحرس الثورى الإيرانى مقارنة بباقى أجهزة الدفاع، يمكن القول إن القوات البرية الإيرانية تتكون من ٢٢٠ ألف وحدة، مقارنة بـ١٢٥ ألف وحدة يمتلكها الحرس الثورى، إلا أن ذلك الأخير هو المسئول عن أكثر الجوانب حساسية فى سياسات الأمن القومى الإيرانى مثل الحرب الإلكترونية، وبرنامج الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، ويتولى المهام البحرية فى الخليج العربى ومضيق هرمز، إضافة إلى مسئولياته المتزايدة فى قطاع الأمن الداخلى وبرنامج إيران النووى، والإشراف على الأبحاث العسكرية والتكنولوجية بما فيها تلك المسئولة عن تطوير أسلحة نووية فى المستقبل، ومنذ أكتوبر ٢٠٠٧ أضيفت قوة أخرى للحرس الثورى الإيرانى، عندما أصبح مسئولاً عن قوات «الباسيج» التى أصبحت تمثل ما يشبه قوات احتياطية له على الأرض، يصل عددها إلى ٩٠ ألف فرد قادر على حشد مليون آخرين، ومنذ اضطرابات ١٩٩٤، أصبح لقوات «الباسيج» دور أكبر فى دعم الأمن الداخلى الإيرانى، وتلقوا تدريبات فى مواجهة الشغب بهدف السيطرة على احتجاجات الطلبة أو المعارضة، ويوفر «الباسيج» للحرس الثورى شبكة من العيون والآذان فى طول إيران وعرضها، كما أن لهم وجوداً قوياً فى الجامعات الإيرانية».وتتابع الدراسة: «وفى سبتمبر ٢٠٠٧، أقال القائد الأعلى للثورة «على خامنئى» قائد الحرس الثورى «يحيى رحيم صفوى»، وعين بدلاً منه «محمد على جعفرى» الذى كان من قبل مسئولاً عن مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للحرس، كان «جعفرى» مقتنعاً تماماً بأن أكبر تهديد يمكن أن يواجه النظام الإيرانى ليس غزواً أو هجوماً ضد إيران تشنه دولة أو عدة دول أخرى، وإنما التهديد الأكبر هو «ثورة مخملية» من داخل إيران تساندها قوى خارجية، ولعب «جعفرى» دوراً فى وضع قوات «الباسيج» تحت سيطرة «الحرس الثورى»، مؤكداً أن الحرس الثورى هو منظمة سياسية وثقافية تتشارك نفس الأهداف المؤسسية مع الباسيج، وأن نصف مهام الحرس الثورى أصبحت تقع الآن على عاتق الباسيج».وتواصل الدراسة: «بعدها بدأ «جعفرى» فى وضع دستوره الخاص لتأمين إيران والدفاع عنها، فأعاد هندسة قوات الحرس الثورى والباسيج إلى ٣١ وحدة قيادة، واحدة لكل مقاطعة ووحدتين للعاصمة طهران، كان الهدف من عدم مركزية القيادة هو إطلاق قدرات قيادات الحرس الثورى على تجنيد أفراده على المستوى المحلى، وتوسيع شبكة العيون والآذان التى تعمل لصالح الحرس الثورى والمرشد الأعلى على امتداد كل مقاطعة، وكذلك ضمان قدرة الحرس الثورى والباسيج على قمع ومواجهة الشغب، إضافة إلى الهدف الأهم، وهو توزيع قيادة الحرس الثورى على عدة وحدات فى حالة حدوث هجوم خارجى على البلاد».


مواضيع متعلقة