ضبط الفتوى

كثرت الفتاوى الشاذة، والفتاوى التى تصدر عن جهالة أو أمية شديدة ومعرفه سطحية بعلوم الدين وفهم الواقع، فتفسد العقول والسلوك عند بعض الشباب، وتشمل تلك الفتاوى تزيين التشدد والتطرف، أو تتم بناءً على مصلحة أو ضغط بأنواعه المختلفة. ومن ثم كانت دعوة الرئيس السيسى إلى ثورة دينية دعوة صريحة، وفى موقعها، وفق ظنى. وقد لا يرى ذلك آخرون، وكل له رأيه وأدلته الشرعية. وتشمل الثورة -فى ظنى- الخطاب الدينى. وقد أحسن الأزهر فى عقد المؤتمر العالمى لدار الإفتاء بعنوان «الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل». وهذا يؤكد عودة مصر إلى ساحة احتضان المؤتمرات الإسلامية لمواجهة تلك الفتاوى الشاذة وتصحيح المسار. ومن أهم توصيات المؤتمر:

1- التنسيق الدائم بين دور الفتوى ومراكز الأبحاث لصياغة ردود فعالة فى مخاطبة الرأى العام فى ملف الرد على الفتاوى الشاذة والتكفيرية أولاً بأول.

أقول، وبالله التوفيق، إن هذا التنسيق ضرورى للاستفادة من بحوث مراكز الأبحاث، وتصحيح صورة الإسلام التى شوهها «المكفراتية» والمتشددون.

2- ضرورة مراعاة المفتين لتغير الأعراف من بلد لبلد عند مباشرتهم للفتوى، وتنبههم إلى خطورة سحب مسائل الماضى إلى الواقع الحالى دون التفات إلى تغير مناط الأحكام.

وهذا تماشياً مع المبدأ الحكيم الشهير الذى ينص على تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والظروف والبيئة. وأضيف إلى ذلك تغير العلاقات الدولية، وزيادة أو عموم البلوى التى تستوجب التيسير.

3- إنشاء معاهد شرعية معتمدة للتدريب على مهارات الإفتاء، والعمل الجاد على إدراج الـمساقات والمقررات المتخصصة فى الإفتاء فى المؤسسات الأكاديمية.

وهذه التوصية طال الزمن عليها، وهذا التدريب يجب أن يكون مستمراً لطالب العلم من المهد إلى اللحد، حتى لا يحدث الخلل أو التخلف عن العصر والمعاصرة مع ضرورة مراعاة الأصالة.

4- صياغة الجهود الفقهية والأصولية التى بذلت فى فقه الأقليات فى منهج متكامل لتناول قضايا الأقليات بما يمكنهم من التعايش الرشيد مع الآخر. وهذه التوصية تحتاج إلى معرفة شاسعة بالأقليات وظروفهم وأحوالهم، والتحديات التى تواجههم وكسبهم إلى جانب الإسلام الوسطى، ودعوة قيادات تلك الجاليات أو الأقليات لزيارة مصر ولقاء المسئولين فى الأزهر والرئاسة، مما يترك أثراً طيباً فى نفوسهم ليكونوا سفراء لمصر والعالم الإسلامى. ومنهم علماء كبار يريدون الإسهام فى تنمية بلدانهم ومن أهمها مصر طبعاً.

5- التأكيد على الدور الاجتماعى للإفتاء فى صياغة منظومة حقوق الإنسان وفقاً للقواعد والضوابط الشرعية.

الدين الإسلامى، لأنه خاتم الأديان السماوية؛ «.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..» (المائدة: 3)، أكد احترام حقوق الإنسان تأكيداً سبق الميثاق العالمى لحقوق الإنسان بعدة قرون. ومن أهم تلك الحقوق تكريم بنى آدم «وقد كرمنا بنى آدم». ومن أهمها الحريات حتى فى الإيمان والكفر «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

6- تطويع وسائل التواصل الحديثة لخدمة العملية الإفتائية حتى تصبح أعلى جودةً وكفاءةً وأكثر فعاليةً.

7- الدعوة إلى تحديد المباحث التى يحتاج إليها المفتى فى علوم الواقع كالإدارة والاجتماع والاقتصاد والإعلام وعلم النفس».

وهذا من حسن التأهيل ومقتضياته.

8- العمل على توليد علوم الإفتاء، وتسليط الضوء على ما خرج من بواكيرها، مثل: علم اجتماع الفتوى، وعلم نفس الفتوى.

9- الدعوة إلى ميثاق شرف لمهنة الإفتاء، ودعوة المشتغلين بالإفتاء، مؤسساتٍ وأفراداً، إلى تفعيله والالتزام به.

10- الدعوة إلى دورية انعقاد المؤتمر بشكل سنوى لبحث مسائل الفتوى الكبرى، والنوازل والمستجدات التى لا تتوقف عن الوقوع.

وهذا طبعاً جميل، فضلاً عن اللقاءات الضرورية الأخرى التى قد تكون استثنائية.

11- تأكيد ضرورة بُعد مؤسسات الإفتاء عن السياسة الحزبية.

ولكن هذا لا يمنع فى ظنى من تعميق الفهم فى السياسة الشرعية.

12- الدعوة إلى الالتزام بقرارات الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية ودور الإفتاء الكبرى فى مسائل النوازل وفتاوى الأمة؛ لما فيها من جهد جماعى.

13- ضرورة وجود لجنة علمية لتنفيذ توصيات المؤتمر.

14- دعوة أجهزة الإعلام باعتبارها شريكاً فى معالجة أزمة فوضى الفتوى للاقتصار على المفتين المتخصصين فى برامجها الإفتائية بجانب زيادة حملاتها التوعوية بضرر تصدر غير المؤهلين للإفتاء، والاشتراك فى ورش عمل لإيجاد حلول واقعية تحول دون تصدر هؤلاء الأدعياء. الإعلام سلاح ذو حدين أو أكثر، والإعلام الليبرالى قد لا يركز كثيراً على هذه الموضوعات، والإعلام الإسلامى -بعد ثورة يناير- كان فى الغالب الأعم يعالج تلك الموضوعات بطريقة متطرفة متشددة بعيداً عن الوسطية. ونحن بحاجة إلى إعلام يدرك هذا الموضوع وأهميته، ويدرك حسن الخطاب والتعبير حتى يتابعه كل الناس «بالحكمة والموعظة الحسنة».

والله الموفق