كوميديا رمضان
البحث عن الضحك سمة من سمات رمضان، لذلك جعل المصريون الكوميديا وجبة ثابتة من وجبات الشهر الكريم، منذ أن عرفوا الراديو، وبعد أن اقتحم حياتهم التليفزيون.
المسلسلة الكوميدية كانت تمثل معلماً من معالم إذاعة الجمهورية العربية المتحدة، ثم جمهورية مصر العربية، ثم البرنامج العام، وأبطالها معروفون في تلك السنوات من الستينات والسبعينات: فؤاد المهندس وشويكار.
أما رحلة كوميديا التليفزيون في رمضان فقد بدأت بفوازير ثلاثي أضواء المسرح (سمير وجورج والضيف) حتى الوفاة المفاجئة للضيف أحمد، ومن بعد بدأت المسلسلات الكوميدية في الظهور، وأصبحت الرمضانات تسمى بها، فذلك رمضان «نجم الموسم» لمحمد رضا، وهذا رمضان «برج الحظ» لمحمد عوض، وهذا رمضان «أحلام الفتى الطائر» لعادل إمام، وهكذا.
في أشد الأحداث قسوة التي تعاصرت مع أيام الشهر الكريم كانت الكوميديا حاضرة في رمضان.
تصور أن مسلسل «شنبو في المصيدة» تمت إذاعته في رمضان 1967 بعد نكسة 5 يونيو بما خلفته من حزن وانكسار داخل النفس المصرية.
يقول البعض إن المسئولين بالإذاعة فكروا في إلغاء العمل الكوميدى خلال هذا العام، لكن الأوامر صدرت بعد ذلك بأن الحياة يجب أن تستمر، وأنه لا داعى لكسر طقوس المصريين وحرمانهم من المسلسل الكوميدى الذى ينتظرونه في رمضان.
وبناء عليه تمت إذاعة «شنبو في المصيدة» وضحك المصريون حتى البكاء مع كوميديا يوسف وهبي الساحرة، وقفشات المهندس، ورقة شويكار وهى تعيد صياغة الكلمات من مخارج جديدة شديدة العجب.
وبعدها ثار جدل ما بين الناس وتساءلوا حول رمزية اسم «شنبو» وعلى ماذا يدل، ومن هذا الـ«شنبو» الذى وقع في المصيدة؟
وأخذ البعض يتندر على الصحافة التى تبحث عن الإثارة، وكيف حاولت الصحفية «درية سالم» تصوير «شنبو» وهو يلقى بنفسه من البرج بعد أن باعته «تفيدة» حبيبة قلبه وتزوجت من غيره، رغم أن الصحافة في زمن «شنبو» كانت تخضع بشكل كامل لقانون تنظيم الصحافة الذى صدر قبل النكسة بسبع سنوات (عام 1960).
ظلت الأعمال الكوميدية ملمحاً أساسياً من ملامح رمضان حتى العقد الأول من الألفية الجديدة، تقريباً حتى مسلسل «يتربى في عزو» للمبدع الكبير يحيى الفخرانى، ثم مسلسلات الزعيم عادل إمام قبل أن يحرمنا من إبداعه، متعهما الله بالصحة والعافية.
أظن أن الكوميديا بعد هذا الزمان وهؤلاء النجوم تحولت إلى سُخف، ولست أدرى هل العلة في النَّص المكتوب، أم في الكوميديانات الذين أصبحوا غير قادرين على الإضحاك مثل أسلافهم، أم في الجمهور الذى لم يعد تضحكه الأعمال التليفزيونية، وباتت له وسائل ضحك أخرى مرتبطة بالتكنولوجيا الجديدة؟.
في كل الأحوال لم تعد الأعمال الكوميدية الرمضانية موجودة إلا في حدود ضيقة وبأشكال جديدة، ربما أرضت أذواق الأجيال الجديدة، لكنها لم تعد ترضى العواجيز أصحاب الشنبات الذين ينسون أن «الشنب» لم يعد جزءاً من خريطة وجه الرجل.. بعد أن وقع «شنبو» في المصيدة!