«حزب الله» إلى مثواه

هل انتهى الحزب بعد اغتيال السيد؟، هل دُفن ما تبقى من مشروعه مع أشلاء الشهيد الراحل حسن نصر الله، الذي شُيع إلى مثواه الأخير بعد شهور من الانتظار، في مشهد دراماتيكي حاشد ومحير.. عودتنا عليه لبنان دائما؟

ويلح السؤال الأهم عن اليوم التالي لحزب الله، الذي كان لأكثر من أربعة عقود (تأسس سنة 1982) قاطرة المقاومة ضد المشروع الصهيوني، ورأس حربتها المرعبة لمستوطني الشمال في دولة الاحتلال.

لا شك أن ضربة نتنياهو الغاشمة للحزب في سبتمبر الماضي والمعروفة إعلاميا بـ«تفجيرات البيجر واللاسلكى» كانت قاصمة، ثم توالى بعدها السقوط وانفرط عقد التنظيم الحديدى الذى كان يصنف بأقوى ميليشيا عسكرية عرفتها المنطقة، وكانت عملية اغتيال الأمين العام هى الأقصى، ثم تبعها اغتيال خليفته وأغلب قادة الصفين الأول والثاني في الحزب، وتوالت الحوادث التي دفعت الحزب إلى مزيد من التقهقر والتراجع، وإن كان قد نجح في استعادة بعض قدراته أحيانا، لمحنا ذلك في الصمود القتالي ومجاراة العدو بندية في معارك الأيام الأخيرة قبل الوصول إلى وقف الحرب نهاية نوفمبر الماضي، قبل أن يستيقظ قادته مفزوعين في الأسبوع التالي لنفاذ تلك الهدنة (الهشة) على سقوط نظام الأسد في سوريا، وما تبعه من انقطاع الصلة مع السند الإيراني وضياع الحديقة الخلفية للحزب، التي احتضنت لسنوات جانبا مؤثرا من ترسانته العسكرية وعتاده الاستراتيجي.

ومع وصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ليبدأ ولايته الجديدة، دخلت إيران (الداعم الحصري للحزب) مرحلة الصمت الاستراتيجي وخفت صوتها في الشرق الأوسط بعد أن قوضت أذرعها في المنطقة، وتجرعت هي أيضا مرارة البلطجة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا، والتي وصلت مداها بتحرك مقاتلات جيش الدفاع بكامل حريتها في سماء طهران بعد أن تلاعبت بمنظومتها الدفاعية.

وقد تباينت الآراء والتحليلات في تقييم المشهد الجنائزي الحاشد الذي جمع الآلاف من أنصار حزب الله، والذي صاحبه احتشاد أكبر على السوشيال ميديا، حمل أسمى معاني التقدير الحماسي والدروشة السياسية، في المقابل تعددت آراء أخرى كثيرة رافضة للحزب ومعتبرة تاريخه صفحة غابرة يجب التخلُّص منها ومنه، وانتهزت فرصة التشييع لتجمع السيد والحزب في مقبرة واحدة.

وفي مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، بعنوان «حزب الله يستغل جنازة نصر الله لإظهار أنه ما زال حيا»، يقول كاتبه: إن «الهدف من الجنازة الضخمة هو إظهار قدرة حزب الله، للبنان والعالم، على الحفاظ على السيطرة الأمنية وإظهار العدد الكبير من الداعمين للحزب، على الرغم من أنه خسر بعض قدراته وشرعيته في صراعه مع إسرائيل». فيما يرى كاتب المقال أن «إسرائيل ومن خلال تحليق مقاتلاتها النفاثة على ارتفاع منخفض فوق بيروت أثناء الجنازة، تكون قد اغتنمت الفرصة للسخرية من عدوها».

وكانت الصحيفة الأمريكية قد ذكرت في موضع آخر أن حزب الله «خسر 5000 مقاتل في الحرب، وأصيب أكثر من 1000 آخرين بجروح خطيرة، بما في ذلك العديد ممن فقدوا أطرافهم أو عانوا من فقدان دائم للبصر». مؤكدة أنّ «الحزب تكبد خسائر فادحة»، لكنها أيضا أشارت إلى أنه «قام بتجديد صفوفه جزئيا بمقاتلين كانوا متمركزين في سوريا، مع إعادة هيكلة بعض الوحدات الجاهزة لأي استئناف للقتال».

وأتفق إلى حد كبير مع وصف موقع قناة الحرة لجنازة نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين، في أنها كانت «وداع لمرحلة كاملة» ليست في تاريخ لبنان بل في الشرق الأوسط، لخصها التحليق المنخفض لطائرات الاحتلال، الذي أعقبه تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أوضح فيه المغزى قائلا: «رسالة واضحة: من يهدد بتدمير إسرائيل ويهاجمها، ستكون هذه نهايته».

وبعيدا عن الغطرسة الإسرائيلية، التي منحتها مغامرات المقاومة وقراراتها (غير المدروسة) كامل الفرصة، للعربدة المتزايدة والشراهة في اغتصاب الأراضي العربية، في ظل تواطؤ أمريكي تعاظم بحضور ترامب المتناغم مع الأطماع الصهيونية، حارسا أمينا وداعما مخلصا لها.

وبشكل موضوعي لا نستطيع أن نغمض الأعين عن شعبية الحزب وجماهيريته العريضة، ولا عما تبقى لديه من قدرات عسكرية وكوادر بشرية، ومساحة تأثيره التي ما تزال كبيرة في الشارع العربي، ليس لنزاهة الحزب وبراءة أهدافه ولكن لخلو الساحة تماما من الحركات السياسية الجاذبة والتيارات الفكرية العصرية المواكبة.

وأختم بما ذكرته عبر منصة (X)، تعليقا على الجنازة وتقييما للحزب: «‏مع تقديري لكل محبي (السيد) ومريديه، لقد كان ‎(نصر الله) وحزبه أكبر أكذوبة في تاريخ حركات المقاومة ضد الاحتلال، وسيأتي زمن يجلس فيه عقلاء بعيدا عن صخب (الحرب) ودروشة (الحزب) الذي شيع الأحد إلى مثواه، وبعيدا عن شعارات الممانعة العرجاء، ليفككوا تاريخ تلك الميليشيا العسكرية التي أهدرت ‎لبنان».