عالم العجائب

هدى رشوان

هدى رشوان

كاتب صحفي

في البداية، كنت أظن أنّني مجرد مرافقة لأبنائي في حدث يخص عالمهم، مجرد يوم طويل وسط شاشات وألعاب لا أفهمها، حدث للألعاب الإلكترونية يحدث لأول مرة في مصر تحت اسم «جيميجري» تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة، لكن ما لم أكن أعلمه هو أنني سأخرج برؤية جديدة تمامًا لهذا الجيل الذي نسميه أحيانا «جيل الشاشات»!

منذ اللحظة الأولى التي عبرت فيها بوابة الحدث، شعرت وكأنني دخلت إلى عالم موازٍ، كأنني «أليس» التي سقطت في حفرة العجائب. الأضواء الساطعة، الأصوات المتداخلة بين صخب الألعاب والهتافات، وجوه شابة يملؤها الحماس، لا فرق بين صغار أو مراهقين من «جيل z، وألفا وبيبي بومر» أو حتى بالغين، الجميع في حالة اندماج تام، كان المكان ينبض بالحياة بطريقة لم أكن أتخيلها.

رأيت أطفالا بعيون تلمع، يلعبون بتركيز لا يختلف عن تركيز العلماء في معاملهم، ومراهقون يخوضون بطولاتهم وكأنهم أبطال عالميون، يخرجون من الجولات بشيكات تحمل أرقامًا مذهلة، يرفعونها بفخر وكأنهم يقولون «نحن صائدو الدولارات».

توقفت للحظة أتأمل المشهد، فتذكرت طفولتي، حين كنا ننتظر ميكي وبطوط على شاشات التلفاز، كيف تحولت تلك الشخصيات إلى عالم آخر تمامًا؟ كيف أصبح هؤلاء الشباب مرتبطين بشخصيات من ألعاب لم أسمع عنها من قبل مثل «الرجل العناب» أو أبطال «مورتال كومبات»؟ شعرت أنني أواجه لغة جديدة، عالما متكاملًا له رموزه الخاصة التي لم أفهمها من قبل.

لكن ما أثار دهشتي أكثر هو التفاعل الكبير مع المؤثرين على السوشيال ميديا، الكوميديان الشهير «الأسطى عبده»، وعمر الجمل ببرنامجه التفاعلي «عين جمل»، واليوتيوبرز مروان سري وعمر خالد، اللذان يحظيان بشعبية هائلة بين الشباب. رأيت كيف يتعاملون مع جمهورهم، كيف ينظر إليهم الأطفال والمراهقون كنجوم وأبطال حقيقيين، بل ربما بإعجاب يفوق ما كنا نشعر به تجاه نجوم السينما والموسيقى في جيلنا.

وفي لحظة لم أتوقعها، وقع الاختيار على ابنتي للعب مع مروان سري وأصدقائه، لم أرَ تلك السعادة في عينيها حتى يوم نجاحها في الثانوية العامة! كانت تجلس وسطهم وكأنّها تعيش حلمًا لم تتخيله يومًا، هنا أدركت أنّ هؤلاء الشباب ليسوا مجرد صانعي محتوى، بل هم صنّاع السعادة الحقيقية لهذا الجيل.

قضيت اليوم بأكمله، من الظهيرة حتى منتصف الليل، دون أن أشعر بالوقت يمر. خرجت بإحساس مختلف تمامًا، بإعجاب حقيقي بهذا الجيل الذي يبدع ويبتكر بطرق لم نعتدها، صناع الألعاب الترفيهية لم يقتصروا على شاشاتهم، بل أعادوا ابتكار الألعاب الورقية ولكن بروح جديدة، ليست «ليدو» ولا «كوتشينة» ولا «سلم وتعبان»، بل ألعاب ذكية تدمج بين المرح والتعلم، تعطي دروسًا في التنظيم، والإقناع، والعمل الجماعي.

اليوم فهمت أنّ هذا الجيل ليس مجرد مستهلك للتكنولوجيا، بل هو جيل يبتكر، يعيد تعريف الترفيه، ويخلق فرصًا جديدة لمن يملك الشغف والذكاء لرؤيتها. عالمهم ليس مجرد «لعب»، بل هو مساحة ضخمة من الإبداع والفرص لمن يحسن استغلالها.

خرجت من «جيميجري» وأنا أحمل إعجابًا أعمق، ليس فقط بأبنائي، ولكن بكل شاب وشابة يحلمون، يبتكرون، ويغيرون العالم بطريقتهم الخاصة، لقد كانت رحلة إلى عالم العجائب، عالم نابض بالحياة، يستحق أن نستمع إليه ونتعلم منه، بدلاً من أن نحكم عليه.