اللعنة الآن أو البركة الآن

محمد صلاح

محمد صلاح

كاتب صحفي

أكثر ما يشغل المتابعين للتطورات السياسية الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط هو المستقبل القريب لما يحدث في قطاع غزة، وهل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار وينتقل لمرحلة الهدوء المستدام؟.

وينتقل معها الجميع لجولات تفاوضية عديدة حول إعادة الإعمار أو حول مستقبل المنطقة ككل، أم تبدأ عاصفة جديدة من الأعمال العسكرية، والتي لا يبدو أنّها ستمر مرور الكرام حال انطلاقها مجددا!

ويخطئ من يعتقد أن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل هي صاحبة اليد العليا في هذا القرار، لاسيما أنه لم يعد هناك حجر فوق حجر داخل قطاع غزة، ولم تعد هناك أهداف محتملة لأي عمل عسكري، وحتى الرهائن والمحتجزون بدأت عملية استعادتهم بالتفاوض، بعدما فشلت الأعمال العسكرية المتنوعة طوال خمسة عشر شهرا في استعادتهم، بل تسببت هذه الأعمال في فقدان عدد كبير منهم لحياته نتيجة للقصف المستمر.

لم يبقَ من بنك الأهداف الإسرائيلية سوى تنفيذ مخطط التهجير القسري، ودفع الفلسطينيين في قطاع غزة باتجاه سيناء على غير رغبتهم، وهو الأمر الذي يصطدم بالثوابت المصرية، ويعتبر تهديدا جسيما للأمن القومي المصري، ويجعله عملا من الأعمال العدائية التي تعرض اتفاقية السلام الأقدم في المنطقة ما بين مصر وإسرائيل للخطر.

لهذا السبب لا تميل غالبية النخب السياسية والعسكرية في إسرائيل للتهجير أو لاستئناف القتال في قطاع غزة، وذلك ليس عن قناعة أو إيمان، ولكن لأن هذا الأمر يعني ببساطة الاصطدام بمصر، وهم لا يرغبون أبدا في مثل هذا السيناريو الصعب، الذي سيكون بمثابة الكابوس لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تم استهلاكه واستنفاد قدراته وموارده في حرب عبثية طويلة دون هدف استراتيجي واضح، قتل بلا هدف وتدمير بلا نتيجة وجرائم حرب تستعصي على الحصر، ما أدى لفقدان الجيش الإسرائيلي لسمعته على المستوى الدولي، وأفقد إسرائيل قدرا كبيرا من الدعمين الشعبي والحكومي حول العالم.

في الوقت ذاته تبقى النخب اليمينية المتطرفة ضاغطة وبشدة في اتجاه التهجير والصدام، لا حديث ولا حوار لهذه النخب إلا الصدام مع مصر، بل إنهم يدعون للصدام مع كل دول وشعوب المنطقة، ولا ينكر عاقل بأن السلام والاستقرار في المنطقة قد تضررا كثيرا بوصول هذا التيار الشعبوي المروج للأوهام للسلطة في إسرائيل، بل إنهم يتعمدون إهدار كل فرص السلام الممكنة.

ويصرون على التصعيد ضد الجميع، يرون القشة في عيون غيرهم ولا يرون الشجرة في عيونهم.ورغم كل التحديات التى تمر بها المنطقة، فإنه ما زالت هناك فرصة مواتية للسلام، وما زالت فرص تحول اتفاق وقف إطلاق النار إلى سلام دائم ومستدام متاحة ما خلصت النوايا واتفق الجميع على ذلك، لاسيما أنّ الأمر هذه المرة مرتبط بعدة عوامل إقليمية ودولية، أبرزها بناء نظام إقليمي جديد قائم على التعاون والتكامل بين جميع الدول والشعوب، إضافة إلى التأثير السلبي لعدم الاستقرار في المنطقة على طرق التجارة الدولية، وما ترتب على ذلك من ارتفاع لمعدلات التضخم وتضرر اقتصادات العالم أجمع بما يحدث.

والأهم من ذلك أن يكون السلام في غزة جزءا من سلام إقليمي عادل وشامل، فلن يقبل أحد أن ننشغل بالسلام في القطاع وننسى أن هناك مآسٍ وجرائم حرب جديدة ترتكب بعيدا عن أعين الإعلام في الضفة، كما يجب ألا ننسى أن هناك آلاف الكيلومترات من الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل أيضا في غفلة من الزمن، أصبحت المعادلة في الإقليم صفرية بامتياز، الكل يردد «اللعنة الآن أو البركة الآن»، ولن يقبل أحد بأي شيء آخر!