إلهي أبٌ حنون
تحثنا الوصية الثانية من الوصايا العشر بهذه الكلمات: «لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا» (سفر الخروج 20: 7). أين مكانة الله في حياتنا؟ هل نعبد الله لشخصه؟ كم من الملايين الذين شوّهوا صورة الله الحقيقية، مستغلين اسمه لأغراضهم الشخصية؟ وما أكثر الذين قاموا بتشويه اسم الله واستعاضوا عنه بأشياء أخرى من أجل أهوائهم الذاتية أو مصالحهم الشخصية! يحكي أحد الكتّاب الكهنة يُدعى جان كلود بارو: «ذات يوم كنتُ أتناقش مع بعض المثقفين الملحدين، الذين ينكرون الله ويتهجّمون عليه، وكُنتُ أصغي إليهم وكأنّي أشاطرهم الرأي. لماذا؟ لأن الإله الذي كانوا يهدمون، لم يكن إلا صورة مشوّهة مزيّفة للإله الحقيقي. ذلك الإله لم يكن إلا صنما.. مَنْ المسؤول عن تلك الصورة المشوّهة؟ نحن المؤمنين». ويسترسل في الكلام، قائلا: «إن أكثر ما يلومنا عليه غير المؤمنين، ليس الفضائح أو النقائص الأدبية، بل كوننا لا نبدو متحمّسين لإلهنا، وليس عندنا ما نقوله للعالم».
مما لا شك فيه أننا نعيش عصر التزييف، ولا يكاد أن يفلت شخص أو شيء من تزييف الناس، حتى اسم الله نفسه قاموا بتزييفه ليتلاءم مع ميولهم وشهواتهم ومصالحهم. ما جعل الله يُعاتب عباده لأنهم يقولون ولا يفعلون، أو يستغلّون اسمه المبارك، الذي يعلو كل فهم وعقل. لقد شوّهنا وجه الله عندما وصل بنا الأمر لنتصوّره وكأنه إله مُتحيّز لفئة ضد فئة، وبالطبع نحن نريده لأن ينحاز إلينا! ونتخيّل أنه يحارب معنا ضد العدو وسيجعلنا ننتصر عليه، وإن خسرنا المعركة، نتهم الله بالانحياز للطرف الآخر. ولكن الحقيقة تثبت لنا أن الله يحب الجميع لأنهم أبناؤه، وهو لا يريد الشر لأحد.
كما أنّ البعض يتهم الله بأنّه المسؤول الأول عن كل ما يحدث في العالم من كوارث أو شرور، وهو بعد أن وهب الإنسان الحرّية، يحرمه إياها فيحرّكه كالدمية. لكن الله محبة، الله ليس إلا محبة. ولماذا لا تهزّنا هذه الحقيقة؟ لأن محبة الله، مثل كل شيء إلهي، تُحيّرنا. وهي تحيّرنا لأننا نتصور الله وكأن عليه أن يُحبَّنا على طريقتنا، بمعنى أن ينحاز لنا فقط، ويقف في وجه الآخرين. فاليوم يكرّر الله لنا: «أرجوكم لا تنطقوا اسمي باطلا»، لأنكم تستغلون هذا الاسم لمصالحكم الشخصية وجعلتمونه سلاحا تدافعون به عن أعمالكم السيئة، وقد وصلت بكم الجسارة لأن تصنعوا لكم آلهة حسب أغراضكم الذاتية. حتى إن الفقراء والمحتاجين لم ينجوا من استغلالكم لاسمي، ولا يزالون في معاناتهم من فقر وظلم وبؤس.
لذلك أطلب منكم ألا تنطقوا اسمي باطلا مرة أخرى، عندما تقومون بصلواتكم وطقوسكم من أجل خدمة مصالحكم الشخصية وظلم المحتاجين. وأنتم أيها الأشخاص الذين يسعون إلى قتل إخوتهم وأخواتهم باسمي، لا أريد منكم التفوه بهذا الاسم بشفاهكم باطلا. وأنتم الذين تبحثون عن حقوقكم مزيفين اسمى، لا تَدْعوه باطلا طالما أنكم تقهرون وتدسون إخوتي الصغار والضعفاء. فكل إنسان أو مخلوق على هذه الأرض هو ثمين وهام جدا بالنسبة لي، فالإنسان هو مجد وفخر لي! أرجوكم لا تتجمّلوا على حساب اسمى. ألا تدركون أنّه يوجد الملايين من الملحدين الذين لا يؤمنون بي، لكنهم لا يتصرّفون مثلكم، وأنا قريبٌ جدا منهم. إذا لا تدعوا اسمى باطلا في ما بعد، لأنكم للأسف شوّهتموه نتيجة أعمالكم.
كم من دماءٍ بريئة ونقية سفكتموها باسمي؟! كم من الظلم الذي يُعاني منه الضعفاء بسببكم أنتم الذين تستغلون اسمي؟! لذا نتساءل: «مَنْ هو الله بالنسبة لنا؟ ديّان نعبده عن خوف وطمع، أم أب حنون يُحبّنا ونحبّه ونتحاشى أي سوء يسبب له حزنا ومرارة؟»، فما الذي ينبغي لنا كي نعرف حقيقة إلهنا؟، لكي به ننشغف وله نتحمّس، فننقل إلى العالم تلك المعرفة وذلك الانشغاف والحماس، فنبنى حياتنا ويبنون حياتهم على المحبة والإعجاب بين شخصين حبيبين، الله ونحن! إذا.. يجب علينا أن نشعر بقيمة اسم الله الذي ننطقه في صلاتنا، ونثق في أبوّته وحنانه، لأنه يستطيع بلمسة من يده تغيير كل شيء في حياتنا إلى الأفضل. كما يجب علينا أن نلتجئ إليه، طالبين معونته غير المحدودة والمجانية، ليست لنا فقط، ولكن من أجل الآخرين. مما لا شك فيه أنّ الله لا يخيّب آمالنا ولا يتأخر لحظة واحدة عن كل ما يعود علينا بالخير. ونختم بكلمات القديس الفيلسوف أغسطينوس: «مِن السهل أن نطلب أشياء من الله، ولا نطلب الله نفسه. كأنّ العطية أفضل من العاطي».