أمام أكاديمية الشرطة.. أهالي خدعتهم الثانوية يحلمون بـ"البدلة الميري"

كتب: أحمد محمد عبدالباسط

أمام أكاديمية الشرطة.. أهالي خدعتهم الثانوية يحلمون بـ"البدلة الميري"

أمام أكاديمية الشرطة.. أهالي خدعتهم الثانوية يحلمون بـ"البدلة الميري"

الساعة الرابعة فجرًا، ميدان رمسيس الذي اعتاد الناس رؤيته يعج بالمواطنين، ظهر لأول مرة خاليًا من الأناس إلا هؤلاء الساعين لكسب لقمة العيش، وسيارات تنتظر ركابها، وأكشاك لا تعرف عيناها النوم تبحث عن زبائنها، لكن في أحد جوانب الميدان، كان المشهد مختلفًا نوعًا ما، واكتظ المكان بشباب من محافظات مختلفة يقفون حول ميكروباصات تنادي أكاديمية الشرطة.

تحمل السيارة ركابها من هؤلاء الصبية حليقي الرأس، وكل منهم يحمل في يده أوراقه التي سيقدمها في الأكاديمية، يسير السائق نحو التجمع الأول حيث أكاديمية الشرطة، وبالتحديد أمام باب 5، الآلاف يتجمعون أمام الباب والساعة لا زالت لم تتعد الخامسة صباحًا، المتقدمون يقفون في طابور لم تر آخره، والأهالي يقفون في الخارج، ما بين جالس في سيارته، وآخرون اتخذوا من الرصيف وبنايات الفيلات المحيطة بالأكاديمية مجلسًا ينتظرون فيه ذويهم.

المشهد أمام باب الأكاديمية لا يضم سوى سيارات وأهالي الطلاب، وفيلات خالية من أصحابها، ومدرسة أمريكية مغلقة أبوابها، وعدد قليل من الباعة الجائلين، يحملون العصائر وزجاجات المياه، وأنواع مختلفة من البسكويت والكيك.

تمر عقارب الساعة، ومع بداية سطوع الشمس يسعى كل من يتواجد أمام الأكاديمية في البحث عن مأمن من الأشعة الحارقة، فلم يجدوا سوى ظل الفيلات، والتي لم تتسع إلا للعشرات فقط، الذين اتخذوا من العشب المزروع أمام البنايات مجلسًا ومكانًا للنوم، للتغلب على ساعات الانتظار الطويلة، أما الباقين أحرقتهم أشعة الشمس على مدار ما يقرب من الخمس ساعات.

الجالسون على الأرصفة لم يجدوا شيئًا لكسر حاجز الملل من طول الانتظار سوى الحديث عن مآسي نتائج الثانوية العامة، التي بعثت بالعديد منهم إلى هذا المكان، يبدأ أحدهم الحديث "منها لله الثانوية العامة، ومنهم لله المصححين، ابني من الأوائل ولا يمكن له أن يأتي بهذا المجموع مهما حدث"، الجميع ينتبه إلى حديث الرجل، في حين تابع حديثه قائلًا: "ابني مغشش لجنته كلها امتحان الكيمياء، وخرج من اللجنة قالي يا بابا لو النتيجة من 60 أنا هجيب 120، زملاؤه كلهم جابوا نتائج كويسة فيها، وهو جايب 39، ده معقول يا ناس، أنا قدمت تظلم ومستني يوم 13 أغسطس، لإعادة التصحيح".

الجميع يتفاعل مع الرجل، ويبدأ كل منهم في حكاية قصة ابنه مع الثانوية العامة، وكانت تلك المرة من أبو عبدالرحمن، الذي يتباهى أمام الجميع دون خجل بأن ابنه لم يعرف موقع سيناء على الخريطة، وفي ذات مرة سأله مدرس الجغرافيا عنها فقال له إنها تقع في الجنوب الغربي لمصر، "بحمد ربنا أنه جاب 70% في الثانوية، وربنا يكرمه ويدخل الشرطة".

أما والدة عبدالعزيز، فتقول إن ابنها حصل على مجموع 94%، لكنه يرغب في الانضمام إلى كلية الشرطة، بعدما فشل في الالتحاق بكلية الطب أو الهندسة، لم تكمل جملتها حتى قاطعها ولي أمر بصوت مرتفع: "ابني جايب نفس المجموع ومقدمله شرطة بالعافية، وجي غصب عنه النهاردة".

بينما تحدث الحاج أبوالدهب عن فارق المعاملة بين الشرطة والحربية، "في الحربية بيدخلوا الأهالي الكلية يقعدوا في الاستراحة، مش بيسبونا كده في الشارع الشمس تحرقنا"، وظهر من حديث العجوز أن أغلبية الأهالي يقدمون لأبنائهم في الكلية الحربية بالتزامن مع السير في إجراءات الالتحاق بكلية الشرطة، على أمل أن يحالفهم الحظ في الالتحاق بإحداهما.

من وقت لآخر، يمسك الجميع هواتفه المحمولة للاطمئنان على ابنه المتواجد منذ ساعات طويلة داخل مبنى الأكاديمية، ما بين إجراءات سحب ملف الالتحاق، واختبارات السمات والطول والوزن، وآخرون يتحدثون إلى معارفهم من كبار ضباط الشرطة للتوصية على ابنه حتى يتسنى له الانتهاء من تلك الإجراءات سريعًا، فالجميع مشواره بعيدًا، الإسكندرية والبحيرة وبني سويف والمنوفية والمنصورة وطنطا والمحلة والمنيا، لم تذق أعينهم طعم النوم منذ ساعات طويلة، فرقتهم البلدان وجمعهم حلم ارتداء أبنائهم البدلة الميري.

مع دقات الساعة العاشرة صباحًا، أشعة الشمس تزداد حرارتها، الجميع يلتزم الصمت لم يجدوا ما يشغل وقتهم من كلام، وكأن الكلام انتهى، أو أن الملل تملك من الجميع، فحرارة الجو وغياب النوم قادران على صنع ما هو أكثر من الصمت، الذي لم يكسره سوى خروج أحد أبناء الجالسين، مبشرًا باقي الأهالي بخروج ذويهم قريبًا، ليهب الكل واقفًا، ثم السير في اتجاه باب الأكاديمية لاستقبال أبنائهم ومعرفة ما فعلوه بالداخل، والعودة مجددًا إلى بلادهم، لتكرار تلك الرحلة في يوم آخر، التي ستنتهي يومًا ما إما بالإخفاق أو الالتحاق بالأكاديمية.


مواضيع متعلقة