هيكل.. أسطورة الصحافة
على غلاف كتاب «الجورنالجي» الذي كتبه سمير صبحي عن محمد حسنين هيكل، كتب بيت شعر لأحمد شوقي بك أمير الشعراء يقول: أسير على نهج يرى الناس غيره.. لكل امرئ فيما يحاول مذهب.
أرى أنّ هذا البيت يعبر عن هيكل الصحفي الأسطورة الذي لم يتكرر، والذي سار على نهج لم يسره غيره ولم يشبهه فيه غيره.
في مثل هذه الأيام من عام 2016، طوى الموت صفحة أسطورة الصحافة العربية، محمد حسنين هيكل، الذي لم يكن مجرد صحفيا، بل كان شاهدًا على التاريخ وصانعًا لبعض فصوله. مسيرته الطويلة لم تكن مجرد مهنة، بل كانت رحلة فكرية وإنسانية استثنائية، سطّر فيها بقلمه تاريخًا موازيا للأحداث الكبرى التي شهدها العالم العربي.
بدأ هيكل رحلته الصحفية في الأربعينيات في جريدة إيجيبشان جازيت التي تصدر باللغة الإنجليزية ، بعدها انضم إلى مجلة آخر ساعة، قبل أن ينتقل إلى صحيفة الأهرام، التي تحولت تحت قيادته من جريدة إلى واحدة من أكبر وأهم المؤسسات الصحفية ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم.
في الأهرام، لم يكن رئيس تحرير تقليديًا، بل كان مفكرًا استراتيجيا، يلتقط خيوط الأحداث، ويعيد نسجها برؤية تحليلية جعلته مرجعًا سياسيًا قبل أن يكون صحفيًا.
علاقته الوثيقة بجمال عبد الناصر كانت محطة فارقة في حياته المهنية.
أصبح هيكل ليس فقط ناقلًا لوجهة نظر الزعيم، بل شريكًا في صياغة رؤيته، ما منحه اطلاعًا واسعًا على كواليس الحكم في مصر والعالم العربي. لكنه، رغم ذلك، لم يكن بوقا للسلطة، بل كان قادرًا على الاحتفاظ بمسافة تجعله أكثر استقلالية وتأثيرًا.
ولم يقتصر تأثير هيكل على مصر فحسب، بل امتد إلى الساحتين العربية والدولية.
كانت مقالاته وتحليلاته في الأهرام، وفي كتبه، بمثابة مرجع للسياسيين والمفكرين والصحفيين حول العالم.
وقد عزز حضوره العالمي من خلال مقالاته في الصحف الأجنبية، ليصبح الصحفي العربي الأكثر تأثيرًا على المستوى الدولي.
واجه هيكل في مسيرته تحديات جسيمة، خاصة بعد رحيل عبد الناصر وصعود أنور السادات، الذي اختلف معه فكريًا وسياسيًا، ما أدى إلى إقصائه من المشهد الصحفي الرسمي.
لكن هيكل لم ينكفئ على نفسه، بل واصل العطاء من خلال كتبه التي وثّق فيها أدق تفاصيل الصراعات السياسية والتغيرات الكبرى في المنطقة، لتصبح شهاداته وثائق لا غنى عنها لفهم التاريخ العربي الحديث.
لم يكن هيكل مجرد ناقل للأخبار، بل كان مؤرخًا بأسلوب صحفي، ومحللًا يسبق زمانه برؤيته العميقة للأحداث. ظل حتى أيامه الأخيرة محتفظًا بقدرته الفائقة على قراءة الواقع واستشراف المستقبل، ليبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الصحافة كأحد أعمدتها الراسخة.
في ذكراه، لا يمكن اختزال هيكل في لقب «كاتب السلطة» أو «مؤرخ العهود»، فقد كان أبعد من ذلك بكثير، كان رجل الكلمة الصادقة، والصحفي الذي لم يكن قلمه رهينة لأحد، فاستحق أن يكون أسطورة الصحافة العربية بلا منازع.