ضربة حظ؟!

محمد صلاح

محمد صلاح

كاتب صحفي

لاحظ الجميع أنّ هناك ارتباطا طرديا بين تصاعد التطورات والأحداث الإقليمية، وانتشار صور وعلامات الدعم الشعبي للدولة المصرية وقيادتها السياسية، سواء كانت صور هذا الدعم في الشوارع أو المقاهي أو وسائل المواصلات، أو في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، يتساوى في ذلك المسيّس وغير المسيّس، المؤيد والمعارض، وبدلا من البحث عن أسباب هذا الدعم والتحدث عنها بكل صدق وأمانة، نجد البعض يبرر ذلك وكأنها ضربة حظ لا صاحب لها، ويتحدثون وكأن هذا الدعم قد هبط علينا من السماء!

دعونا نتفق في البداية على أنّ الرابط بين المصريين ووطنهم رابط فطري طبيعي، ويكون دور نظم الحياة المختلفة هنا هو تغذية هذا الرابط الإلهي أو قَطعه، لا يملك أي إنسان سويّ ذي فطرة سليمة لوطنه إلا كل مشاعر الحب والانتماء والفخر، يحدث إثر ذلك نوع من المزج أو الوحدة بين الفرد والوطن، فيشعر الفرد لا إراديا بما يتهدد الوطن من مخاطر وأزمات وتهديدات.

ويعمل بشكل طبيعي على مقاومتها وتحييدها وتقليل آثارها على المجتمع، فلا يحتاج الفرد هنا لدلائل على المخاطر التي تهدد وطنه، ولا مبرر للانتفاض للدفاع عن أرضه وصون كرامته وحماية مقدراته مهما كان الثمن!

وما فعلته الحروب النفسية التي تعرض لها المصريون بعد النصر العظيم في حرب أكتوبر المجيدة، هي أنّها قد شككت المصريين، ليس فقط في وطنهم وقياداته، بل في أنفسهم وفي مشاعرهم وفطرتهم وكافة انتماءاتهم، لم يلجأ العدو لهذا التكتيك من الحروب النفسية إلا بعدما أدرك أنّ قوة هذا الوطن في عقيدة أبنائه وانتمائهم، وتجذرهم فوق ترابه المقدس، وأيقن أنّه لا بقاء ولا مستقبل له إلا بتحطيم هذه الأواصر الفطرية النقية أو تشويهها قدر الإمكان!

ولهذا السبب ندرك جميعا أن ما قامت به الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو المجيدة كان استعادة نقاء وبراءة هذا الرابط ما بين الوطن وأبنائه، لم يكن ممكنا أن يتم ذلك دون تحديث وإصلاح كافة نظم الحياة التي باتت عاجزة حتى عن القيام بدورها الطبيعي، وكانت كل مشروعاتنا القومية ما هي إلا حل حاسم وقاطع لكل المشكلات التي عانى منها المصريون لآلاف السنين، أصبح الشباب العاطل عن العمل قوة بشرية جبارة تغير جغرافيا الوطن وتعيد اكتشاف ثرواته وأسراره، تحول الاقتصاد المصري من النمط الريعي إلى الإنتاجي، وبدأت الأمة المصرية تأكل من عمل يديها، وبالتزامن مع معركة التنمية كانت القوات المسلحة المصرية تخوض معركة أخرى ضد التطرف والإرهاب والأفكار المعادية للوطن.

بعد كل ما حدث في مصر كان طبيعيا أن تحدث المعجزة اليوم، ليقف العالم مندهشا أمام حالة الاصطفاف الوطني التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، والكل يتعجب كيف تحولت الدولة التي كانت على وشك السقوط قبل عقد من الزمان إلى قوة إقليمية ودولية كبرى تؤثر بشكل واضح ليس في واقعها فقط، بل في واقع الإقليم والعالم كله، وليعض أعداء هذه الأمة أصابع الحسرة والندم وهم يرون الفشل نتيجة واقعية لكل خططهم وألاعيبهم.

بعد كل ما رأيناه جميعا سيكون من الظلم لو قلنا إنّ ما نمر به اليوم ضربة حظ أو هدية مجانية بلا ثمن، بل هو نتاج للعمل المستمر على رفع الوعي الشعبي، واكتساب الشعب مناعة فطرية ضد الأكاذيب والشائعات، طريق دفعنا فيه دماء شهداء وآلام مصابين وأزمات اقتصادية ومجتمعية طاحنة، لم يكن الطريق أبدا مفروشا بالورود، بل كان مفخخا وطويلا وصعبا، طريق لا تخرج منه أمة على قيد الحياة إلا الأمة المصرية فقط!