نقض العهود والوعود

نقض العهود والوعود من أكثر الموبقات التى تستوجب اللعنة. فقد أمر الله عباده بالوفاء بالعهد، ونبّه إلى أن كل إنسان سوف يُسأل عن العهود التى حفظها أو خانها. قال تعالى فى سورة «الإسراء»: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»، كما أمر بالوفاء بالعقود، قال تعالى فى سورة «المائدة»: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

لك أن تتخيل مجتمعاً ضاع فيه معنى الوفاء بالعهود أو بالعقود، كيف يكون حاله؟ تصور مجموعة من البشر لم يعد يحترم أحد فيهم عقود العمل أو السكن أو الاستثمار أو الادخار أو غير ذلك، تصور أيضاً هذه المجموعة وقد بات أفرادها يطلقون الوعود فى الهواء ولا يفى أىٌّ منهم بها، تخيل هؤلاء الأفراد وقد باتت كل قيمة لديهم غير محترمة وتحولوا إلى مجموعة من النهاشين الذين ينهش بعضهم بعضاً.. ماذا تكون اللعنة غير ذلك.

تنبيه القرآن الكريم إلى مسألتى احترام العهود والوعود هدفه الأساسى حماية المجتمعات من السقوط فى فخ اللعنة فى الدنيا والآخرة، كما يحمل تحذيراً من أن يسقط المجموع فى بئر الفوضى، حين يغيب بينهم احترام الحقوق الفردية، ويرى بعضهم فى ما يملك الآخر مغنماً يستحله لنفسه دون وجه حق، أو يتأخر بعضهم عن أداء الأمانات إلى أهلها. فحفظ الأمانات وأداؤها إلى أصحابها يعد وجهاً مهماً من وجوه احترام العهود، وغيابها يُسقط المجتمع فى فخ اللعنة بما يرتبط به من فوضى عارمة تضرب الواقع فى مقتل.

لعلك تذكر قول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا». والمعنى فى الآية واضح وهو لا يختص بأفراد محدّدين دون غيرهم أو فئة معينة من البشر دون غيرها، بل هو معنى عام ينصرف إلى كل إنسان عُهِد إليه بأمانة معينة، حتى لو كانت هذه الأمانة رزقاً رزقه الله به، أو ولداً وذرية أنعم الله بها عليه، فلا بد أن يحفظها ويصونها ولا يتركها فريسة الضياع أو الإهمال، ويتمدّد المعنى بعد ذلك ليشمل الأمانات المادية التى يصح أن يتركها فرد عند غيره لحين أن يستردها.

أضف إلى ذلك الأمانات المعنوية التى ترتبط بترك الناس أزمة أمورهم فى يد شخص معين ليقود مسيرة حياتهم، وينسحب المعنى أيضاً على اختيار من يقود سفينة الحياة فى أى مجال من المجالات. فاختيار المتصدّرين للمشهد فى المواقع المختلفة أمانة توجب على من يختار أن يستند إلى معايير الكفاءة والقدرة، بحيث يتصدّر الأفراد الأنفع والأكثر تمكناً.ثمة إشارة بليغة فى الآية التى دعا الله تعالى فيها البشر إلى حفظ العهود، تلك الإشارة التى تتعلق بالمسئولية: «إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»، فالفرد يُسأل عن التزامه أو عدم التزامه بما عُهد إليه، مسئول أمام غيره من البشر فى الدنيا، ومسئول أمام الله فى الآخرة، وجوهر المسئولية فى الحالتين يتعلق بصون النفس والواقع عن السقوط فى فخ اللعنة.