مصر والموقف العربي.. الأمل الأخير للقضية الفلسطينية
موقف مصر من قضية التهجير لأهالي غزة خارج القطاع واضح وثابت، وهو ما أكده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مراراً في العلن وفي الاجتماعات المغلقة. لو كان هناك أي قبول لهذا المشروع لكان «ترامب» المعروف بصراحته وعدم التزامه بالدبلوماسية التقليدية قد تحدث عنه بشكل صريح وكشف عن التناقض في الموقف المصري بين السر والعلن، ولكنه أكد أن مصر ترفض بشكل قاطع مقترحه لتهجير سكان قطاع غزة رغم تمسكه بتنفيذ هذا المقترح.
لكن المشكلة ليست في وضوح الموقف المصري بل في إصرار البعض على تجاهله أو الترويج لروايات مشوهة تخدم أجندات معينة. مصر تدرك جيداً أن تهجير الفلسطينيين من أرضهم هو هدف استراتيجي لإسرائيل، ولن تكون بأي حال جزءاً من هذا المخطط. بل إنها تتحرك على كافة المستويات لمنع وقوعه، رغم الضغوط الدولية والتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهنا.. والحقيقة أن من يريد أن يرى، سيرى. أما من يصر على العمى السياسي، فلن تنفع معه الحقائق، حتى لو سمعها بأذنه من داخل الغرف المغلقة.
لماذا الطمع في غزة وكيف قرأ الرئيس السيسي المشهد من اللحظة الأولى؟
منذ اللحظة الأولى للحرب على غزة كانت الأهداف الإسرائيلية واضحة؛ تدمير البنية التحتية وتهجير السكان وفرض واقع جديد يتجاوز أي أفق لحل الدولتين، وهو ما صرح به سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال كلمته الأخيرة التي وجهها للعالم. لكن مع دخول الإدارة الأمريكية الجديدة على الخط، تبدو المعادلة أشد خطورة. الرجل الذي لم يخفِ يوماً انحيازه المطلق لإسرائيل، يطرح اليوم رؤيته ويسعى لنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، دون عودة أو أمل في إقامة دولة فلسطينية!
صفقة جديدة على حساب فلسطين وشعبها!
الرئيس الأمريكي يتحدث بصراحة عن «تنظيف غزة»، مصطلح لا يمكن قراءته إلا في سياق التهجير القسري الكامل. وحين يقول «أخرجوا الفلسطينيين من هناك حتى أتمكن من تنظيفها»، فهو يعني عملياً تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، بلا أي أمل للشعب الفلسطيني في إقامة سلام أو حتى العيش تحت القصف، أو في الوصول لحل إقامة الدولتين. السيناريو الذي يريدون تطبيقه الآن يقوم على معادلة خطيرة غزة تُفرغ من سكانها، والمهجرون يُوزعون على دول الجوار. إسرائيل تسيطر بالكامل على الضفة الغربية، لتُجهِز على أى أمل في إقامة دولة فلسطينية. غزة تتحول إلى منطقة استثمارية أمريكية - إسرائيلية، بما يشمل الموانئ، الغاز، والممرات التجارية.
«ترامب» ليس منفصلاً عن الرؤية الإسرائيلية، بل يُكملها. مخطط الاحتلال القائم على تدمير القطاع لم يكن مجرد رد فعل على 7 أكتوبر، بل جزء من رؤية قديمة تسعى لتغيير الخريطة السكانية والسياسية في المنطقة.
مصر كانت تدرك المخطط منذ البداية
القيادة المصرية لم تنتظر حتى إعلان ترامب مشروعه صراحة، بل أدركت منذ اللحظة الأولى للحرب أن الهدف الحقيقي لإسرائيل هو تفريغ القطاع وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء. من هنا، كان الموقف المصري واضحاً وحاسماً: لا لتهجير الفلسطينيين، ولا لمشاريع تصفية القضية. رغم أي محاولات للضغط على مصر.
لم يكن هذا موقفاً دبلوماسياً عابراً، بل جزء من استراتيجية مصرية ثابتة منذ قيام إسرائيل، تقوم على رفض أي محاولة لجعل غزة مشكلة مصرية. القاهرة كانت تدرك أن القبول بهذا السيناريو يعني أمرين خطيرين: تدمير القضية الفلسطينية، وإنهاء حق العودة، وجعل سيناء هدفاً للتوطين، مما يهدد الأمن القومى المصرى. لذلك، تحركت مصر على عدة مستويات: دعم الموقف الفلسطيني في كل المحافل الدولية، رفض الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لقبول تهجير الفلسطينيين، إرسال المساعدات إلى القطاع لضمان بقاء السكان في أرضهم.
ما المطلوب عربياً لوقف تنفيذ المخطط والوصول لحل الدولتين؟
مصر وحدها لن تكفي لمواجهة مشروع تهجير الفلسطينيين، والمطلوب:
أولاً: تحرك عربي جماعي، يقوم على تبني موقف موحد يرفض أي مخطط لتهجير الفلسطينيين، وإبلاغ أمريكا وإسرائيل بذلك بوضوح. وهو ما تقوم به مصر حالياً بالتعاون مع عدة دول عربية.
ثانياً: توفير دعم مالي وسياسي لبقاء الفلسطينيين في أرضهم، من خلال إعادة إعمار غزة وتثبيت السكان هناك.
ثالثاً: تصعيد دبلوماسي عربي في الأمم المتحدة، لإجهاض أي مشاريع غربية تستهدف تغيير خريطة المنطقة.
رابعاً: تعزيز التعاون مع القوى الدولية التي ترفض التهجير، مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
ما يطرحه ترامب ليس جديداً، بل هو امتداد للمشروع الإسرائيلي طويل الأمد. الفارق الوحيد أنه يقول الأمور علناً، ويبحث عن صفقة جديدة على حساب فلسطين والعرب. لكن القاهرة، التي أدركت المخطط مبكراً، تقف بالمرصاد. الكرة الآن في ملعب الدول العربية، فإما تحرك جماعي لحماية فلسطين، أو مواجهة واقع جديد يرسمه رئيس وزراء إسرائيل وحلفاؤه.
وحدها مصر تقف في مواجهة العواصف، ويقبض رئيسها على الجمر للحفاظ على الأمن القومي المصري من جهة، ومن جهة لعدم التفريط في حق الشعب الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية للأبد.
لم تبحث مصر عن مصلحتها فقط، بل تتعامل بشرف وتمارس دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية. ويكفي الرئيس عبدالفتاح السيسي أن التاريخ وحده سيذكر موقفه وأنه الرئيس المصري الوحيد عبر تاريخنا الحديث الذي واجه المخطط الجديد بشجاعة وثقة وشرف جعلت الشعب المصري بأكمله يتوحد خلفه ويدرك قيمة أن يكون رئيسهم أحد أبناء القوات المسلحة المصرية الذين يقدّمون «الحفاظ على الأرض» على «الحفاظ على الحياة».