على جانبي المعبر  

محمد صلاح

محمد صلاح

كاتب صحفي

لم تكن وقفة المصريين الجمعة الماضي أمام معبر رفح وقفة اعتيادية، تلك الوقفة التي دعا إليها عدد من القوى السياسية والوطنية، والتي جاءت رفضا لنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، ودعما لمواقف القيادة السياسية المصرية في ما تراه مناسبا من إجراءات وقرارات للحفاظ على مقدراتنا وثوابتنا الوطنية في تلك الفترة الحرجة من عمر العالم أجمع!

الانتفاضة الشعبية التي شهدها معبر رفح أعادت إلى الأذهان المواقف الشعبية المصرية الخالدة، والتي لا تختلف أبدا عن انتفاضتنا المجيدة ليلة تأميم قناة السويس، أو عشية الخروج ضد حكم الجماعة المحظورة في ثورة يونيو التاريخية التي أبقت باب الأمل مفتوحا وطريق المستقبل ممهدا، فكل هذه الأحداث بما لها من تأثير على تاريخ العالم الحديث ككل وعلى التاريخ المصري بشكل خاص تعكس الوحدة والترابط الأزلي بين القرارين الرسمي والشعبي في مختلف قضايا الأمن القومي، وتُنهي سنوات من الوهم والدجل السياسي الذي مارسه أعداء مصر بالترويج لأكاذيب ضد العقل والمنطق والتاريخ بانفصال القرار الرسمي عن الرّغبة الشعبية المصرية!

الوقفة جاءت امتدادا لطوفان العودة الذي أطلقه الشعب الفلسطيني بعودته إلى أراضيه التاريخية شمال قطاع غزة سيرا على الأقدام في مشهد أيقوني بديع أشبه بشعائر الحج الأعظم، عودة أكدت ضمنيا رفض الفلسطينيين جميع مخططات التهجير وتصفية القضية. نجحت الإرادة الشعبية الفلسطينية الحرة، بعيدا عن الأيديولوجيات والصراعات السياسية في التغلب على كل العقبات التي وضعتها إسرائيل في اتفاق وقف إطلاق النار لمنع العودة. وأكدت بوضوح أنّ الشعب الأعزل الشقيق انتصر بدمائه وشهدائه على جلاديه، وأنّ أطنان المتفجرات والذخيرة فشلت في النيل من ارتباط هذا الشعب الصابر بأرضه المقدسة!

أمام كل هذا الوجع والكفاح لم تمتلك مصر رفاهية تجاهل ما يحدث مع هذا الشعب الشقيق. وقف المصريون أمام معبر رفح للتأكيد على وحدة المصير والتكفل بجميع سُبل الدعم للأشقاء على الجهة الأخرى منه. خرج المصريون ليؤكدوا للعالم أنّ الضمير المصري لن يسمح بحرمان شعب شقيق من حقوقه السياسية والإنسانية الطبيعية والمستقرة، والتي تحفظها الشرعية الدولية وتكفلها كل الدساتير والقوانين، وتضع الجميع أمام التزاماتهم ومسؤولياتهم، وتحملهم مسؤولية الاختيار بين مستقبل واعد ومزدهر يتّسع لجميع شعوب المنطقة، أو مستقبل مظلم ومصير أسود لن ينجو منه أحد!

في أرض الفيروز ترى كل شيء مقدسا، الجبال التي تجلى عليها رب العالمين، النسيم الذي يحمل أنفاس الأنبياء والقديسين، الرمال التي تلمع بدماء مئات الآلاف من شهداء مصر على مر العصور، والمياه التي تفجّرت وسط الصحراء بأمر من الله، لم تكن سيناء أبدا شيئا مقدّسا، بل كانت على الدوام هي القدسية ذاتها، محراب للوطن نُصلي فيه جميعا ونُضحي جميعا من أجل سلامته واستقراره ووحدته، كانت سيناء دوما الروح والمصير والكرامة لكل المصريين، وستظل إلى يوم القيامة تاجا على رؤوسنا ونبراسا يضيء لنا الطريق نحو المجد!

كان لزاما بعد ما حدث أمام المعبر بجانبيه المصري والفلسطيني الأسبوع الماضي أن تتخبّط عواصم المؤامرة الكونية قلقا ورُعبا، وما بين الترهيب والترغيب والانتقال من مؤامرة إلى أخرى تسير مخططاتهم على غير هُدى، فليس بعد القرار الشعبي قرار، ولا بعد التحرك الشعبي تحرك، والهدف الذي فشلوا في تحقيقه بالقوة العسكرية طوال عام ونصف من الخراب، لن ينجحوا قطعا في إدراكه بالتفاوض والسياسة، الشرق الأوسط اليوم أمام اختبار صعب لن ينجح فيها سوى الأقوياء، ومصر قوية وخالدة وستبقى، أما الآخرون فلن يتذكرهم أحد!