احذروا «سماسرة الإنسانية»

عماد فؤاد

عماد فؤاد

كاتب صحفي

تجلى الموقف المصري الثابت لدعم القضية الفلسطينية في تلك المظاهرة الوطنية التي شهدناها (وشهد عليها العالم كله) لرفض تهجير الفلسطينيين قسرياً إلى مصر والأردن، حسبما اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

تصدَّرت تلك المظاهرة المشهد المصري العام لتؤكد أن دعم الحق الفلسطيني يمثل أحد الثوابت الاستراتيجية التي تجمع بين القيادة السياسية، ممثلةً في الرئيس عبدالفتاح السيسي، والإرادة الشعبية التي عبّرت عنها الأحزاب والقوى السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وعبّر عنها المصريون جميعاً عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولم تكن تلك المظاهرة الوطنية مجرد تعبيرٍ عن سياسة الدولة المصرية، بل مثَّلت انعكاساً للوعي الجمعي، جسّده ذلك التلاحم بين الشعب وقيادته في قضيةٍ مصيريةٍ تاريخيةٍ وإنسانيةٍ في آنٍ واحد. ورغم الاختلافات السياسية بين الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وتباين مواقفها بين التأييد والمعارضة لسياسات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن قضية رفض التهجير شكّلت نقطة التقاءٍ نادرة بين الجميع.

وتنوعت البيانات بين ربط استقرار منطقة الشرق الأوسط بحلِّ الدولتين، وضرورة الحفاظ على الهوية الفلسطينية، والتأكيد على أن التهجير يمثل «جريمة حرب» تُكرِّس الاحتلال الإسرائيلي، وعدم التنازل عن حق العودة للاجئين.

ومن بين كل تلك البيانات، توقفتُ أمام الفقرة الأخيرة في بيان حزب التجمع، وكان نصها: «إن المعروضَ على الأردن ومصرَ من استضافةٍ طويلةٍ تُعادل التوطينَ، دون شرط منح الجنسية، هو خطوة أساسية للنفاذ إلى جوهر المخطط الاستعماري، الذي يستهدف إزالةَ دولة فلسطين من خريطة العالم.

ويحذر الحزبُ من الانجراف خلف هذه العملية المخابراتية، التي يتوقع أن تدعمها بعضُ الكيانات الحقوقية العربية والعالمية، وربما أحزابٌ أيضاً في منطقتنا».

يُحذر حزب التجمع هنا من الالتفاف على رفض التهجير القسري للفلسطينيين بالدعوة لاستقبالهم بحجة «الإنسانية»، وهو ما كان يدعو إليه الإخواني محمد مرسى في تصريحاته آنذاك المتعلقة بقضية «اللاجئين»، حيث أكد أن مصر كانت دائماً -من منظور إنساني- مستعدةً لاستقبال الأشقاء الفلسطينيين حال تعرضهم لأي معاناة، وأن ذلك يعتبر جزءاً من «التضامن العربي» مع فلسطين، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي كان يعيشها الفلسطينيون في «قطاع غزة» والمناطق الفلسطينية الأخرى.

أصابت فقرة البيان التجمعي كبدَ المتواطئين والمموَّلين من الخارج، الذين تناثرت أصواتهم مدعيةً رفض تهجير الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه تُطالب باستضافتهم كـ«حل» للأزمة الإنسانية المتفاقمة.

مصر، على لسان رئيسها، حذرت من مخطط تصفية القضية الفلسطينية بتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم المحتلة، وجاء الاتفاق الشعبي مع هذا التوجه الرسمي مُوضحاً رؤيةً استراتيجيةً تلامس الأبعاد الأمنية والسياسية والتاريخية للقضية، وكاشفاً عن البعد الإنساني والأخلاقي الذي يربط الشعب المصري بنضال أشقائه الفلسطينيين. المدخل الإنساني لرفع المعاناة عن أهالي غزة يمثل تحدياً مختلفاً، لا تتفق معه المصطلحات المغرضة من عينة «الاستضافة» أو «التوطين» أو «الاستقبال».

فالإنسانية تتمثل في رفض أي محاولة للضغط على الفلسطينيين للتنازل عن أراضيهم أو حقوقهم لصالح المحتل الصهيوني، وإعادة تعمير ما تهدّمَ ليعود القطاع مؤهَّلاً للعيش فيه.

الحق الفلسطيني لا يحتمل المساومة أو التلاعب بالألفاظ، وليتنحّ «سماسرة الإنسانية» جانباً، فالأراضي العربية ليست مطروحةً للبيع.