الأب بطرس دانيال يكتب: المفتاح الذهبي
- أسعار العقارات
- بطولة كأس العالم
- تأجير سيارات
- جنيه مصرى
- من مختلف دول العالم
- مواطن مصرى
- روسيا
- شجع مصر
- تعليم الروسية
- كأس العالم
- أسعار العقارات
- بطولة كأس العالم
- تأجير سيارات
- جنيه مصرى
- من مختلف دول العالم
- مواطن مصرى
- روسيا
- شجع مصر
- تعليم الروسية
- كأس العالم
يحثّنا القديس يوحنا في رسالته الأولى بهذه الكلمات: «مَنْ كانت له خَيراتُ الدُنْيا ورأى بأخيهِ حاجَةً فأغْلَقَ أحشاءه دونَ أخيه، فكيفَ تُقيمُ مَحبَّةُ الله فيه» (17: 3). هناك صنمٌ كبير قد غزا العالم وأصبحنا أسرى له، إنه المال، حتى إن عرشه يتطاول على عرش الله، وللمال عند الكثيرين مَنْزِلةِ ربٍّ يُعبد. فما الذى يجعل البعض يبيعون دينهم، وجدانهم، أصدقاءهم، أقاربهم، كرامتهم، وطنهم؟ المال! ومما لا شك فيه أن الجشع المادي يجعل الإنسان ينكمش على ذاته، بالرغم من أن السعادة يُحصل عليها بالانفتاح على الغير، لا بالانغلاق على الذات.
يُحكى عن رجل ثرى جلس ذات مرة مع ذاته متسائلاً: «ماذا أنتفع بكل هذا الغنى وأنا أشعر بفراغٍ مميت في داخلي؟ ما الذي ينقصني؟ ماذا تفعل نفسى لتستريح وتحيا في سلام؟»، فذهب إلى حكيم المدينة ليشكو له مشاعره الدفينة طالباً منه المشورة. فأخذه الحكيم نحو النافذة وأغلقها، ثم قال له: «اقترب وانظر! ماذا ترى من خلال هذا الزجاج؟» أجابه الغنى: «أرى السماء الزرقاء تشعّ بجمالها الخلاّب»، فقال له مرة أخرى: «انظر إلى الطريق، ماذا ترى؟» أجابه الغنى: «أرى الناس على الرصيف، ذهاباً وإياباً». ثم أتى بمرآةٍ كبيرة سدّ بها النافذة وسأله: «والآن، ماذا ترى؟»، قال: «أرى نفسى».
عندئذٍ شرح له قائلاً: «من خلال الزجاج الشفاف رخيص الثمن، ترى السماء بجمالها الخلاّب وتشاهد الناس إخوتك؛ بينما من خلال المرآة الثمينة المطلى ظهرها بالفضة، لا ترى سوى نفسك، لأن بريق ولمعان الغِنَى والذهب يحجبان عنك رؤية السماء ببهائها والتطلع إلى وجوه الناس، وتنشغل بنفسك فقط. ومِنْ ثمّ تنحصر حياتك كلها في سجن الأنا المميت. هذه هي النتيجة المحتومة لمحبة الغِنى وعبودية المال!».
ما الذى يجعل بعض الأمم تُعادى البعض الآخر، أو تحاربهم؟ مصالح اقتصادية نفطية أو غير نفطية! إذا فتشنا عن المال، سنجده في قلب معظم المحن والأطماع والبغض والحسد. كم من أغنياء الجيوب فقراء القلوب؟ لنتساءل: «لماذا الناس يُستعبدون للمال؟» أليس لأنهم يتوهّمون أن في المزيد من المال، المزيد من السعادة؟ لنستمع لما قالته الفنانة الفرنسية الشهيرة Brigitte Bardot: «مِن المستحيل على ممثلة مشهورة أن تنعم بحياةٍ هادئة. لا تتعجبوا إذا قلتُ لكم إن الحياة قاسية علىّ».
ممثلة مشهورة، بالمال مغمورة، وحياة مكسورة! لأن المزيد من السعادة ليس حتماً في المزيد من المال، يكفي أن كثرته قد تحرم الإنسان لذّة راحة البال. هل يعوض المال عن صحّة فُقدت، عزيزٍ مات، حبيب خان، زوج هجر، زوجة تشردت، شرف ضاع؟ مما لا شك فيه أن هناك الكثيرين من الأغنياء الذين يستخدمون المال والثروات في أعمال الخير ومساعدة الفقراء والأيتام والمرضى، كما أنهم يرغبون في الحصول على المال لتلبية احتياجاتهم ومعيشتهم دون أن يصيروا عبيداً لما يمتلكون، وكل هذا بحاجة إلى إرادة صلبة وقناعة داخلية.
إن خيرات الأرض من الله، وهو أوجدها لخدمة الإنسان، من أجل العيش الكريم، فعلى الإنسان أن يجاهد من أجل ذلك ما استطاع. ولكن حذار أن يربط سعادته كلّياً بالمال، كما يجب على كل واحدٍ منّا ألا يلهث وراء سعادة مزيفة، تأتيه من بريق الذهب والمال، اللذين يورّثاننا الهمّ والغمّ عندما نصير عبيداً لهما. فما العمل، والمال لا بدّ منه لحياة الإنسان؟ ليس المطلوب من الناس أن تقف من المال موقف النسّاك الزاهدين، ولكن المطلوب هو الاجتهاد والقناعة والنزاهة. فحذار الطمع والجشع وكلَّ كسب حرام.
مما لا شك فيه أن في أيامنا هذه، اتخذت السرقة منحنى آخر: أجور ظالمة، ربَا فاحش، تزوير مستندات، مماطلة في تسديد الديون، احتكار من أجل رفع الأسعار، غش في المواد أو الوزن... وكلّها أمور تستوجب التعويض. لذا يجب أن يصطحب الغِنى، الأمانة والإحساس بمعاناة وعجز الآخرين وعدم استغلالهم. كما أنه إذا كنّا من ميسورى الحال، يجب علينا أن نفتش عن المحتاجين والفقراء لنمد لهم يد المعونة، لأن أبشع وصمة في جبين البشرية وجود أثرياء يموتون من التخمة، وفقراء يموتون من الجوع، لأن كل هذا يُحزن قلب الله.
ألم نسمع عن فقراء وأرامل وأيتام محتاجين، وشبان وشابات يعدلون عن الزواج لأن إمكانياتهم لا تسمح بتجهيز أنفسهم؟ فما دورنا؟ أليس من الجهل والظلم أن يفكّر الإنسان في ذاته فقط؟ هل رنين الذهب يجعلنا ننسى رنين صوت الضمير؟ ونختم بالقول المأثور: «إن المفتاح الذهبى يفتح كلّ الأبواب، ما عدا باب النعيم».