يا رئيس أمريكا.. طلبك مرفوض
من حق ترامب أن يستعيد هيبة أمريكا التي أضاعها سلفه بايدن!
من حق ترامب أن يجعل بلده عظيماً وقوياً!
من حق ترامب أن يغير اسم خليج المكسيك ليصبح خليج أمريكا!
من حق ترامب أن يطمح بهواجسه الاستعمارية أن يعلن نيته في ضم كندا لبلاده لتصبح الولاية رقم (51) لاستغلال مواردها وثروتها المعدنية، وضم «جرين لاند» لأنها -كما يقول- امتداد للأمن القومي الأمريكي، وضم قناة بنما لأن بلاده هي التي حفرتها، ولوقف السيطرة الروسية والصينية عليها!
ومن حق ترامب، كرئيس لأمريكا، أن يتخذ كافة الإجراءات التي يراها في صالح بلده، لكن ليس من حقه أن يقترح تهجير الفلسطينيين من أرضهم، لا مؤقتاً ولا لفترة طويلة ولا إلى الأبد.
أما الخط الأحمر الذي يجب ألا يتخطاه فهو أن يعلن عن نيته أن يطلب من مصر أن تستضيف أهل غزة الذين يقترح تهجيرهم، وهذا لعدة أسباب يغفلها أو يتناساها، وهي:
- لا أحد يجرؤ أن يملي أي شيء على مصر حتى لو كانت أمريكا.
- مصر موقفها ثابت من التهجير القسري أو الطوعي للفلسطينيين لأنه يقضي على القضية الفلسطينية، ولأن أي فلسطيني سيخرج من بلده سيكون مصيره كعرب 1948 المحرومين إلى الآن من العودة إلى أراضيهم.
- قرار عدم استقبال الفلسطينيين المهجرين قسراً أو طوعاً هو قرار رسمي اتخذه الرئيس السيسي من أول يوم في حرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلية على أهل غزة، وقرار شعبي أعلنه الشعب المصري بكل فئاته في مظاهرات حاشدة وبيانات لكافة الأطياف السياسية والأهلية في مصر، عندما تم طرح هذا الاقتراح الشيطاني يوم 18 أكتوبر 2023 في رسالة كان يحملها المستشار الألماني إلى مصر.
- لن تُجدي أي إجراءات أو إغراءات مع مصر لتغيير موقفها النابع من سياستها الشريفة، والمرتكزة على تأييد شعبي جارف يقف وراء الرئيس السيسي، وتمسك بسيادتنا في اتخاذ قراراتنا، ورفض أي تدخل في شئوننا الداخلية، أو فرض أمر واقع نرفضه.
وظني أن أهل غزة لن يتركوا أرضهم وبلادهم، فهذا الشعب الصامد لم يترك وطنه وهم يموتون قتلاً بالرصاص والمدافع والصواريخ وجوعاً وعطشاً ومرضاً، وبعدما وصل عدد ضحاياه 145 ألفاً لا يمكن أن يرحل عن أرضه بعد وقف إطلاق النار، حتى ولو لم يجد أربعة حوائط تؤويه، فيكفيه أنه يعيش في وطنه.
وأعلم أن ترامب قد عقد صفقة مع نتنياهو تقضي بموافقته على وقف إطلاق النار، مقابل وعده أنه سيستخدم نفوذه في أن يترك أهل غزة أرضهم طواعية بحجة وجود فوضى في القطاع وحتى يتمكن المانحون من إعادة إعمار غزة!
وعندما حان وقت تنفيذ البند الثاني في وقف إطلاق النار الذي يقضي بعودة أهل غزة من رفح والجنوب إلى أطلال منازلهم في الشمال، رفضت إسرائيل التنفيذ أمس الأول، وتكدس عشرات الآلاف من الفلسطينيين في شارع الرشيد المؤدي إلى معبر نتساريم، لتصدير صورة ذهنية للعالم أن وجود أهل غزة بهذه الكثافة يمكن أن يعرقل أي جهود لإعادة الإعمار، وبالتالي لا مفر من تهجير جزء منهم إلى دول الجوار!
وقد كشف ترامب عن نيته الحقيقية التي تكمن وراء طرح اقتراح التهجير، عندما سأله أحد الصحفيين المرافقين له على متن الطائرة «إير فورس وان»: هل مدة التهجير ستكون قصيرة أم طويلة أم دائمة؟ قال: قد تكون طويلة، دون أن يحدد المدة!
إسرائيل لن تتنازل بهذه البساطة عن غزة، ولن تسمح بوجود هذه الكثافة السكانية الفلسطينية والتي تُعد السلاح البتار في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.. تماماً كما تتمسك بالجنوب اللبناني، فبعد مُضي المهلة التي أعقبت وقف إطلاق النار في جنوب لبنان ما زالت إسرائيل تحتل 66 قرية لبنانية في الجنوب والتي تمتد بعمق 3 كيلومترات، وترفض عودة السكان الأصليين لقراهم، ووضعت سداً ترابياً لمنع عودة السكان، وقتلت عشرات اللبنانيين -قنصاً- من الذين حاولوا العودة.
إذا كان ترامب لا يستخدم القوة المسلحة في تنفيذ سياساته المفرطة في الانحياز لإسرائيل كما كان يفعل بايدن وأسلافه من رؤساء أمريكا، فإنه سيفعل ذلك بشتى الطرق لتنفذ قوات الاحتلال مخططها في التوسع وإنشاء إسرائيل الكبرى.. ولا بد أن نتذكر أنه الرئيس الأمريكي الوحيد بين 47 رئيساً الذي نقل سفارة بلاده إلى القدس في اعتراف ضمني بأن القدس عاصمة لإسرائيل!
ربما يستطيع ترامب أن يضغط على «بعض» الدول لتنفيذ قراراته وسياساته واقتراحاته، لكنه لن يستطيع أن يفعل ذلك مع «كل» الدول التي من بينها مصر.
يا رئيس أمريكا.. اقتراحك وطلبك مرفوض.
وإذا كنت ترفع الآن شعار أمريكا أولاً
فتذكّر أننا نرفع شعار «مصر أولاً» منذ بدء التاريخ.