25 يناير.. ثمن ارتداد الوعي

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

يوم 25 يناير رسّخ منذ عقود طويلة تخليدا لذكرى موقعة الإسماعيلية عام 1952 التي راح ضحيتها خمسون قتيلا وثمانون جريحا من رجال الشرطة المصرية على يد الاحتلال الإنجليزي في 25 يناير، ليرتقي الموقف البطولي التاريخي ويصبح عيدا للشرطة نحتفل به كل عام لتقديم الامتنان والتقدير لتضحيات جهاز الأمن الوطني ورجاله والترحم على أبطال قدّموا حياتهم ثمنا لحفظ أمن مصر في أحلك الظروف وأكثرها صعوبة.

في المقابل جاء هذا اليوم عام 2011 ليحمل أحداثا صاخبة كادت أن تغامر بمستقبل وأمن مصر لولا يقظة الجيش (المجلس العسكري) والشرطة.

الحقيقة أنّ محاولة فك شفرة التخبط الذي ساد الأجواء آنذاك ودفعت مصر ثمنا باهظا له على مدى عقد كامل تندرج تحت عنوان رئيسي هو الوعي سواء السياسي، الاجتماعي، أو حتى التاريخي. كل الركود والترهل الذي دبَّ في مفاصل المشهد مع تصاعد شحنة الرغبة في إحداث أى تغيير إيجابي، تحديدا بين جيل الشباب الذي غلب اندفاعه نحو التغيير إدراك المعطيات والقواعد التي يبني عليها إحداث هذا التغيير.

مساحة شاسعة تفصل بين التعبير عن حالة تذمر تطالب بالتغيير، وإحداثه على أرض الواقع السياسي. الحالة الأولى قد تحدث نتيجة غضب جماعي غذّته تدخلات أصبحت معروفة للجميع بهدف قناعة زائفة بُنيت على باطل تهدف إلى فرض تيار وسلطة محددة على مصر.

بينما إحداث الوضع الثاني يقتضي قبل المغامرة بالأوطان مشروعا سياسيا خطواته تمضي نحو البناء لا الهدم.

إذ لا بد من الاعتراف -رغم كل النوايا الطيبة- بأن الشريحة الغالبة آنذاك كانت تتحرك مندفعة فقط بالمشاعر التي يسهل التلاعب بها لتوجه إلى مسار يفتح الأبواب أمام كل شياطين التآمر على استقرار وأمن مصر، بل حتى إقحامها فى حرب أهلية. عدم وجود أي هيكل سياسي منظم يقوم عليه التغيير لن تكون نتيجة معادلته سوى الفوضى والتخبط.

من هنا تأتي أهمية برامج مثل البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة وغيره لتأهيل الكوادر على فهم واستخدام الأساليب الحديثة في صنع السياسة وصنع القرار، هي بمثابة الأكاديمية التي ستشكل جيل شباب جديدا يمتلك الوعى السياسي.

غاب عن سيل المشاعر المتدفقة آنذاك الوعي التاريخي، رغم أنه لم يعد بعد خافيا تدخل قوى ومنظمات مشبوهة في المشهد آنذاك، لكن الأهم التغافل الكارثي من جانب الكتل والأطراف التي ملأت الشوارع عن اندساس عنصر قديم تاريخه يعود إلى عام 1928 من الانتهازية والاصطياد في الماء العكر. جميع الفئات والتيارات التي احتشدت لم تقرأ صفحة واحدة من آلاف الكتب التي سردت بشفافية ضلال تاريخ جماعة الإخوان المنحلة منذ تكوينها.

مقولة كارل ماركس الشهيرة «التاريخ لا يعيد نفسه، إذا فعل فإنه في المرة الأولى مأساة عظيمة، وفي الثانية ملهاة مضحكة»، أكملها الأستاذ محمد حسنين هيكل بعبارة وردت في أحد كتبه «لكنه من الحق أيضا أن نفرق بين عودة الماضي، وهي مستحيلة، وبين سريان قوانين التاريخ وهي محققة».

الجماعة الإرهابية زعمت كذبا شعار «المشاركة لا المغالبة» عند اندساسها ثم سيطرتها على الجموع دون أن يكلف أحد من أصحاب النوايا البريئة نفسه عناء البحث عن أي موقف شهده تاريخ الجماعة يدعم مشاركتهم أى كتلة أو تيار سياسي.

صحيح عمدوا في مواقف إلى استجداء الملك أو رؤساء مصر لكنها لم تخرج عن كونها مناورات لخدمة أهدافهم الحقيقية.

الحقيقة المؤكدة في عقائدهم هي التمكين والاستيلاء على الحكم. للأسف لم يفطن أحد وسط دوامة الانفعال والمشاعر بالتساؤل عن حكمة اعتبارهم شركاء الميدان كما أثير وقتها!.

تواري الوعي خلف تدفق الحالة الانفعالية كلّف مصر أعباء اقتصادية، أمنية، سياسية، حتى بدأت رحلة البناء، إعادة مفاصل الدولة إلى قوتها، تحقيق الاستقرار السياسي والأمني مع استعادة إشراقة وجهها الحضاري التنويري يوم 30 يونيو 2013. الدليل حجم الضغوط الهائلة التي تعرضت لها مصر منذ 7 أكتوبر 2023 من أجل التفريط في سيادة أراضيها واستقلالية قرارها السياسي والأمني، بل وصل الأمر إلى استفزاز مصر لجرها إلى مغامرات الدخول في صراعات والجميع يعلم تكلفة مثل هذه المغامرات وتداعياتها السلبية على ملف الاقتصاد. دليل آخر يكمن في محاولات بائسة من جماعة سقطت عنها آخر ورقة توت حتى لم يعد لديها ما تستر به وجهها القبيح إلا هوس تزييف الفيديوهات والمكالمات الملفقة.

المتغيرات التى شهدتها المنطقة العربية أغرتها بوهم ممارسة استغلال هذه الأحداث للنيل من تماسك وصلابة والتفاف الشعب المصري حول قيادته السياسية.

بالتالي لم يعد الشارع لعبة بين أيدٍ ملوثة بالدماء تاجرت بآلامه وهمومه ثمنا لأطماعها. هو يضع عينيه على حقيقة واحدة أنّ بلده ينعم بالاستقرار والأمن في منطقة تتجاذب أغلب دولها الصراعات ومخاوف مستقبل مجهول.

قيادة مصر سياسة حكيمة عقلانية في ظل أجواء سادها التوتر يضاعف أهمية عدم غياب الوعي أو السماح بالتلاعب به خدمة لمصالح أطراف لا تضع في حساباتها ثمن التلاعب بمقدرات الدول على المواطن البسيط.