جريمة أخلاقية في مدرسة دولية!!

آمال عثمان

آمال عثمان

كاتب صحفي

مشهد مفزع ومؤلم أدمى قلوبنا وأشعل نيران الغضب بداخلنا، إنها جريمة أخلاقية واجتماعية بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، تلك التي شهدتها إحدى المدارس الدولية، حيث وجدت فتاة صغيرة في المرحلة الابتدائية نفسها فريسة أمام شقيقتين تحولتَا إلى وحوش بشرية، اعتديتا عليها بوحشية وعنف لا يمكن تصديقه!

شاهد الجميع بالصوت والصورة ما تعرضت له الطفلة الصغيرة «كارما» من ضرب مبرح بالأيدِي والأرجل، وشتائم بذيئة، وكلمات قذرة لا تليق أن يتلفظ بها حتى أولاد الشوارع، فما بالك بتلميذات داخل حرم مدرسة يُفترض أنّها تضم أبناء أعلى الطبقات الاجتماعية؟!

أين كانت المشرفات والمدرسون والمدرسات من تلك الجريمة التي وقعت على الملأ في وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من الجميع؟ وكيف سمح أمن المدرسة بحدوث هذا الاعتداء المفرط دون تدخل؟

ولماذا خاف وارتاب الطلبة من التدخل لحماية زميلتهم الصغيرة وإنقاذها من براثن الفتيات المتوحشات؟! كيف وصلنا إلى هذا الانحدار الأخلاقي والتربوي المريع؟

ومن المسؤول عن انتهاك براءة الأطفال بهذا الشكل الوحشي داخل أسوار المدارس؟ ولماذا صمتت إدارة المدرسة عن تلك الواقعة دون اتخاذ إجراء رادع، حتى انكشفت الجريمة وانفضحت عبر السوشيال ميديا وأُجبروا على التحرك؟!

تساؤلات عديدة تتزاحم في الأذهان دون إجابات منطقية مقنعة، لكن المؤكد أنّ هذا الحادث ليس مجرد واقعة فردية، بل ناقوس خطر يدق بقوة في وجه المجتمع بأسره، ليذكرنا بأنّنا أمام أزمة أخلاقية وتربوية تهدد الوطن بأكمله!

لا بد أن يعرف الجميع من هنَّ هؤلاء الفتيات «بنات مين في مصر» لكي يخشى أن يقترب منهن الجميع؟! من رباهن؟ من هو الأب؟ ومن هي الأم التي أنجبت وعلمت تلك الفتيات هذا السلوك الشائن المريض؟ كيف سمحت أسرة كاملة لبناتها بأن يتحولن إلى نماذج بشرية متوحشة؟ وكيف وصل بهن الحال إلى هذا المستوى من العنف والتدني الأخلاقي والإجرام؟

الأمر الغريب أنّ إدارة المدرسة بدلا من معاقبة المشرفين والأمن، قررت معاقبة الطلاب الذين قاموا بتوثيق هذه الجريمة المروعة ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنّ هؤلاء الطلاب لم يرتكبوا جرما.

بل ساهموا في فضح ما حدث، وكشف المستور عن المهزلة والانتهاك الذي تعرضت له الطفلة الصغيرة، ولولا تلك الفيديوهات لمرت الحادثة في طي الكتمان، ولما عرف المجتمع بتلك الكارثة، لكن الأمر الأكثر رعبا: ماذا عن الجرائم الأخرى التي لم تحظَ بفرصة التوثيق والتداول؟!

كم من الكوارث والجرائم قد تحدث خلف الأسوار دون أن يعلم بها أحد؟ إن السكوت عن الحقيقة أو معاقبة من يسعى لإظهارها لا يؤدي إلا إلى مزيد من التستر على أزمات تربوية وقيمية تهدد المجتمع بأسره!

لذا فإنّ هذه الجريمة يجب ألا تمر دون عقاب رادع، الفتيات اللاتي ارتكبن هذا الفعل الوحشي يجب أن يتحملن المسؤولية الكاملة عن جريمتهن، وألا تأخذنا بهن شفقة أو رحمة، حتى يصبحن عبرة لكل من تسوّل له نفسه أن يسلك هذا الطريق المظلم، فمن أمن العقاب أساء الأدب، والعقاب العادل هو السبيل الوحيد لاستعادة الهيبة للقيم التي تتهاوى أمام أعيننا.

أما الأسرة التي سمحت بتنشئة بناتها على هذا السلوك المُشين، فهي تستحق أكثر من الفضيحة التي لحقت بها لتدرك حجم فشلها في التربية، هذه الفضيحة ليست مجرد عقاب وحسب، بل دعوة لإعادة النظر في دور الأسرة ومسؤوليتها تجاه أبنائها، لأن المجتمع لن يتحمل المزيد من هذا التخاذل الذي يدمر قيمه وأمانه.

إن الطفلة الصغيرة «كارما» ليست مجرد ضحية لاعتداء جسدي ونفسي موجع، بل هي رمز لمأساة أكبر يعانيها آلاف الأطفال الذين يعيشون في بيئة لا تحفظ حقوقهم ولا تصون براءتهم. والسكوت عن هذه الجريمة يعني أنّنا نغض الطرف عن كارثة تربوية وقيمية تهددنا جميعا.. كفى صمتا على هذا العار! كفى تهاونا في حماية أطفالنا ومستقبلهم!