حكاية التنظيم الإخواني والعناية الإلهية التي أنقذت مصر!
حوكم المتهمون فى حادث المنشية إذن.. ووجهت الدولة ضربات قاصمة وقاسية للجماعة قيادات وأعضاء.. ولم يكن الأمر يستحق إلا الحسم وقد استفحل أمر الجماعة وعادت سيرتها الأولى تقتل وتفجر.
انتهى أمر الجماعة من البلاد.. ولم يبقَ منها إلا من هرب للخارج ووفرت له دول عديدة المأوى والحياة الرغيدة، ليس فقط لمكافأته وإنما لتجهيزه وإعداده لـ«توظيفه» فيما بعد ضد مصر!!
راحت مصر تعمر وتبنى.. تشق طريقها نحو التقدم.. استردت القناة وشرعت فى بناء قاعدة صناعية كبرى ومعها السد العالى وغيرها وغيرها.. لكن ذلك لم يعجب قوى شريرة على أرض الكوكب.. إنه ما صرخ بسببه بن جوريون قبل سنوات عندما أخبروه أن ضباط الجيش فى مصر ممن قاموا بثورة يوليو لا يريدون إلا بناء بلدهم فقال: «وهذا أسوأ خبر سمعته»!
هذه القوى المعادية لا ولن تقبل بدولة قوية على حدودها وإلى جوارها.. مصر تحديداً عندما تستيقظ يستيقظ معها كل العرب.. يستيقظ الشرق كله.. ولذلك كان لا بد من وقف ذلك بأى ثمن!
يفتش أعداء مصر فى دفاترهم.. مَن الذى يستطيع أن يوقف هذا التقدم؟ مَن الذى يمكنه وقف مصر من استكمال تحرير العرب وأفريقيا، وبالتالى تضيع مناطق نفوذ القوى الاستعمارية؟!
إنها الجماعة الملعونة التى تستطيع فعل ذلك.. وبالفعل.. تصل إلى أيدى الأجهزة خيوط تنظيم جديد يتشكل.. سبقه انتشار واسع لكتاب «معالم على الطريق» لسيد قطب.. طُبع عام 1964 بموافقة جمال عبدالناصر فأبلغوه بنفاد الطبعة الأولى.. ثم الثانية، فقال على الفور «إذن هناك تنظيم سرى فى مصر الآن»!
سقوط التنظيم تتجاذبه أكثر من رواية.. أكثرها واقعية أن أعضاء التنظيم الطليعى هم من لمحوا اجتماعات ونشاطاً لبعض العناصر فرفعوها للأجهزة الأمنية التى بدأت فى تتبع الخيوط، ولكن عبدالناصر يُصدر قراراً بتكليف المباحث العسكرية الجنائية بالملف.. والمباحث يديرها شمس بدران.
ومن هنا جاء الحسم فى الموضوع بعد ضبط مخطط يقضى بتفجير مؤسسات مهمة فى البلاد، منها القناطر الخيرية.. ومنها مرافق النقل العام بالقاهرة والإسكندرية، ومنها كبارى لقطع التواصل بين المحافظات ومحطات كهرباء لإدخال البلد فى ظلام وفوضى.
يقول بدران نفسه لمجلة الحوادث اللبنانية عقب الإفراج عنه عام ١٩٧٤: «كنا فى سباق مع الزمن.. ضبطنا أوراقاً ولم نضبط العناصر... فإما نسبقهم ونعتقلهم أو يسبقوننا ويفجرون مصر ويُغرقون الدلتا ويغتالون الرئيس»!
وبدأت الاعترافات تتوالى بحكم الشدة فى الاستجوابات. وضُبط التنظيم عام 1965 واشتُهر بتنظيم سيد قطب.. وحوكم كل أعضائه.. وعُرف دور زينب الغزالى والترتيب مع عناصر الخارج لإحياء الجماعة، وانتهت القضية وأُغلقت للمرة الثانية بعد أحد عشر عاماً من المرة الأولى ملف الجماعة، وظن الكثيرون أن الموضوع انتهي!!
فى الخارج أنكر التنظيم القضية ووصفها بالملفقة.. ومرت الأيام ورحل عبدالناصر وتم الإفراج عن الجماعة ومُنحت مساجد وأسست لدور نشر وأعيد لها تراخيص مجلتى الدعوة والاعتصام، وبدأت أكبر وأسوأ حملة ضد ما جرى مع الجماعة.. واتهموا الدولة بتلفيق القضية.. وإعدام سيد قطب ظلماً.
وصدرت عشرات الكتب تروى أساطير عن التعذيب والتلفيق، منها «البوابة السوداء» لأحمد رائف.. و«أيام من حياتى» لزينب الغزالى و«مذابح الإخوان فى سجون ناصر» لجابر رزق وغيرها من كتب ومعها وفيها عشرات القصص حول الموضوع يمكننا أن نرويها لاحقاً!
استمر الأمر كذلك حتى الثمانينات، وفى آخرها صدرت فى لندن جريدة «المسلمون» بدعم مالى أسطورى من بعض البلاد العربية وفيه فوجئ القراء بنشر أوراق لسيد قطب اعتًبرت مذكّراته الأخيرة كتبها وسرّبها من السجن ونشرتها الجريدة بعنوان «لماذا أعدمونى»!
وفيها اعترافات كاملة بالتنظيم!!!.. كان هدف الجريدة كسب التعاطف مع الجماعة، لكنها لم تدرك كشف -من جديد- أكاذيب استمرت فى حينها لأكثر من ربع قرن!
وبدأت الاعترافات.. أحد قيادات التنظيم على عشماوى يُصدر مذكراته. وفيها تفاصيل التفاصيل عن تنظيم سيد قطب، وعن الخطط والأسلحة والمتفجرات.. وعن الأهداف والاغتيالات، وعن إسماعيل الفيومى الموجود ضمن حراسة الرئيس عبدالناصر والذى رتب لاغتياله مع عدد من قيادات الدولة!!
واعترف أحمد رائف نفسه بحقيقة تنظيم 65 وأنه لم يكن ملفقاً!! وغيره وغيره!!
وللمرة الثانية فى عهد رئيس واحد تكون المؤامرة لتدمير كل شىء.. تكون العمالة للخارج وتنفيذ مخططات أعداء شعبنا.. وللمرة الثانية فى عهد رئيس واحد يضم تزييف وعى الناس والضحك عليهم والعبث فى عقولهم!!
كم مليون شخص تأثروا بأكاذيب الجماعة وافتراءاتها؟ كم مليوناً قرأوا إصداراتها؟! وكم منهم استطاع التخلص من كل ذلك وتفريغ عقله من تزييف لا مثيل له؟!
وللحكايات بقية.