د. رؤوف عزمى: مصر لا تملك "منظومة تعليمية" منذ 70 عاماً
قال الدكتور رؤوف عزمى، الخبير التربوى، إن مصر ليست لديها منظومة تعليمية واضحة فى كافة المستويات التعليمية منذ أكثر من 70 عاماً، مشدداً على أن التعليم فى مصر لا يهدف لتنمية مهارات الطالب وإنما حفظ مجموعة من الأرقام والحروف وأن هناك انفصاماً تاماً بين احتياجات المجتمع وسوق العمل وبين نظام التعليم.
وأرجع الخبير التربوى فى حوار خاص لـ«الوطن»، أسباب ارتفاع نسب النجاح فى الثانوية العامة هذا العام، لسهولة أسئلة ومضمون الامتحان وتساهل القائمين على التصحيح، بالإضافة إلى الغش الذى ساهم فى ارتفاع نسب النجاح، خاصة الغش الإلكترونى، لأن هناك إجابات للامتحانات كانت تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعى أثناء الامتحانات.
■ فى البداية، برأيك ما أسباب ارتفاع نسب النجاح فى الثانوية العامة هذا العام؟
- سهولة الامتحان وسهولة التصحيح، لأن هناك تساهلاً من جانب القائمين على التصحيح، بالإضافة إلى الغش الذى ساهم فى ارتفاع نسب النجاح خاصة الغش الإلكترونى، لأن هناك إجابات للامتحانات كانت تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعى أثناء الامتحانات، الغش وحدوث بعض الانفلات والتجاوزات فى بعض اللجان خلال الفترة الأخيرة ساهمت فى ارتفاع نسب النجاح، وهذا لا يعنى أنه مشكلة أساسية محورية، بل هى مشكلة يمكن التغلب عليها والمشكلة الكبرى تكمن فى صياغة السؤال ومحتوى السؤال والمطلوب الإجابة عنه وهذا ما يحدد المستوى الحقيقى للطالب.
■ ارتفاع نسب النجاح فى الثانوية العامة هذا العام.. هل يمثل ميزة أم عيباً لنظام التعليم فى مصر؟
- هذا عيب، لأن الاختبارات التى يؤديها الطلاب لا تظهر قدراتهم الحقيقية، لا نريد مجاميع كبيرة أو مجاميع قليلة، وإنما نريد امتحانات تظهر المستوى الحقيقى للطالب، ارتفاع الدرجات ليس بالظاهرة الصحية وقلة الدرجات ليست ظاهرة سيئة، الاختبارات التى يتم وضعها للطلاب لا تظهر قدراتهم والدليل أننا نجد طلاباً فى المرحلة الثانوية حاصلين على 99٫9%، و100٫1% ويلتحقون بكليات القمة ونظراً لضعف قدراتهم يضطرون إلى التحويل لكليات أقل فى المستوى من الكليات التى التحقوا بها بناء على المجموع، هذه الاختبارات غير حقيقية ولا تعبر عن الواقع وهذه مشكلة تربوية وعلمية تحتاج إلى دراسة لتحليل قدرات هؤلاء الطلاب ومدى أهليتهم للكليات قبل الالتحاق بها.[FirstQuote]
■ ماذا تعنى بأن سهولة الامتحان والتساهل من جانب القائمين على التصحيح أديا إلى ارتفاع نسب النجاح فى الثانوية؟
- أولياء الأمور عندما تكون هناك أسئلة تقيس مستوى الطالب تحدث مشكلة تتحول إلى مشكلة اجتماعية كبيرة ويعترضون على هذا السؤال ويسببون مشاكل لواضعى الامتحان، وواضع الامتحان لكى يريح نفسه ويتجنب صداع أولياء الأمور والطلاب يضع الأسئلة التى هى أقل من الطالب المتوسط، وفى التصحيح عندما يجدون أن جميع الإجابات صحيحة يبادرون بالتدقيق والمحاسبة على الأخطاء الإملائية والنحوية ووضع حسابات ومعايير أخرى تدخل فى عملية التصحيح وليست معايير موضوعية لوضع مقياس حقيقى لدرجات الطلاب، والمفروض أن تكون لدينا مقاييس حقيقية للتقويم تقيس المستوى الحقيقى للطالب وترشحه للكلية التى تناسب إمكانياته وميوله وتوجهاته وبذلك نستطيع أن نصل بالمنظومة التعليمية إلى الشكل المرضى الذى نريد.
■ تحدثتم عن مقاييس لتقويم الطالب.. كيف يتم ذلك؟
- يمكن أن يتم ذلك عن طريق الكمبيوتر ويكون ذلك بأن تكون هناك أكثر من صيغة متكافئة للامتحان، بمعنى أن تكون الأسئلة مختلفة فى الصياغة بين الطلاب الممتحنين داخل اللجنة الواحدة، وبصيغ متكافئة، وهذا سيقضى على الغش الإلكترونى، والغش عن طريق الميكروفون أو حتى الغش من الزميل المجاور، والصيغ المتكافئة للأسئلة التى تتم عن طريق الكمبيوتر يمكن تصحيحها فى نفس الوقت بمدة زمنية معينة، ويمكن إتاحة الفرصة للطالب لتغيير الأسئلة وأخذ نموذج آخر إذا ما كان النموذج الذى أمامه غير مناسب له.
■ أليس هذا الأمر شاقاً ومكلفاً وربما يأتى بنتائج عكسية؟
- هذه التجربة ستكون أفضل وأيسر بكثير وستكون أفضل وسيلة للقضاء على ظاهرة الغش، ويمكن للطالب الاستعانة بجهاز «التابلت» الخاص به داخل اللجنة لتحميل صيغة الأسئلة التى يريدها من خلال موقع معين أو نظام يتم إتاحته داخل اللجنة خلال أول ربع ساعة من الامتحان، لكى يحصل الطالب منه على نموذج الامتحان وبعدها يتم قطع شبكة الإنترنت، والهدف من خلال هذا النظام الذى يتضمن أسئلة نوعية إعادة تأهيل تفكير الطالب وليس مساعدته على الغش ومعرفة طريقة تفكيره وبدلاً من حفظ المعلومة إتاحتها له ومساعدته على تنمية فكره، مثل الآلة الحاسبة تماماً توفر لدى الطالب المعلومات ويخرج بالنتيجة المطلوبة.
■ الوزارة تقوم كل عام بمراجعة وتطوير المناهج الدراسية.. كيف ترى ذلك؟
- كل ما يحدث أن يتم تغيير منهج الصف الثالث للصف الثانى والصف الخامس الابتدائى للصف الرابع، ونقل المناهج للمراحل التى هى أقل منها، ولا يوجد تعديل أو تطوير ولا نتائج مرغوبة تقيس مدى مستوى الطالب وأعمال المراجعة والتطوير تعتبر «تهريج فى تهريج».
■ برأيك.. ما أسباب تدنى مستوى منظومة التعليم فى مصر؟
- هناك خلل فى منظومة إعداد وتأهيل المعلم وطريقة صياغة المنهج والطريقة التى يقدم بها المحتوى التعليمى للطالب، كل هذه الأشياء تعانى من فشل ذريع وبالتالى فإن الناتج التعليمى ضعيف ومستويات الطلاب ليس كما هو معروف عالمياً، دون تطوير للمناهج الدراسية، وتطوير للمدارس، ورفع كفاءة المعلم وتطوير مهاراته لن يكون هناك تطور فى العملية التعليمية، ويجب على وزير التربية والتعليم بدلاً من أن يعلن عن نسب الطلاب الذين لا يجيدون القراءة والكتابة بين تلاميذ المدارس فى مصر أن يبحث عن سبب الفشل والتدنى ويضع خطة زمنية محددة لإصلاح كل هذه الأخطاء، ودعنى أتساءل ما الذى اتخذته وزارة التربية والتعليم من إجراءات لحل هذه المشكلة؟ وهل وضعت خطة زمنية أو موضوعية لعلاج المشكلة؟ الإجابة معروفة لدى الجميع.. بدلاً من الإعلان والفرقعة الإعلانية يجب وضع خطط وحلول للمشاكل الواقعية الحقيقية التى نشعر بها نحن كمصريين.
■ هل للدروس الخصوصية نصيب من ارتفاع مستوى المجاميع فى مصر؟
- المصيبة الكبرى فى كل الامتحانات هى عملية الحفظ والاستظهار فالطالب يكون هدفه هو تسميع معلومة أثناء أدائه للامتحان، والمدرس الخصوصى «يذوب المعلومة فى شوية ميه ويسقيها لمن يأخذ درس خاص عنده عشان يحفظها ويضعها فى ورقة الإجابة بالامتحان، وإنما إذا قلنا للطالب استخدم المعلومة فى حياتك العملية ما يعرفش يتصرف ويكون خارج الإطار، وهناك مدرس يتوقع ما يكون فى الامتحان من أسئلة، فيضعها فى شكل سؤال وجواب ويحفظها لتلاميذه وكل هذ ساهم فى ارتفاع المجاميع.
■ كيف يمكننا القضاء على ظاهرة ارتفاع المجاميع وتدنى مستوى الفكر والمهارات لدى الطالب؟
- من خلال تغيير أسلوب الامتحان وتغيير منظومة التقويم سنقضى على ظاهرة المجاميع المرتفعة وعلى ظاهرة الدروس الخصوصية وكل هذا سيؤدى إلى تطوير التعليم فى مصر.
■ كيف يتم تغيير منظومة التقويم؟
- ألا يكون الامتحان نصاً من الكتاب المدرسى وأن يكون هناك فرصة لأن تكون الأسئلة وطريقة صياغتها من خارج الكتاب المدرسى لقياس تفكير الطالب، وقياس مهاراته من خلال الاختبارات العملية لأنها مهملة فى المواد العلمية كالأحياء والفيزياء والكيمياء، وهناك شريحة كبيرة من المعلمين للمواد العلمية لا يستطيعون ضبط شريحة تحت الميكروسكوب، فما بالكم من الطالب، ولا بد من تطوير المعامل وتوفير كافة الأجهزة والمعدات اللازمة كى يستطيع الطالب الحصو على المعلومة بدون أى عناء ذهنى أو بدنى.