القابض على وطنه.. ومانيفستو 2025

القابض على وطنه في زماننا، يستحق بعد تحنيطه أن يُكرم ويُحجز له مكانا مميزا في المتحف المصري الجديد، باعتباره كائنا خرافيا اندثر وجوده، فهو كـ«القابض على جمرة»، كما جاء في الحديث المنسوب إلى سيدنا النبي، عليه الصلاة والسلام، والذي جاء فيه: «يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار».

لا شك أن كل قابض على «قيمة» في أيامنا «دين، أخلاق، موهبة، جمال، حب.. وطن»، أمسى كالقابض على جمر النار حقا، وأولهم القابض على وطنه.

ففي هذا العصر المجنون، الذي تُباع فيه الأوطان على النواصي كي يتم تفكيكها لصالح أجندات استعمارية، ويعرض فيه المواطن ولاءه وانتماءه في مزادات العصابات والفصائل والميليشيات، يكون الحديث عن الدولة الوطنية نوعا من العبث، في ظل هذه المؤامرة الكونية التي مسخت العقل البشري، وزلزلت ثوابته.

وحطمت ما رسخ واستقر من مبادئ، فأصبح معها البشر فارغين في خفة الذرة، تحركهم رياح «السوشيال ميديا» ما بين تفاهة وهراء، وجعلت منهم وقود الهدم وذراع الخطة الجهنمية، أو كما وصفهم رئيس أمريكا المنتظرة ولايته الجديدة بعد أيام، ولقبهم بـ«أعداء الداخل».

ومع مطلع العام الجديد، جدير بنا أن نفكر في ما يجب أن تحتويه أجندة الوطن من أهداف تستحق أن نجتهد جميعا لتحقيقها، وبدأت كتابة السطور التالية ووضعت لها عنوانا خاصا «مانيفستو 2025.. أجندة العام الجديد.. بالمختصر المفيد».

وبهذا المختصر المفيد، أظن أنّه قد حان الوقت لتتوحد كل جهود الدولة المصرية والمجتمع بأكمله، حول تلك المقترحات بعضها أو كلها، والتي أراها عاجلة التنفيذ في ظل تنامي المخاطر وتضاعُف التحديات، وقسوة الأزمات، وأول هذه المقترحات هو: إسراع الخطى في تجديد الفكر المصري، دينيا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا.

وتجديد الفكر هو حائط الصد الأخير للحفاظ على الدولة الوطنية، هو مصدر الأمان لمستقبل قادر على مواجهة التحديات، لو لم ينطلق قطار التجديد بقوة وجرأة ورؤية واضحة لشكل الدولة الوطنية المصرية في 2030.. فسنحصد ما لا نتمناه.

أما ثاني المقترحات فهو نداء عاجل إلى منصة الحوار الوطني للإسراع في استكمال مناقشاتها (العامة) لما طرحته سابقا من أجندة أهداف وطنية، تضمنت الكثير من المسائل المعلقة داخليا، وأيضا ضم ما يتعلق بعلاقتنا مع الآخر خارجيا، بعد تكليف الرئيس السيسي لها مطلع العام الماضي بـ«مناقشة تطورات القضايا الإقليمية والدولية»، حتى نخلق حالة من الاتحاد بين شركاء الوطن جميعا، يكتمل بها الاصطفاف الوطني الراسخ.

إن تشتت المجتمع وارتباكه أحيانا في مواجهة مستجدات الأحداث من أزمات وتحديات، يخلقان حالة غموض يحاصرنا في بعض الملفات والموضوعات، ويجعلان أكثر المتفائلين أسيرا للإحباط، غريبا في وطنه!

أما ثالث الأمور، التي أقترحها لتكون أولوية للنقاش المجتمعي، فهي حاجة المصريين إلى «عقد اجتماعي» جديد، يتمثل في اتفاق واضح يحسم شكل العلاقات بين مؤسسات الدولة المختلفة، ويقوم على احترام كامل للدستور وتفعيل جاد لكل بنوده، وحسم مصير كل القوانين المؤثرة على تحقيق العدالة الناجزة، والتي تضمن توفير مناخ صحي للمنافسة بين أفراد المجتمع في كل المجالات، مع التأكيد الدائم على أن مصر ليست حكرا لأحد من أبناء شعبها، وليست ملك فصيل أو قطاع أو جماعة أو طائفة أو هيئة أو مؤسسة، مصر هبة المصريين.. المصريين جميعهم، دون إقصاء أو استثناء.

أما الاقتراح الأخير، فأستلهمه من عبارة وردت في حديث للدكتور عاصم الجزار وكيل مؤسسي حزب الجبهة الوطنية، وهي أن الحزب يريد «رد الاعتبار لكلمة سياسة»، وأتفق معه بشدة على أهمية وخطورة هذه الفكرة، وظني أن أولى خطوات رد الاعتبار لممارسة العمل السياسي هي «حوكمة الأحزاب السياسية»، للقضاء على فوضى العمل الحزبي التي ترسّخت بسبب مرحلة السيولة السياسية، التي حدثت بين عامي 2011 و2013.

ونتجت عنها أحزاب تجاوزت المئة، دون فاعلية حقيقية أو تأثير في الشارع السياسي، كما أنّ عبثية أنماط التمويل الحالية للأحزاب تستدعي تشجيعا ودعما من الدولة لضمان نزاهة العمل السياسي، بعيدا عن سطوة وسيطرة رأس المال على التنمية السياسية.

وأخيرا، فإنّ مصر بثقلها الحضاري وقدرها التاريخي لن تكون أبدا دولة مستأجرة الإرادة أو منقوصة السيادة، لهذا يجب أن نجدد تمترسنا خلف هذه العقيدة، وكي نقدر جميعا على تحمل تكلفة استقلال القرار المصري، يجب أن نصل إلى رؤية واضحة للحكم الرشيد المستدام، الذي يحمي الدولة الوطنية ويتيح للجميع حرية المشاركة والمنافسة.

وللحديث بقية