قدرة مصر على مواجهة تصاعد أحداث الشرق الأوسط

مصطفى عمار

مصطفى عمار

كاتب صحفي

فى ظل التوترات المتزايدة التي يشهدها الشرق الأوسط، تتزايد التحديات التي تواجه مصر في الحفاظ على أمنها القومي واستقرارها الداخلي.

المنطقة بأسرها تعيش حالة من الاضطراب الممتد نتيجة الصراعات المسلحة، والتدخلات الخارجية، وغياب الحلول السياسية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على مصر، باعتبارها دولة محورية في المنطقة.

التعامل مع هذه التحديات يتطلب استراتيجيات دقيقة ومتعددة الأبعاد، وهو ما اتبعته الدولة المصرية لضمان استقرارها وحماية أمنها القومي.

ورغم تصاعد التحديات، أثبتت الدولة المصرية قدرتها على التكيف مع المتغيرات الإقليمية والحفاظ على أمنها القومي، الجهود الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية المتواصلة تعكس وعي القيادة المصرية بحجم المخاطر المحيطة.

في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها الشرق الأوسط، يبقى الاستمرار في تطوير هذه الاستراتيجيات هو الضامن الأساسي لاستقرار مصر وحمايتها من أي تهديدات مستقبلاً، وهو ما يتطلب منا قراءة المشهد بدقة لمعرفة التحديات التي قابلتها الدولة المصرية، وحاولت التعامل معها للحفاظ على أمنها القومي وحماية ما تم تحقيقه خلال السنوات العشر الماضية.

فالصراع في ليبيا يمثل خطراً مباشراً على الحدود الغربية لمصر، وجود ميليشيات مسلحة وجماعات إرهابية على مقربة من الحدود يمثل تهديداً مستمراً.

على سبيل المثال، شهدت مصر بين عامي 2019 و2023 عدة محاولات تسلل لجماعات مسلحة إلى أراضيها.

بحسب تقرير القوات المسلحة المصرية، تم إحباط ما يزيد على 120 عملية تهريب أسلحة وتسلل عبر الحدود الليبية خلال هذه الفترة.

تنشط الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة في مناطق متعددة من الشرق الأوسط، ودفعت مصر ثمناً غالياً في سبيل تطهير سيناء من عناصر إرهابية وميليشيات مسلحة كانت تحاول السيطرة وفرض نفوذها خلال سنوات غياب الدولة المصرية عقب ثورة يناير 2011، وبعد سقوط الإخوان حاولت هذه الجماعات المتطرفة الدخول في صدام مع الدولة المصرية والقوات المسلحة المصرية.

واستطاعت الدولة المصرية وجيشها القضاء على هذه الجماعات بعد مواجهات شرسة معها قدمت خلالها القوات المسلحة المصرية مئات الشهداء، ولكن إرادة مصر انتصرت وطهرنا سيناء بالكامل، وبدأت الدولة بعدها وضع خطة كبيرة لتنميتها حتى لا تبقى بمعزل عن الدولة المصرية كما كان الوضع خلال السنوات الماضية.

الحروب والنزاعات في المنطقة، وخاصة في السودان وسوريا وداخل الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، تؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد وارتفاع أسعار السلع، مما يشكل تحدياً للاقتصاد المصري.

على سبيل المثال، أدى الصراع السوداني إلى زيادة الضغط على الحدود الجنوبية لمصر، حيث استقبلت البلاد أكثر من 300 ألف لاجئ سوداني منذ اندلاع الأزمة في أبريل 2023، ما شكَّل عبئاً إضافياً على البنية التحتية والخدمات.

واضطراب الأوضاع داخل الأراضي المحتلة أثر بالسلب على إيرادات قناة السويس، وخسرت مصر أكثر من 7 مليارات دولار من إيرادات القناة التي كانت أحد المصادر المهمة للعملة الأجنبية في موازنة الدولة المصرية.

ولكن هل وقفت مصر دون تحرك أمام هذه التداعيات والحراك المتسارع للأحداث في الشرق الأوسط؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن ندقق النظر في قرارات وسياسات الدولة المصرية سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي.

اعتمدت الدولة المصرية استراتيجية شاملة للتعامل مع تداعيات الأزمات الإقليمية، فحرصت القوات المسلحة المصرية على تعزيز وجودها على الحدود، خاصة الغربية مع ليبيا والجنوبية مع السودان أو في سيناء.

وفقاً لتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، تمت زيادة أعداد القوات وتزويدها بأحدث التقنيات لرصد أي تهديدات محتملة، كما نفذت القوات الجوية ضربات استباقية ضد أهداف إرهابية خارج الحدود، وهو ما ساهم في تعزيز الأمن الداخلي.

كما لعبت مصر دوراً دبلوماسياً بارزاً في تهدئة الأوضاع بالمنطقة، حيث استضافت عدة مؤتمرات لدعم الحوار في ليبيا والسودان، في أكتوبر 2024، استضافت القاهرة قمة لدول الجوار الليبي، والتي أسفرت عن اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار.

وعملت الحكومة على تعزيز برامج الدعم الاقتصادي لتحصين الجبهة الداخلية ضد تأثيرات الأزمات الإقليمية، على سبيل المثال، تم تخصيص 15 مليار جنيه مصري إضافية لدعم السلع الأساسية خلال عام 2024، وفقاً لوزارة المالية.

ورغم كل الجهود المبذولة، تواجه مصر العديد من المخاطر التي تتطلب استعداداً دائماً، وتتطلب يقظة الدولة لكل ما يحدث حولنا وما تحاول بعض القوى الخارجية تدبيره لنا لإضعاف الدولة وهدمها، فاستمرار الصراعات في السودان وليبيا قد يؤدي إلى مزيد من الضغط على الحدود المصرية، مع تزايد محاولات التسلل أو تدفق اللاجئين.

التدخلات الدولية في الشرق الأوسط تؤثر على التوازن الإقليمي، فالتنافس بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوترات، وهو ما ينعكس على مستقبل الشرق الأوسط مثلما يحدث حالياً.

ويزيد من الاضطرابات الإقليمية التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على الدولة.

وهو ما يجعلنا ندرك لماذا يحاول البعض هدم مستقبل الدولة المصرية ومحاربتها بالشائعات وترويج الأكاذيب ليضيق الناس ويدفعهم للغضب واليأس من مستقبلهم أملاً في دفعهم لهدم دولتهم بأيديهم، ولكنهم لا يدركون قيمة وعظمة الشعب المصري الذي يضحي بنفسه من أجل تراب وطنه، من يرسلون أبناءهم للحرب في سيناء وهم يدركون أنهم قد لا يعودون، من يقومون بتوزيع الشربات بعد تلقي أخبار استشهاد أبنائهم.

مصر كبيرة وقوية بشعبها، الذي قد يغضب أحياناً بسبب وضع اقتصادي صعب، ولكنه يدرك قيمة الدولة ومكانة القوات المسلحة وقائدها في الحفاظ على الوطن.

حفظ الله مصر.. أرضاً وشعباً وجيشاً.