تصريحات ترامب وفقرة الساحر
يتابع العالم تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في ذهول بالغ، صحيح أن التصريحات الساخنة وإثارة الجدل يُعتبران من أهم صفات ترامب وأكثر ما ميّز فترته الرئاسية الأولى، غير أن ما يقوله اليوم قبل عودته للبيت الأبيض، يمثل صدمة لم يفق العالم منها بعد، ينتظر تصريحات ترامب كما ينتظر الأطفال فقرة الساحر في السيرك، وما بين كل تصريح وتصريح تختلط مشاعر متباينة لدى الجميع ما بين الصدمة والدهشة والضحك والقلق في آن واحد.
وتُعتبر أخطر هذه التصريحات تلك التي تحدّث فيها عن سعي بلاده لضم دولتين وجزيرة كبرى تتبع دولة ثالثة، ورغم الرفض الواسع لهذه التصريحات، إلا أن ترامب أعاد إطلاقها مجددا دونما اكتراث بردود الفعل، بل وهدد ضمنيا باستخدام القوة العسكرية للتنفيذ، تحدّث ترامب وكأنّه إمبراطور من العصور الوسطى وليس رئيسا للدولة التي ترعى حقوق الإنسان والحريات، متجاهلا حق تقرير المصير الذي طالما استخدمته أمريكا لإسقاط دول وتقسيم شعوب، داهسا القانون الدولي الذي ترعاه المنظمة الدولية التي توجد على بُعد كيلومترات من مقر إقامته!
البعض يصف هذه التصريحات بأنّها تصعيد إعلامي معتاد لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مجانية، وأنّها ليست إلا مقدمة لجولات تفاوض طويلة مع هذه الدول بغرض كسب نفوذ ما أو تحقيق أهداف مرتبطة بالصراع الدولي الدائر حاليا مع الصين وروسيا، إلا أنّ اقتران التصريحات بصمت الولايات المتحدة عن عدد من مشروعات التوسع الدولية التي يشهدها العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص يعطي انطباعا عاما بأن الأمر أكبر من التفاوض والضغوط وسياسات حافة الهاوية!
بشكل أوضح، تبدو هذه التصريحات وكأنّها إعداد لمسرح حرب عالمية طاحنة وذلك للطبيعة الاستراتيجية التي تتميز بها هذه الدول، فدولة بنما وقناتها الشهيرة التي تمثل عصب وشريان الحياة للتجارة المحلية والدولية للولايات المتحدة وافقت مؤخرا على إعطاء عدد من المواني على جانبي القناة للصين، ما يعني أنّ التنين الصيني قد بدأ يقترب أكثر من خنق الولايات المتحدة وحصارها استراتيجيا عبر اقترابه من إدارة هذه القناة، والتي تعتمد على إيرادات مرور السفن الأمريكية بها بنسبة 70%، إضافة إلى الأهمية الاستراتيجية الكبرى لجزيرة غرينلاند وموقعها الفريد شمال الأطلسي، حيث تُعتبر ملتقى عدة طرق تجارية دولية، وتُعتبر الباب الشمالي الشرقي للولايات المتحدة!
ولا تبدو الأهمية الاستراتيجية لهذه الدول الدافع الأوحد للتهديدات، للأمر شق اقتصادي مهم يعني الكثير لأمريكا التي عرفت طريق الأزمات الاقتصادية الطاحنة مع بداية هيمنتها وسيطرتها على العالم، ما يجعل ضم هذه الدول بمثابة طوق نجاة للاقتصاد الأمريكي من الغرق، وقيمة مضافة هائلة لما تمتلك من ثروات طبيعية وموارد اقتصادية ضخمة يمكن أن تساهم بفاعلية في خروج الاقتصاد الأمريكي من النفق المظلم!
الدلالة الأهم لهذه التصريحات أنّ هناك حالة من الطمع تجتاح العالم أجمع، خرجت مشروعات التوسع من دائرة السرية وأضحت أخبارا وتصريحات رسمية، أصبح الجميع منشغلا بالاستحواذ على أراضي الغير وثرواته بدلا من البحث عن حلول عملية للأزمات الاقتصادية المتتالية، ولا يوجد وصف لحرب الوجود أفضل من ذلك، قانون القوة اليوم هو القانون الوحيد الذي يعمل بكفاءة، فالدول التي لا تملك قرارها وقوتها الشاملة اليوم تواجه شبح الفناء في صمت كمريض في غرفة الإنعاش؛ الموت أقرب إليه من الحياة، ولا نعرف بعد كل هذا هل نعيش في غابة أم سيرك؟
وهل ترامب هنا يقوم بدور ملك الغابة أم الساحر البارع؟ كلها أسئلة مهمة حتى ترامب نفسه لا يملك لها أية إجابات!