توترات أوروبية.. الحرب الروسية الأوكرانية تدخل عامها الثالث وتغير موازين القوى وتهدد أمن القارة العجوز

توترات أوروبية.. الحرب الروسية الأوكرانية تدخل عامها الثالث وتغير موازين القوى وتهدد أمن القارة العجوز
تشهد أوروبا، منذ 2022 وحتى الآن، واحدة من أكثر الحروب التى تشكل تهديداً لأمن «القارة العجوز»، ما جعلها مركزاً للتوترات العالمية، فلا تزال الحرب الروسية - الأوكرانية تشكل خطراً جيوسياسياً كبيراً، حيث تمثل تلك الحرب المحرك الأساسى للصراعات فى أوروبا، حيث تستمر المواجهات العسكرية العنيفة، وسط تعقيدات سياسية وعسكرية كبيرة، أدت إلى تغييرات جذرية فى موازين القوى الدولية، إلى جانب الآثار السلبية لهذه الحرب على الاقتصاد العالمى، إذ تسببت فى ارتفاع معدلات التضخم، واضطراب سلاسل الإمداد، وزيادة أسعار الطاقة والسلع الأساسية، مما زاد من معاناة الشعوب، لا سيما فى الدول النامية، ومع تفاقم هذه الأوضاع أصبحت المخاوف من توسع النزاعات إلى حروب أوسع نطاقاً أمراً يؤرق العالم. وتظل الحرب الروسية الأوكرانية الحدث الأبرز داخل القارة العجوز، حيث تدخل الحرب عامها الثالث، وتُعد واحداً من أكثر النزاعات تأثيراً على الصعيدين الإقليمى والدولى، فتشهد تلك الحرب تباطؤ الهجوم الأوكرانى المضاد، وعدم تطوير الهجوم الروسى، وعدم وجود رغبة أمريكية - غربية فى استمرار مستوى الدعم العسكرى والمالى الكبير لكييف، لا سيما أن واشنطن ترى أن موسكو استُنزفت عسكرياً وبشرياً واقتصادياً، والحد من خططها فى التوسع داخل أوكرانيا، فى الوقت الذى تظهر فيه بعض المحاولات لإعادة ترميم حلف شمال الأطلسى.
وشهد النصف الثانى من العام الماضى تحولاً فى التكتيكات العسكرية، حيث توغلت القوات الأوكرانية، خلال شهر أغسطس الماضى، فى عدة مناطق روسية، بعد أن عبر نحو ألف جندى من قواتها إلى مقاطعة «كورسك» الروسية القريبة من بلدة «سودجا»، وفى نوفمبر الماضى، استخدمت القوات الأوكرانية، لأول مرة، صواريخ طويلة المدى من طراز «ستورم شادو»، وصواريخ «أتاكمز» الأمريكية، لضرب عمق الأراضى الروسية، بعد حصولها على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكى، جو بايدن، فيما ردت موسكو بالإعلان عن تغيير عقيدتها النووية، وهددت بتوسيع نطاق حالات استخدام السلاح النووى، ليكون من ضمنها تعرض الأراضى الروسية لقصف بصواريخ تقليدية، من قبل دولة مدعومة بتحالف مع قوة نووية، بما يعنى أن الصواريخ الباليستية الأمريكية، التى يتم إطلاقها من أوكرانيا باتجاه الأراضى الروسية، سيتم تفسيرها بأنها هجوم مشترك بين أوكرانيا والولايات المتحدة، وهذا ما يبرر اللجوء لخيار الرد النووى.
تحدث الدكتور محمود عبدالسلام، خبير العلاقات الدولية، لـ«الوطن» عن تأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية، قائلاً إن هذه الحرب لم تقتصر تأثيراتها على الجوانب العسكرية فقط، بل امتدت لتشمل الاقتصاد العالمى، حيث تسببت فى ارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادى، مشيراً إلى أن أسعار النفط والغاز شهدت زيادات حادة نتيجة لتعطل الإمدادات، مما أدى إلى أزمات طاقة فى العديد من الدول الأوروبية والنامية، وأضاف أن هذه الحرب ألقت بظلالها الثقيلة على أسواق السلع الأساسية، حيث أدت إلى اضطرابات كبيرة فى سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف المواد الغذائية والمنتجات الصناعية، وكان لهذه التداعيات آثار مدمرة على الدول النامية، التى تعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجاتها الأساسية، كما زادت التكاليف الاقتصادية على الدول الكبرى، نتيجة زيادة الإنفاق العسكرى، وفرض العقوبات الاقتصادية، مما أدى إلى تقلبات ملحوظة فى الأسواق المالية العالمية.
وأوضح «عبدالسلام» أن التوترات السياسية بين الولايات المتحدة وروسيا بلغت مستويات غير مسبوقة خلال هذه الحرب، حيث دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون أوكرانيا مالياً وعسكرياً، مما زاد من تعقيد العلاقات الدولية، كما أن هذا الدعم الغربى يعكس مخاوف عميقة بشأن تأثير الحرب على استقرار أوروبا والعالم بأسره، مؤكداً أن الحرب الروسية - الأوكرانية لم تؤثر فقط على الاقتصاد العالمى، بل أدت أيضاً إلى تصعيد التوترات الجيوسياسية فى أوروبا.
«عبدالسلام»: الحروب تسببت في تعميق الأزمات الاقتصادية والسياسية والإنسانية خلال العام الماضي
أما فيما يخص الجانب الإنسانى، فقد أكد «عبدالسلام» أن الحرب الروسية - الأوكرانية تسببت فى موجات نزوح هائلة، حيث اضطر ملايين الأشخاص إلى مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان، كما أدت إلى خسائر بشرية كبيرة، سواء من القتلى أو الجرحى، مما ضاعف من معاناة المدنيين، وأثقل كاهل المنظمات الإنسانية، وفيما يتعلق بالتأثيرات البيئية، أوضح أن القصف المستمر والتدمير واسع النطاق للبنية التحتية أدى إلى تلوث بيئى خطير فى أوكرانيا، والمناطق المحيطة بها، وهذه التأثيرات ستستمر لفترة طويلة، مما يمثل تهديداً كبيراً للموارد الطبيعية وللأجيال القادمة فى هذه المناطق، وفى المجمل، فإن حروب القارة العجوز خلال العام المنصرم ساهمت فى تعميق الأزمات الاقتصادية والسياسية والإنسانية، مما جعلها واحدة من أكثر المناطق تأثراً بالنزاعات المسلحة على مستوى العالم.