«براعم وأشبال مصر الرقمية».. برامج تمهد الطريق أمام الأطفال لتعلم البرمجة بالمجان

«براعم وأشبال مصر الرقمية».. برامج تمهد الطريق أمام الأطفال لتعلم البرمجة بالمجان
فى إحدى ليالى الشتاء، جلس عز ناجى فى غرفة المعيشة يراقب ابنته ذات الأعوام العشرة، وهى تُنهى واجباتها المدرسية، وبعد أن انتهت منها، قالت بابتسامة طفولية: «بابا، أنا خلّصت.. هات التليفون ألعب»، كان هذا هو الروتين المعتاد.. ساعة من اللعب قبل النوم كجزء من اتفاق مسبق بينهما، لكن تلك الليلة، وبينما كانت تستعد ماهينور لفتح صندوق لعبتها المفضلة، توقفت فجأة وسألت: «بابا، هو إزاى عملوا التليفون ده، والألعاب اللى عليه دى؟».
تفاجأ الأب الذى يعمل مُعلماً بوزارة التعليم بمحافظة البحيرة بالسؤال، وأجاب بطريقة بسيطة: «إلعبى يا ماهينور، لما تكبرى هتعرفى»، لكن السؤال ظل يدور فى ذهنه، وقرر أن يبحث عن طريقة لشرح هذه الأمور التقنية بطريقة مُبسطة لها، متسائلاً: «لماذا لا تتعلم الآن؟ ولماذا أنتظر حتى تكبر؟».
يعترف «عز» بأنه كانت لديه مخاوف فى البداية، من أن يكون تعليم البرمجة أمراً مُعقداً بالنسبة للأطفال فى هذا العمر، ولكنه قرر أن يخوض هو وابنته التجربة كـ«نوع من المغامرة وكسر قيود الحياة الروتينية التى يعيشها الطفل.. من المدرسة، والمذاكرة، والدروس الخصوصية».
هكذا سعى الأب لتحويل الفكرة إلى واقع ملموس، رغم خلفيته المتواضعة فى التكنولوجيا، وبحث عن طُرق لتعليم البرمجة للأطفال، وبدأ بخطوات بسيطة مع ابنته باستخدام تطبيقات تعليمية مناسبة لعمرها، اعتماداً على موقع «يوتيوب»، ومستعيناً بـ«لاب توب» متوسط الإمكانيات اشتراه قبل 5 أعوام. وسرعان ما أخذت التجربة العابرة تتحول سريعاً إلى شغف لدى طالبة الصف الرابع الابتدائى، التى بدأت تفهم كيف تُصنع الألعاب، ومع مرور الوقت، استطاعت تصميم أول لعبة لها، وقدمتها لوالدها بفخر، قائلة: «بابا، شوفت اللعبة اللى عملتها؟».
وبينما كان الأب يحاول الاجتهاد بمفرده لتعليم ابنته البرمجة، علم من خلال عمله بوزارة التربية والتعليم، بالمبادرات التى أطلقتها وزارة الاتصالات، مثل «براعم مصر» و«أشبال مصر» لتعليم الأطفال البرمجة، وبدأ بسؤال المتخصصين عن أهمية تعليم الأطفال تلك العلوم، والاستفادة التى من المتوقع أن تعود عليهم منها، حيث أكدوا له أن «تعليم البرمجة للأطفال فى سن مبكرة قد تكون له تأثيرات كبيرة وجذرية على فهم وإدراك ووعى الطفل وبالتالى مستقبله».
التقديم وبدء المحاضرات
وعن التقديم وإجراءاته، يقول ابن قرية دست الأشراف الواقعة بمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة: «بدأت بالفعل فى مايو الماضى بالتزامن مع بداية الإجازة الصيفية بالسؤال عن آلية التقديم والطرق المتاحة، وعلمت من المسئولين أن التقديم يكون إما عن طريق المدرسة أو ولى الأمر بنفسه، وبالفعل بحثت عن الرابط الرسمى للتقديم فى مبادرة «براعم مصر» الرقمية، وجاء الرد بقبول «ماهينور» بعد 15 يوماً تقريباً، وبدأت فعلاً فى التعلم».
وكما أوضح الأب، فقد «تضمنت الدورة التدريبية محاضرتين أسبوعياً «أون لاين» على منصة مصر الرقمية، إضافة لمحاضرتين شهرياً فى أحد المقرات التابعة لوزارة التربية والتعليم، المُعدة لتلك المبادرات، قائلاً: «ماهينور محاضراتها الأون لاين الأحد والأربعاء من كل أسبوع، وعلى مدار الشهر بيكون فيه محاضرتين فى المقر اللى تبع الوزارة بمدينة دمنهور التى تبعد تقريبا ٤٥ كيلو عن قريتى»، مشيداً بجودة المحتوى التعليمى المقدم والرعاية المميزة التى يحظى بها الطلاب، فى هذه المبادرة المجانية بالكامل، حسب تأكيده.
البرمجة لغة المستقبل
وأطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مبادرتى «أشبال مصر الرقمية» فى مايو 2022، و«براعم مصر» فى أغسطس 2023، بهدف صقل مهارات التكنولوجيا للطلاب من الصف الرابع إلى السادس الابتدائى ضمن مبادرة البراعم، والطلاب من الصف الأول الإعدادى وحتى الصف الثانى الثانوى ضمن مبادرة الأشبال، وذلك بجميع المدارس الحكومية والخاصة والتجريبية والأزهرية والدولية على مستوى الجمهورية، فى إطار منحة مجانية كاملة من الوزارة بهدف «إعداد جيل متميز قادر على استشراف آفاق جديدة فى التكنولوجيا، وتحقيق الرؤية الرقمية لمصر لمواكبة علوم ومتطلبات سوق العمل المستقبلية».
«الحارثي»: «البرمجة» لغة المستقبل وتعلّمها أساسي لمواكبة ثورة التكنولوجيا
وقد جاء ذلك، حسبما يؤكد الدكتور محمد الحارثى، خبير تكنولوجيا المعلومات، ليتماشى مع «الثورة التكنولوجية غير المسبوقة التى يعيشها العالم الآن، والتى تغيرت معها المعايير وأصبحت البرمجة هى لغة المستقبل وإحدى أهم المهارات التى يحتاجها الأفراد باختلاف تخصصاتهم وبتنوع مجالاتهم لمواكبة متطلبات سوق العمل، ولم يعد تعلمها أمراً مقتصراً فقط على متخصصى العمل فى مجالات تكنولوجيا المعلومات، بل أصبح ضرورياً للنجاة من طوفان الثورة التكنولوجية التى تعصف بالوظائف التقليدية، فى عصر يشهد تسارعاً فى الابتكار والإبداع، وأصبح تعلم البرمجة فيه أداة أساسية للتنافسية والنجاح».
ويحرص الخبير التكنولوجى فى الوقت نفسه على التأكيد أن: «التكنولوجيا الحديثة أصبحت أكثر سهولة فى تعلمها، خاصة مع توافر مصادر تعليمية متاحة ومن السهل الوصول إليها، سواءً عن طريق الإنترنت أو المنصات أو مراكز التعليم، ما يجعل الجيل الجديد أكثر قدرة على اكتساب المهارات التكنولوجية منذ الصغر»، موضحاً أن «الإبداع هو إحدى أهم المهارات الأساسية فى مجال التكنولوجيا، وأن التدريب والممارسة هما المفتاح الأساسى لتعلم البرمجة بشكل فعّال».
أهمية تعليم البرمجة للأطفال
«صبحي»: بداية لبناء جيل مُبدع
وحول أهمية تعليم البرمجة للأطفال، يؤكد عمرو صبحى، خبير أمن المعلومات والتحول الرقمى، أن «تعليم البرمجة للأطفال منذ الصغر له تأثير عميق على تطوير مهاراتهم، حيث يتيح لهم فهم كيفية عمل التكنولوجيا التى يستخدمونها يومياً، والتحول من مجرد مستخدم هاوٍ إلى مبتكر مبدع، ما يُعزز الاستعداد لديهم لمواجهة التحديات المستقبلية والعقبات التى قد تعترض طريقهم، خاصة أنهم يكتسبون طيلة مسيرة تعلمهم مهارات التعاون والتفكير النقدى، التى لها أثر كبير فى تشكيل وعيهم وإدراكهم».
ويشير خبير الاتصالات إلى أن تعليم البرمجة للأطفال وتطوير مناهج تعليمية تتضمن تلك المهارة سيسهم بشكل كبير فى بناء مستقبل يتسم بالابتكار والتفكير النقدى، وهو ما يمثل ضمانة لنجاح الأجيال القادمة فى مواجهة تحديات العصر الرقمى، حسب قوله.