لبنان بين انتخاب الرئيس ومستقبل الأوضاع الداخلية

مصطفى عمار

مصطفى عمار

كاتب صحفي

لبنان الذى لطالما كان ساحة لصراعات إقليمية ودولية، يقف اليوم على أعتاب محطة سياسية قد تكون فاصلة فى تاريخه الحديث، وهى انتخاب الرئيس جوزيف عون رئيساً جديداً للجمهورية بعد أكثر من سنتين من الفراغ السياسى. الفراغ الرئاسى، الذى أنهك البلاد، زاد من تعقيد المشهد السياسى، والاقتصادى، والأمنى، مما جعل اللبنانيين يتطلعون إلى هذه اللحظة بترقب حَذِر.

مع تكثيف الجهود المحلية والإقليمية والدولية، وضح أن هناك توافقاً بدأ يتشكل حول اسم قائد الجيش اللبنانى، جوزيف عون، كمرشح توافقى؛ فدعم المعارضة اللبنانية لهذا الخيار، إلى جانب انسحاب السياسى سليمان فرنجية من السباق الرئاسى، يعكس رغبة الأطراف السياسية فى إنهاء حالة الجمود التى تُرهق البلاد.

انتخاب «عون» يشكل خطوة أولى نحو استعادة الثقة فى المؤسسات اللبنانية التى تعرضت لتآكل كبير بسبب الانقسامات الداخلية، والضغوط الاقتصادية.

ولكن يبقى السؤال: هل تكفى هذه الخطوة لإنقاذ لبنان من دوامة أزماته رغم أهمية الخطوة وحتميتها؟

لا يمكن الحديث عن انتخاب رئيس دون التطرق إلى الأوضاع الداخلية المعقدة. الأزمة الاقتصادية التى تعصف بلبنان هى الأسوأ فى تاريخه، حيث فقدت العملة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق.. وهذا نتاج طبيعى لانهيار مؤسسات الدولة.

انتخاب رئيس جديد قد يفتح الباب أمام استئناف المفاوضات مع المؤسسات الدولية للحصول على الدعم المالى والاقتصادى، ولكنه لن يكون كافياً إذا لم يُرافَق بإصلاحات هيكلية حقيقية.

الشعب اللبنانى، الذى أصبح فاقداً للثقة فى كل شىء ينتظر تغييرات جذرية تعيد له الأمل بمستقبل أفضل.

على الجانب الأمنى، فإن انتخاب رئيس جديد قد يسهم فى تهدئة التوترات الداخلية، خصوصاً إذا استطاع أن يلعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة. ولكن يبقى التحدى الأكبر هو كيفية التعامل مع الملفات الحساسة مثل سلاح حزب الله، والعلاقة مع سوريا، والتوترات على الحدود مع إسرائيل.

انتخاب قائد الجيش اللبنانى رئيساً قد يحمل دلالات مهمة بالنسبة لحزب الله، الذى يتمتع بنفوذ كبير فى المشهد السياسى اللبنانى. الحزب، الذى لطالما دعم مرشحين قريبين من محوره الإقليمى، قد يجد نفسه أمام واقع جديد يتطلب التكيف مع مرحلة مختلفة.

فى حال تمكن الرئيس الجديد من لعب دور متوازن بين جميع الأطراف، قد يضع حزب الله أمام خيارين: إما المضىّ فى استراتيجية المواجهة مع القوى الدولية والمحلية، أو الانخراط فى عملية سياسية أوسع تهدف إلى إعادة بناء الدولة وهو ما يحلم به كل مواطن لبنانى.

التحدى الآخر الذى يواجه حزب الله هو الضغط الدولى المتزايد لتقييد نفوذه العسكرى، خاصة فى ظل تصاعد التوترات على الحدود مع إسرائيل. استمرار الحزب فى لعب دور عسكرى خارج إطار الدولة قد يضع لبنان أمام المزيد من العزلة الدولية.

وعلى الصعيد السورى، فلطالما شكلت العلاقة مع سوريا ملفاً حساساً فى السياسة اللبنانية، إلا أن انتخاب رئيس جديد قد يعيد ترتيب هذه العلاقة، خصوصاً إذا كان الرئيس قادراً على بناء سياسة خارجية مستقلة تخدم المصلحة الوطنية اللبنانية.

ومع استمرار الأزمة السورية، يواجه لبنان تحديات كبيرة تتعلق بملف اللاجئين السوريين وتأثيرات الصراع السورى على أمنه واستقراره.

ما يحتاجه لبنان اليوم ليس فقط رئيساً يجمع الفرقاء السياسيين، بل قيادة تمتلك رؤية واضحة وشجاعة لاتخاذ القرارات الصعبة.

 فى النهاية، يبقى الأمل معقوداً على إرادة الشعب اللبنانى الذى أثبت مراراً قدرته على الصمود والتغيير فى وجه التحديات الكبرى.